كشف تحقيق استقصائي لوكالة "فرانس برس"، كيف أن الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد، كانت إمبراطورية اقتصادية هي عبارة عن شبكة فساد متغلغلة في الاقتصاد السوري، تشمل تجارة المخدرات ونهب موارد البلاد وفرض الإتاوات.
امبراطورية ماهر
وتكشفت مجموعة وثائق اطلعت عليها الوكالة، داخل عدد من المواقع المهجورة، النقاب عن امبراطورية اقتصادية واسعة بناها ماهر الأسد مع شبكته من المنتفعين، إذ لم تترك مجالاً لم تنخرط فيه، من الصناعة والاتجار الكبتاغون، وصولاً لفرض الإتاوات على المعابر الحدودية والحواجز.
كما تُظهر كيف تغلغلت الفرقة الرابعة في الكثير من مفاصل البلد، ما جعلها أشبه بـ"مافيا" محظية داخل دولة مارقة، إذ استولت على منازل ومزارع، وصادرت بضائع شتى من مواد غذائية وسيارات وأجهزة إلكترونية لبيعها، وكذلك نهبت النحاس والمعادن من مناطق دمرتها سنوات الحرب الطويلة.
إضافة إلى ذلك، فرضت إتاوات عند الحواجز ونقاط التفتيش، وجنت أموالاً من مرافقة صهاريج نفط وحماية مسارها، بينها تلك الآتية من مناطق سيطر عليها تنظيم "داعش"، كما احتكرت أيضا تجارة التبغ والمعادن.
خزنات بالدولار
ولم يكن ماهر الأسد (58عاماً)، يعلم بعزم شقيقه الهروب إلى روسيا، حيث هرب بشكل منفصل بواسطة مروحية إلى العراق ثم إلى روسيا عبر إيران، على الأرجح، بحسب مصدر عراقي رفيع المستوى ومصدرين سورين.
ولدى دخول فريق الوكالة إلى المقر الخاص بماهر، كان فوق متاهة من الأنفاق محفورة في قلب جبل يعلو دمشق، يتسع بعضها لمرور شاحنة، كما توجد غرف موصدة وخزنات تعرضت "للكسر" والنهب على أيدي أشخاص اقتحموا المكان بالتزامن مع سقوط النظام.
وإلى جانب خزنة مهجورة داخل ممر، يمكن رؤية جهاز تغليف حراري جرى استخدامه على الأرجح لتغليف الأوراق النقدية.
وبين مئات الأوراق المبعثرة داخل مكتب أمني للفرقة الرابعة، عثر الفريق على مستند يكشف أنه كان هناك حتى 4 حزيران/يونيو 2024، سيولة نقدية قدرها 80 مليون دولار، و8 ملايين يورو، و41 مليار ليرة سورية.
وتوثّق مئات المستندات احتفاظ ماهر الأسد ومكتب الأمن بمبالغ مماثلة في الفترة الممتدة بين العامين 2021 و2024.
قصور فاخرة
لم تنجح العقوبات الغربية في كبح جماح ماهر الأسد ورجاله أو الحدّ من نفوذهم طيلة سنوات النزاع. ويقول عمر شعبان، العميد السابق في الفرقة الرابعة الذي عقد تسوية مع الإدارة السورية الجديدة: "كانت الفرقة الرابعة دولة مستقلة، تمتلك (...) كل شيء".
وبينما كان التعامل بالدولار الأميركي محظورا في سوريا، أصبح العديد "من ضباط الأمن أصحاب ثروات، لديهم خزنات وأموال (...) بالدولار حصراً"، بحسب شعبان.
وأقام أعوان ماهر المقربون في قصور فاخرة واعتادوا على شحن سيارات فارهة من الخارج، بينما كان البلد خارج أسوار قصورهم غارقاً في دوامة من الفقر والبؤس والخوف، فيما كانت الفرقة الرابعة بمثابة القبضة الحديدية للنظام وارتبط اسمها بسلسلة طويلة من الفظائع.
غسان بلال
وكان يتردد اسم آخر إلى جانب اسم ماهر الأسد، هو غسان بلال، مدير مكتب الأمن في الفرقة الرابعة. وعلى غرار رئيسه، كان بلال مولعاً بجمع السيارات الفارهة ويقيم في فيلا في يعفور. وتقول مصادر أمنية إنه غادر سوريا بعد سقوط الحكم.
ومن داخل مكتبه الفسيح في المقر الرئيسي لمكتب الأمن، تكشف معاينة فاتورة تلو الأخرى، تفاصيل أسلوب حياته الباذخ. وبين تلك الفواتير واحدة متعلقة بصيانة سيارة الكاديلاك خاصته.
وبحسب وثيقة، فقد شحن بلال في صيف 2024، سيارتين من دبي، من طراز ليكسس ومرسيدس، كما تظهر فواتير تسديد مبلغ بقيمة 29 ألف دولار كبدل جمارك وتأمين في دولة الإمارات، عبر بطاقة ائتمان مسجّلة باسم شخص آخر.
وتتضمن قوائم أخرى نفقات، غالبيتها منزلية ولأولاده أو للمطبخ أو لشراء الوقود ومصاريف أملاك بينها الفيلا التي تعرضت لاحقا للنهب، بلغت قيمتها خلال 10 أيام من شهر أب/أغسطس، 55 ألف دولار.
وفي الشهر ذاته، كتب جندي من الفرقة الرابعة إلى بلال متوسلا منحه "إعانة مالية (كونه) بوضع مادي سيء جداً، وقد صرف له بلال 500 ألف ليرة، ما يعادل حينها 55 دولاراً.