تحت بقايا سقف من الاسمنت، رفعت على جدرانه صور للشهداء وأعلام لبنانية وحزبية، تمضي مناهل عيسى مع بعض أولادها، ساعات حول مدفأة على الحطب، يحتسون القهوة والشاي. أحفادها من البنين والبنات يستغلون سطوع شمس آذار والدفء للعب على ركام المنازل المدمرة في قريتهم "راميا" (معناها حسب معاجم اللغة العربية المتباهية أو المتفاخرة)، التي كانت إلى سنة خلت مرتعاً لطفولتهم. ومع حلول ساعات المساء، تعود مناهل إلى منزل نزوحها في صور، تاركة وراءها حسرة مشاهد الدمار الذي تجاوز الـ99 بالمئة من البلدة. لكنها تعتصم بأمل العودة إلى راميا لزرع أرضها الموصوفة بموئل للتبغ في سهلها الخصب، الواقع على مرمى حجر من جبل بلاط المحتل، الذي يعزل البلدة عن جارتها مروحين وبلدات القطاع الغربي.دمار كلي للبلدة"وين بدنا ننام" بهذه الجملة تختصر مناهل حال بلدتها. وتقول لـ"المدن": "راميا بلدة منكوبة، كل بيوتها مدمرة، لم يبق فيها منازل قابلة للسكن تعدّ على أصابع اليد الواحدة". وتضيف، نريد مساعدة العالم لاعادة إعمار ما هدمته إسرائيل، لأننا متمسكون بأرضنا، ولن نتركها إطلاقاً. وعلى إسرائيل التي لا تزال تحتل مساحات واسعة الإنسحاب منها.سقط من أبناء راميا ثمانية شهداء، إضافة إلى شهداء آخرين سقطوا على أرضها الملاصقة للاراضي الفلسطينية المحتلة. ودمرت اسرائيل 500 وحدة سكنية وناديان حسينيان والمركز الثقافي ومبنى البلدية والمساجد وخزان المياه. لكن بقيت مدرستها الرسمية، التي إحتمى فيها جنود الإحتلال خلال مرحلة توغلهم في البلدة، صامدة. لكنهم عاثوا في طبقاتها الثلاثة خراباً وتكسيراً لمحتوياتها وزجاج نوافذها وابوابها.لم يعد إلى راميا، أي فرد من أبنائها للعيش فيها حتى اليوم، منذ الانسحاب الإسرائيلي. والسبب الوحيد هو عدم توفر منزل واحد صالح للسكن، ولا كهرباء ولا مياه ولا طرقات. وعليه جميع أبناء البلدة لا يزالون في أماكن النزوح في ضواحي صور وبيروت، ينتظرون إجراء الكشف على منازلهم من قبل مجلس الجنوب، على أحر من الجمر للبدء بمراحل الإعماروالعودة شيئاً فشيئاً.بيوت زراعية جاهزةبإنتظار إطلاق صفارة دفع التعويضات للاهالي، بعد توفر الأموال اللازمة بواسطة الحكومة اللبنانية، التي إلتزم رئيسها نواف سلام بالاعمار، وحتى يبقى الأهالي وخصوصاً المزارعين منهم على تماس مع بلدتهم، جاءت خطوة إستقدام بيوت صغيرة جاهزة، من خلال مبادرة لجمعية "وتعاونوا". ووصل إلى البلدة 15 منزلاً، في المرحلة الأولى، من أصل خمسين مخصصة لها، جرى تركيبها في باحة ملعب المدرسة الرسمية.وحول هذه المنازل أكد رئيس جمعية "وتعاونوا " عفيف شومان، أنهم سيؤمون 50 بيتاً جاهزاً لراميا. وهذه البيوت عبارة عن غرفة إقامة ومطبخ لكل عائلة. إضافة إلى أنهم سيتكفلون بترميم المدرسة الرسمية بواقع عشرين غرفة بالحد الأدنى مع مرافقها الخدماتية الكاملة، إلى جانب تقديمم مساعدة مالية لحوالي مئتي مزارع لتمكينهم من إستعادة نشاطهم الزراعي. وهذا من شأنه إحداث فرق نوعي يسهم في عودة الحياة إلى البلدة.وأعلن شومان عن إختتام المرحلة الأولى من فعاليات مشروع "الوجه الحسن"، تحت مسمى مبادرة "الجهاد الزراعي" في راميا. وقد وصلت الدفعة الأولى من البيوت الجاهزة الى البلدة وجرى تركيبها في باحة الثانوية. لكن المشروع سيستكمل في باقي البلدات الحدودية، ليكون بمثابة مشروع تنموي في إطار الخدمة المجتمعية. وهو رسالة تحد للإحتلال.ثمانية بيوت فقط!من جانبه أكد رئيس بلدية راميا المهندس علي مرعي أنهم سيحوّلون مبنى المدرسة، بعد إصلاحة وتأهيله، إلى مركز لإيواء الأهالي، الذين هم بغالبيتهم من المزارعين. ويشرح أن المبنى يضم ثلاثين غرفة، وسيتم إستحداث 6 حمامات خارجية، ستكون موزعة بين البيوت الجاهزة، التي سينتقل اليها الاهالي بعد الانتهاء من الأعمال اللوجستية.
ولفت مرعي إلى أن عدد العائلات التي كانت مقيمة في البلدة صيفاً شتاءً، يتراوح بين 180 و200 عائلة غالبيتها من المزارعين، خصوصاً مزارعي التبغ والحبوب ومربي الثروة الحيوانية.وأضاف أن الدمار كبير وكل ما تبقى في البلدة لا يتجاوز الثمانية بيوت من أصل نحو 500 وحدة سكنية حولها العدو إلى ركام. لكنها بحاجة إلى ترميم أيضاً. وما يخفف من الأعباء أن أصحاب البيوت المدمرة حصلوا على بدلات إيواء وأثاث من مؤسسة جهاد البناء.وأكد مرعي أنهم يسعون لزيادة عدد البيوت الجاهزة من خمسين إلى مئتي بيت. إضافة إلى انشاء مركز بلدي مؤقت في "كونتينر". وهناك مساعي مع جمعيات أخرى غير "وتعاونوا" لتقديم معدات للمزارعين ومولد كهربائي.
بدوره أكد المزارع علي خليل، الذي كان يساعد البلدية في تثبيت البيوت الجاهزة، أنه سينتقل مع عائلته المؤلفة من أربعة أفراد إلى راميا للسكن في أحد هذه البيوت. فهو مثله مثل باقي أقرانه المزارعين، مصمم على إعادة الروح إلى أرضه وزراعتها والعيش من مردودها، كما كانت الحال قبل العدوان الإسرائيلي.