لا جديد في القول إن رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران يتحكم كفرد مطلق بصرح وطني مثل الجامعة اللبنانية كما لو أنها ملكية خاصة، مستغلاً عدم وجود مجلس جامعة منذ العام 2019. هذا الأمر أدى إلى انحراف في ممارسة السلطة والتعسف فيها، وصولاً إلى تعميم صدر عنه أمس، لا يمكن السكوت عليه، ويفرض تدخل وزيرة التربية ريما كرامي، حفظاً لماء الوجه. فرئيس الجامعة، الذي يعتبر بحسب قانون الجامعة بمثابة مراقب عام عليها، بات بحاجة لمن يراقب عمله، وبشكل فوري. وصدور التعميم يعني أنه يتعامل باستخفاف مع الحكومة الجديدة ووزيرة التربية الدكتورة ريما كرامي، التي يفترض أن تفرض نفسها كشريكة في قرار الجامعة، طالما أن "المجلس" غير قائم.تعميم بتاريخ قديمهكذا وببساطة أصدر رئيس الجامعة يوم أمس تعميماً دعا فيه إلى الترشح لمركز عمداء لمجالس الكليات، بغية تشكيل مجلس الجامعة. لكن الدعوة قامت على مخالفات جسيمة، حتى لأبسط قواعد العمل الإداري، قبل الحديث عن مخالفة قانون الجامعة، وصولاً إلى محاولة "تعليب" انتخابات معروفة النتائج سلفاً.بالشكل أصدر بدران التعميم من دون تسجيله في أمانة سر مجلس الجامعة. بمعنى آخر "تعميم لا يمكن تعميمه" ومخالف للأصول الإدارية الإجرائية التي تضرب حسن سير العمل في الصميم. فهو منذ مدة طويلة، لا يسجل قراراته ولا تعاميمه في أمانة السر. وبالتالي يستطيع إلغاء أو تمزيق أي قرار أو تعميم بلا أي حرج. ووفق مصادر "المدن" اجتمع بدران بالعمداء والمدراء يوم الثلاثاء الماضي في 25 شباط وأبلغهم أنه بصدد الدعوة للترشح لمنصب العمداء. ثم أصدر التعميم يوم أمس الجمعة في 28 شباط، لكن بتاريخ قديم يعود إلى 13 شباط. فهل تقصد تسجيل القرار بهذا التاريخ قبل نيل الحكومة الثقة ليكون بحل من أمر التشاور مع وزيرة التربية قبل اتخاذ أي قرار مصيري، على قاعدة أن الوزيرة شريك في القرار وليست متفرجة؟يخالف قانون الجامعةاستقبل بدران الوزيرة كرامي بتعميم مخالف للأصول الإدارية ومخالف أيضاً لقانون الجامعة وقائم على تضارب المصلحة ويضرب نزاهة وشفافية العملية الانتخابية. فمجالس الوحدات (العميد والمدراء وممثلي الأساتذة) هي التي تنتخب المرشحين، ثم ينتقي رئيس الجامعة مع الوزيرة كرامي (في ظل غياب مجلس الجامعة) خمسة أسماء لرفعها إلى مجلس الوزراء كي يعين العميد لكل وحدة. لكن جميع الكليات (19 كلية ومعهد عالي للدكتوراه) عمداؤها مكلفون خلافاً لقانون الجامعة. فقد قام تكليف العمداء، بنحو تسعين بالمئة منهم، وفق منطق المحسوبات، ورسا الخيار على من هم من حاشية بدران. هذا، رغم أن التكليف في الأساس مخالف لقانون الجامعة. فقد كان يفترض انتداب الأعلى منصباً ورتبة ليحل مكان العميد الذي يشغر منصبه. لكن بدران كلف أساتذة لتولي العمادة غب الطلب.على مستوى مدراء الفروع ما زال هناك كليات، مثل العلوم والحقوق، مستمرة بحكم الأمر الواقع. فقد تم التمديد للمدراء أو لم يعمل بدران على تعيين مدير، رغم وجود ترشيحات، في ضرب فاقع لقانون الجامعة. والمدراء في عداد الهيئة الناخبة، المطعون فيها قبل بدء مرحلة الترشيح لتعيين عمداء بحسب الأصول. وهذا يسري على ممثلي الأساتذة فهناك فروع في مختلف الكليات لا ممثلين للأساتذة فيها مثل الحقوق والفنون والآداب.لا نزاهة ولا شفافيةواقع الحال أن الترشيحات ستكون شكلية، لأن نتائج الانتخابات معروفة سلفاً. فالعميد المكلف حالياً خلافاً للقانون سيكون حكماً في عداد المرشحين. أي أن ترشحه قائم على تضارب المصلحة. ففي التفاصيل، العميد الذي يدير الانتخابات عند التجديد في مجالس الوحدات أو في حال التقاعد، لا يكون في عداد المرشحين، بينما في الانتخابات التي يريدها بدران حالياً الوضع مختلف تماماً: العميد الذي يدير الانتخابات مرشح. هذا فضلاً عن أن العميد المرشح، الذي سينتخب حكماً، سيكون بمثابة "عميد لمدى الحياة" خلافاً للأصول والأعراف الأكاديمية. فولاية العميد القانونية أربع سنوات، بينما في الانتخابات الحالية ستكون ولايته أكثر من سبع سنوات، لأنه مضى على تكليف بعض العمداء نحو ثلاث سنوات. أما الأساتذة الذين يحق لهم الترشح فلن يقدموا على هذه الخطوة في ظل السطوة المفروضة على الكلية. فأي أستاذ سيهاب الترشح أمام عميد كليته المكلف.الجامعة بحاجة ماسة إلى "مجلس جامعة" لمنع أي انحراف في السلطة في هذا الصرح الوطني. والجامعة تعيش في ظرف استثنائي تستدعي قرارات استثنائية لناحية استكمال انتخاب المدراء وممثلي الأساتذة وكف يد العمداء واستبدالهم مؤقتاً بأساتذة وفق الأصول، قبل الذهاب إلى الانتخابات. وحيال هذه الممارسات الفاضحة لرئاسة بدران، هل تتدخل الوزيرة كرامي لوقف المهزلة، طالما أن دورها أساسي في الظرف الاستثنائي في الجامعة؟ ننتظر ونرى.