يعتبر ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد من الملفات الساخنة أمام حكومة الرئيس نواف سلام.
حتى الآن، لم تعرض الحكومة الجديدة تفاصيل مقاربتها لهذا الملف، حيث يتزامن تشكيلها مع تحولات كبيرة في دمشق وترقب لتشكيل حكومة سورية انتقالية في آذار، وفق ما أعلن بعد انتهاء المؤتمر الوطني السوري.زيارة سوريا؟تنتظر الملفات العالقة بين لبنان وسوريا، زيارة متوقعة لوفد من الحكومة اللبنانية إلى الحكومة السورية الانتقالية المقبلة، حسبما يكشف نائب رئيس الوزراء اللبناني طارق متري في حديث مع "المدن".ويقول متري أن الحكومة ستلتزم بمبدأ العودة الطوعية للاجئين إلى سوريا، مشيرًا إلى أنه سيتم دراسة هذا الملف بالتعاون مع المنظمات الدولية والحكومة السورية.
أما الخطط التي وضعتها حكومة نجيب ميقاتي السابقة، فقد سقطت حكمًا مع سقوط النظام السوري، مما فرض ضرورة معالجة الملف بطريقة مختلفة تضع التحولات في الاعتبار.
وأوضح متري أن خطة عودة السوريين ستُعد بعد زيارة مرتقبة إلى سوريا لتشمل مباحثات تتعلق بالحدود والاتفاقيات اللبنانية السورية التي أبرمت خلال فترة النظام، مع دراسة إمكانية إلغائها، بما في ذلك إلغاء المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي شكل لعقود انتهاكًا لسيادة لبنان.
ورغم أن موعد الزيارة لم يُحدد حاليًا، أكد متري أن الحكومة تنتظر وضوح الأمور بشكل أكبر، مع الأمل أن تتم الزيارة إلى دمشق خلال الأسابيع المقبلة.انطلاق العودةاعتبارًا من نهاية كانون الأول 2024، تم تسجيل 755,426 لاجئًا سوريًا لدى المفوضية، ومعظمهم ينتشرون في مناطق البقاع، بعلبك الهرمل، بيروت، جبل لبنان والشمال.
تقول المتحدثة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد لـ "المدن"، إنه اعتبارًا من نهاية كانون الثاني 2025، تقدر المفوضية بأن حوالي 270 ألف سوري قد عادوا بالفعل إلى سوريا من لبنان والأردن ومصر والعراق.وتضيف "إن المفوضية وشركاءها لاحظوا زيادة في عدد النازحين داخليًا في سوريا الذين عادوا إلى ديارهم خلال الفترة نفسها".
واعتبارًا من 12 شباط، أفاد مكتب إدارة الكوارث الحكومية بوجود حوالي 89 ألف وافد من سوريا في محافظة بعلبك، بما في ذلك نحو 20 ألفًا من العائدين اللبنانيين، كما أفادت أبو خالد.
وبحسب دراسة للمفوضية، أظهرت أن حوالي 27% من اللاجئين السوريين الذين تم استطلاع آرائهم مؤخرًا في لبنان ومصر والأردن والعراق، يخططون للعودة إلى سوريا في الأشهر الـ 12 المقبلة، وذلك مقارنة بأقل من 2% قبل سقوط نظام الأسد كانوا يفكرون بالعودة.
وقالت أبو خالد: "تواصل المفوضية مناقشة مبادرات ملموسة لدعم حكومة لبنان، بما في ذلك مكتب الأمن العام، في مساعدة اللاجئين الراغبين في العودة، مع مواصلة دعم الدول المضيفة لحماية من يختارون الانتظار وتقييم الوضع، والبقاء في حاجة للمساعدة. تعمل مع الحكومات المضيفة، بما في ذلك لبنان، لدعم اللاجئين الذين يرغبون في العودة إلى سوريا".
في سوريا، تلتزم المفوضية بالعمل عن كثب مع حكومة تصريف الأعمال ووكالات الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين "لإنشاء ظروف ملائمة لعودة اللاجئين والنازحين داخليًا وضمان أن تُسمع أصواتهم في عملية التعافي".العقبات وشروط العودةمن وجهة نظر المفوضية، يقدم الوضع في سوريا فرصة للتغيير الحقيقي، لكنها "تتطلب زيادة في الدعم الإنساني للتعافي المبكر وورشة كبيرة لإعادة الإعمار". تقول أبو خالد: "يجب معالجة العقبات أمام العودة مثل التحديات الأمنية والقانونية والإدارية. وعلى الرغم من التغيرات السياسية الكبيرة في سوريا، إلا أن الأزمة الإنسانية لا تزال قائمة. والعديد من العائلات تعود إلى منازلها، ولكنها تجدها مدمرة مقابل انهيار البنى التحتية مقابل فقر واسع النطاق".وتقوم المفوضية بمساعدة العائدين داخل سوريا على النحو التالي:
زيادة الأنشطة والخدمات الحالية عبر شبكة حماية مجتمعية.
دعم متزايد للعائدين والمجتمعات المتضررة من خلال الإصلاحات والتأهيل.
دعم المأوى حيث يشمل الإصلاحات المادية وتوزيع المواد وتركيبها.
تراكم الأزماتعمليًا، يستضيف لبنان حوالي مليون ونصف مليون لاجئ، بحسب تقديرات الحكومات السابقة، ليسجل أعلى نسبة لجوء في العالم، قياسًا لمساحته (10 آلاف و452 كيلومتراً) وعدد سكانه (نحو 4.5 ملايين نسمة).
وطوال سنوات، تلقت الحكومات اللبنانية مليارات الدولات من الدول والجهات المانحة لدعمه في استضافة اللاجئين، لكن معظمها هُدرت في مسارب الفساد. وهو ما أدى إلى انهيار البنية التحتية في لبنان ومضاعفة الضغوط على المجتمع اللبناني ومؤسسات الدولة.وقبل سقوط النظام السوري، وحتى قبل أشهر من اندلاع الحرب الواسعة بين حزب الله وإسرائيل، بلغت الأزمة في ملف اللاجئين السوريين ذروتها في لبنان. وقد رافقتها خطاب تحريضي وعنصري وطائفي، حمّل السوريين مسؤولية العديد من أزمات لبنان.حتى الحدود، التي كانت مشرعة لعبور آلاف السوريين يوميًا عبر المعابر البرية غير الشرعية، تحولت إلى خط ترانزيت لرحلات الهجرة غير النظامية من شواطئ لبنان إلى أوروبا.
كما تسبب أداء حكومة ميقاتي في تعقيد أزمة اللاجئين السوريين، لا سيما بعد تفجر الخلافات في إدارة الملف بين الوزراء الذين اصطدموا ببعضهم.
كما تعمقت الأزمة حينها بين الحكومة والمفوضية، ووصلت أصداؤها إلى المجتمع الدولي الذي رفض جميع خطط لبنان لإعادة اللاجئين السوريين.
وأطلق الأمن العام اللبناني في العام الفائت عدة قوافل لعودة السوريين، إلا أن الإقبال عليها كان ضعيفًا للغاية.
وفي أيار 2024، انتهت أعمال المؤتمر الثامن لـ"دعم مستقبل سوريا" في العاصمة البلجيكية بروكسل برفض أوروبي لتسهيل عودة أكثر من 5 ملايين لاجئ سوري هجّرتهم الحرب منذ 2011. ومع ذلك، تبدي أوروبا اليوم انفتاحًا استثنائيًا تجاه سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع. كما تعمل على تخفيف العقوبات التي أنهكت سوريا وأهلها، وأدت إلى هجرة السوريين إلى دول الجوار وأوروبا.
اليوم، ما تريده أوروبا والغرب عمومًا من سوريا ما بعد الأسد، هو ألا تعود مصدر قلق واضطراب وحروب. كما تسعى للتخلص من كابوس قوارب المهاجرين المتجهة نحو شواطئها.
والسؤال المطروح الآن: هل سيساعد الغرب الحكومة السورية الجديدة، إلى جانب حكومة لبنان التي أنهكتها الحرب، في تقديم الدعم والتسهيلات اللازمة لإعادة السوريين إلى ديارهم وبما يصب في مصلحة البلدين؟