من غير المستغرب أن تشهد الأسواق اللبنانية قبيل شهر رمضان حركة مزدحمة، خصوصاً في المحال التجارية الكبرى، فالعائلات تعمد إلى شراء المستلزمات الأساسية للشهر الكريم، أما هذا العام فقد تزامن شهر رمضان لدى الطوائف الإسلامية مع بدء شهر الصوم لدى الطوائف المسيحية، وهو ما رفع مستوى الطلب على العديد من السلع الاستهلاكية لاسيما الغذائية منها.
مع ارتفاع الطلب على الإستهلاك أصدرت وزارة الاقتصاد والمعنيين بالأسواق التجارية تطمينات حول ضبط الأسعار، ولكن تجارب اللبنانيين مع ذهنية الإستغلال لدى التجار لا تبشّر بسهولة ضبط الأسعار ولجم ارتفاعها، وربّ جولة قصيرة على الأسواق تعكس واقع الأسعار الاستهلاكية.تقنين الوجباتتتحضر فرح الترك (أم لثلاثة أبناء) لاستقبال الشهر الكريم، من خلال شراء الاحتياجات الأساسية عشية بدء الصوم. تقول الترك لـ"المدن": عادة ترتفع أسعار الخضار تحديداً في الأيام الأولى من شهر رمضان، بشكل عشوائي، ما يجعل من الصعب على عائلة تتقاضى الحد الأدنى توفير الاحتياجات الأساسية. وتضيف منذ أسبوع، بدأت بشراء الخضار واللحوم وتخزينها على الرغم من أن أسعارها ليست متدنية لكنها بدأت ترتفع تدريجياً.
اعتاد اللبنانيون مع اقتراب المناسبات على مواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية تحديداً، وخلال السنوات الماضية مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، اضطرت الكثير من العائلات إلى تقنين الوجبات والأطباق الرمضانية. وتخشى الترك هذا العام، أن تلجأ إلى أسلوب التقنين الذي اعتمدته سابقاً، فتقول بدلت الأوضاع الاقتصادية الكثير من العادات، ولم يعد بالإمكان تحضير مائدة رمضانية متنوعة، ويقتصر الأمر على تحضير نوع من السلطة "الفتوش" بمكونات بسيطة، والطبق الرئيسي، مع استبعاد الحلويات.أسعار ترتفع تدريجياًبدأت الأسعار ترتفع تدريجياً في بعض المناطق مقارنة مع ما كانت عليه قبل أسبوع تقريباً. ارتفعت أسعار الخضار بين 20 و30 في المئة تقريباً وبعضها بلغت نسبة ارتفاعه 50 في المئة، فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الكيلوغرام من الخيار من 100 ألف إلى 150 ألف، وسعر الحامض من 100 ألف إلى 150 و200 ألف ليرة، كما ارتفع سعر الخس من 100 ألف إلى 120 ألف، حتى أن سعر الخضروات الأساسية لتحضير وجبة رمضانية، ارتفع الضعفين تقريباً، إذ أن سعر الكيلوغرام من الكوسا وصل إلى 200 ألف ليرة، وسعر اللوبياء وصل إلى 400 ألف ليرة. في قلب العاصمة بيروت، مع تفاوت الأسعار من منطقة إلى أخرى. حتى في الأحياء الشعبية، ارتفعت الأسعار، فيما يتوقع أحد الباعة، أن يرتفع سعرها أكثر مع بدء شهر الصوم، إذ يزداد الطلب من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
وكانت "الدولية للمعلومات" قد قدّرت في دراسة أجرتها مؤخراً سعر طبق الفتوش وهو أحد الأطباق الرئيسية في فترة الصوم، بـ 285540 ليرة أي ما يقارب 3.19 دولار. ما يعني أن العائلة الصغيرة تحتاج إلى ما يقارب 100 دولار (95.7 دولاراً) خلال شهر الصوم لتأمين طبق الفتوش فقط.أطباق محدودةيشتكي الكثير من اللبنانيين من ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، بشكل لا يتناسب وظروفهم المعيشية الحالية. ويقول أحمد ناصر "سائق سيارة أجرة" لـ"المدن": تشهد أسعار اللحوم دوماً ارتفاعاً غير مبرر، على الرغم من أن الظروف نفسها نعيشها منذ أعوام، لكن الأسعار تتبدل شهرياً، وهو ما قد يشكل أزمة بالنسبة للصائمين هذا العام".
ويباع الكيلوغرام من اللحم الغنم بسعر يبدأ من مليون و900 ألف ليرة ويرتفع بحسب الموقع الجغرافي للقصّاب، إذ يختلف السعر من منطقة إلى أخرى، وقد يصل السعر إلى مليونين و500 ألف ليرة تقريباً، فيما يتراوح سعر الكيلوغرام من اللحم البقر ما بين مليون و400 ألف ويصل إلى مليون و600 ألف ليرة. يسأل ناصر، كيف يمكن لعائلة مكونة من 4 أو 5 أشخاص، أن تتمكن من شراء كيلوغرام من اللحم يومياً، خصوصاً وأن الأسعار لن تبقى عند هذا المستوى، بل سترتفع حتماً في الأيام الأولى من الشهر الكريم.ارتفاع أسعار اللحوم، يدفع عائلة ناصر إلى استبدالها بالدجاج، والذي سيشهد بدوره ارتفاعاً لكنه يبقى ضمن دائرة الأطعمة "المقدور" عليها، بحسب ناصر....والمعلبات أيضاًإن كان هناك أي مبرر -وإن لم يكن منطقياً- لارتفاع أسعار الخضار واللحوم، فإنه من الصعب تبرير ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، والمعلبات. تشكو جولي رحمة من ارتفاع أسعار بعض المعلبات التي اعتادت شراءها بشكل يومي. تبدأ رحمة بعد أيام فترة الصوم لدى الطوائف المسيحية، وتعتمد في صيامها على المعلبات والحبوب، والخضروات بشكل أساسي. تقول لـ"المدن": لا يوجد أي مبرر لرفع الأسعار سوى شجع التجار، خصوصاً وأن السلع متوفرة في لبنان، ولا يوجد أي وضع استثنائي أو طارئ. وبحسب رحمة، ارتفعت أسعار بعض البقوليات مثل الفول والحمص ليصل سعر الكيلوغرام إلى أكثر من 3 دولارات، كما ارتفع سعر المعلبات بنحو 20 إلى 50 ألف ليرة، وعلى الرغم من أن الارتفاع يبدو هامشياً، لكنه يصعب تحمله بشكل يومي.
وإذ ينفي رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ارتفاع أسعار العديد من السلع الغذائية، خصوصاً وأن النقابة حريصة على تأمين السلع الغذائية بكميات كبيرة، تفيض عن حاجة استهلاك اللبنانيين والزائرين خلال الشهر الفضيل. يقول: سعت النقابة إلى تنويع مصادر الغذاء من عدة دول، ضمن ضوابط غذائية وصحية، تحددها القانونين اللبنانية، والحديث عن ارتفاع سعر أي سلعة، قد لا يكون سوى حالة فردية.اعتبار بحصلي أن ارتفاع الأسعار حالات فردية لا ينطبق على الواقع باعتبار أن المواطنين بدأوا يلمسون ارتفاعاً بالأسعار في أكثر من منطقة وهو ما اعتادوا على مواجهته في أيام الصوم والأعياد وعموم المناسبات، من هنا يلجأ كثيرون من اللبنانيين إلى الأسواق الشعبية التي قد تساعد في تخفيف عبء غلاء الأسعار جزئياً.