ينص إتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان و"إسرائيل"، والذي ترعاه الولايات المتحدة الأميركية بشكل أساسي، على مسؤولية الجيش اللبناني بتطبيق القرار الدولي 1701 والإنتشار في جنوب الليطاني بعد تفريغه من سلاح المقاومة، وهو ما حصل عام 2006 واستمر حتى العام 2009، وما بدأ الجيش بفعله بعد توقف الحرب مباشرة، بظل حديث دائم عن دور الجيش وضرورة دعمه، والعلاقة الجدلية بين الجيش اللبناني وحزب الله.دخول الجيش وخروج الحزبفور بدء سريان إتفاق وقف إطلاق النار، وبعد تنسيق مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا مع قائد الجيش السابق جوزاف عون، قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية، بدأ خروج حزب الله عسكرياً من منطقة جنوب الليطاني، واستلام الجيش لمواقع الحزب ومخازن سلاحه. وبحسب مصادر مطّلعة على موقف حزب الله فإن الحزب أصدر تعميماً داخلياً في 27 تشرين الثاني الماضي يقضي بعودة كل مقاتل من مقاتلي الحزب إلى بلدته الأصلية، بحيث لا يبقى في القرى جنوب الليطاني سوى أبناء القرى، وهذا ما علم به الجيش أيضاً.
وتكشف المصادر أن الجيش بدوره طبق تعليمات صارمة خلال مرحلة عودة أهالي القرى الجنوبية إلى قراهم، بحيث كان يدقق في هويات الراغبين بالدخول إلى القرى، فلا يسمح بالدخول إلا لأبناء القرية وسكانها الأصليين.أما بالنسبة إلى مسألة السلاح، فكان واضحاً بحسب المصادر قرار الحزب بالتعاون مع الجيش متى طلب ذلك، وترك السلاح في مكان وجوده ليضع الجيش اللبناني اليد عليه. وفي هذا السياق، تؤكد المصادر أن حزب الله عمم على كل عناصره بعدم نقل أي قطعة سلاح بحوزتهم، أو تلك التي يتم العثور عليها خلال الدخول إلى القرى الجنوبية التي بقيت تحت الإحتلال في فترة ما بعد بدء سريان الإتفاق، مشيرة إلى أن التطبيق كان قاسياً، لدرجة إنزال العقوبة بحق شاب أقدم على نقل سلاح فردي من ميس الجبل إلى بلدة مجاورة.كذلك يُمارس الجيش تفتيشاً دقيقاً للسيارات المتوجهة إلى القرى ذهاباً وإياباً، لوجود قرار حاسم وواضح بعدم نقل أي نوع من أنواع السلاح، وكل ما يجده الأهالي يتم التنسيق مع الجيش بشأنه، علماً أن الأهالي وجدوا الكثير من الأسلحة خلال تفقدهم لبلداتهم، وتم تسليمها للجيش.إذاً، إن مهمة الجيش تنقسم إلى قسمين بحسب العميد المتقاعد في الجيش اللبناني حسن جوني، مهمة ثابتة ودائمة وهي الدفاع عن لبنان وحمايته، ومهمة آنية تتمثل بتطبيق التزام الدولة اللبنانية بالقرار 1701 وفقاً لآلية التطبيق المتفق عليها.علاقة تكامليةلطالما شكّلت العلاقة بين الجيش وحزب الله عنوان تجاذب، بين من يسعى لأن تبقى علاقة تكاملية ضمن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، ومن يعمل لجعلها تصادمية على غرار ما حصل في جلسة الحكومة في الخامس من أيار العام 2008.
بحسب المصادر المطلعة على موقف حزب الله، فإن الحزب يعتبر أن الصدام مع الجيش يعني نهاية لبنان، فهذه المؤسسة التي تجمع كل مكونات الوطن لا يمكن أن تكون في صدام مع حزب يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين، ومسؤولية عدم الصدام تقع على عاتق قيادة الجيش وقيادة الحزب والسلطة السياسية، مذكرة في بيان الجيش إبان الاعتصام الذي دعا إليه الحزب مؤخراً على طريق المطار، والذي أكدت فيه القيادة أنها تعمل "وفقاً لقرار سياسي".خلال مرحلة الحرب لم ينقطع التنسيق بين الحزب والجيش، وفي مرحلة ما بعد الحرب كذلك، حيث تكشف المصادر عن اللقاءات العلنية بين الحزب والجيش والتي لم تنقطع، والأهم أن طرق التواصل التي كانت قائمة لا تزال على حالها، وهناك تنسيق كبير يجري في الجنوب، سواء بما يتعلق بمخازن السلاح والنقاط العسكرية جنوب الليطاني، أو ما يتعلق بعودة الأهالي إلى قراهم الحدودية، أو ما يتعلق أيضاً بآلية عمل لجنة المراقبة، مشيرة إلى أن الجيش والحزب على تواصل شبه يومي.وبحسب جوني فإن العلاقة بين الحزب والجيش مبنية على تنسيق عالي المستوى، وثمة التزام من الحزب ازاء التعاون مع الجيش لتطبيق إلتزامات الدولة اللبنانية في اتفاق وقف إطلاق النار.هذا لا يعني أن العلاقة تمر في أحيان كثيرة بمطبات، كمثل حادثة طريق المطار، أو الشعور المسيء الذي خلفته زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى الجنوب والصورة التي التقط لها مع أحد ضباط الجيش. يضاف إلى ذلك موقف الحزب السلبي من علاقة الجيش بالأميركيين، وحصر الدعم العسكري له من خلال أميريكا التي تقدم لإسرائيل طائرات الـ أف 35 وللجيش طائرات السوبر توكانو، وهو على قناعة بأن تسليح الجيش لا يصل إلى مستوى يمكّنه من الوقوف بوجه إسرائيل، التي عندما سقط النظام في سوريا لم تتردد لحظة بتدمير كل مقدرات الجيش السوري التي يمكن استخدامها من قبل النظام الجديد ضدها أو تشكل خطراً عليها. يندرج كل ذلك في سياق سياسة أميركية واضحة بإبقاء جيوش المنطقة عاجزة عن القيام بأدوار داخل بلدانها. ولكن بحسب المصادر فإن الحزب حريص على الجيش ولا مصلحة له إطلاقاً بأي مشكلة معه.هل يُفجر الجيش السلاح؟عندما يتعلق الأمر بالإجابة على هذا السؤال، تكثُر الأخبار، بينها ما هو مؤكد وبينها ما لا يوجد من يؤكده. فالأكيد، بحسب مصادر عسكري،ة هو استلام الجيش لعشرات النقاط العسكرية، ومخازن السلاح التابعة للمقاومة. لكن المصادر نفسها ترفض الإجابة عما إذا كان الجيش ملزماً بتفجير بعض أنواع الأسلحة التي يصادرها، بقرار أميركي. علماً أن بيانات الجيش التي تُعلن عن نيته تنفيذ تفجيرات لمخلفات الحرب يرسم علامات استفهام كبيرة حول هذا الأمر، فهل ترك العدو الإسرائيلي خلفه آلاف الذخائر غير المنفجرة ليتم تفجيرها بشكل شبه يومي كما يحصل؟ في هذا السياق يكشف العميد جوني أن بعض ما يفجره الجيش هو ذخائر تابعة للمقاومة، ولكنها الذخائر غير المفيدة له، بمعنى أن هناك بعض الذخائر التي لا يمتلك الجيش وسائل إطلاقها واستخدامها، لذلك يتم تدميرها لكي لا تبقى في المخازن، بينما يحتفظ الجيش بالكثير من الأسلحة والذخائر المفيدة له.دعم غير موجودوأسوة بكل القطاعات في لبنان، يُعاني الجيش اللبناني من تداعيات الأزمة الإقتصادية. فبحسب نص الاتفاق ينشر لبنان قوات الأمن الرسمية والجيش الخاص به على طول جميع الحدود ونقاط العبور، على أن يكون العدد 15 ألف عسكري، وهو ما وعد الجيش بفعله خلال مرحلة زمنية تبدأ من خلال تدعيم العناصر التي كانت موجودة قبل الحرب في الجنوب والمحددة بخمسة آلاف عسكري، بخمسة آلاف آخرين، فيصبح المجموع 10 آلاف، على أن يترافق هذا الأمر مع القيام بحملات تجنيد جديدة، تبعاً للوعود التي تلقاها الجيش للحصول على الدعم.
وفي سياق الدعم تكشف مصادر مطّلعة أن الدعم الأميركي للجيش سيبقى مستمراً وهناك نقاش أميركي مع دول خليجية لكي تتولى تمويل الجيش وتغطية نفقات عمليات التجنيد خلال المرحلة المقبلة، كما تكشف عن وعد فرنسي بعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان والجيش، خلال هذا العام. وتُشير المصادر إلى وجود وعد قطري، أعقب وقف إطلاق النار، لتقديم دعم إضافي للجيش. ولكن حتى اللحظة فإن كل هذه الوعود، رهن الرسائل الإيجابية التي ستطلقها الحكومة الجديدة من خلال عملها والقيام بالإصلاحات المطلوبة، علماً أن هناك من يربط بوضوح بين الدعم والشروط السياسية، وهذا بحث آخر.