وقف القائد السابق لفيلق القدس الايراني، الجنرال قاسم سليماني، أمام البرلمان، بعد 15 يوماً من الانتخابات النيابية اللبنانية العام 2018، ليقول إن "حزب الله" حصد 74 مقعداً من أصل 128 مقعداً في البرلمان، للمرة الأولى في تاريخه. وتبدأ الأحداث بالتوالي، حتى خطاب القسم للرئيس جوزاف عون، والذي يتحدث فيه عن حصر السلاح في الشرعية اللبنانية.. وينتهي العرض بوعد: "هذه ليست إلا البداية".
View this post on Instagram
A post shared by LBCI Lebanon (@lbcilebanon)
هذا الملخص، يعود الى مقطع فيديو نشرته "إل بي سي أيه" في حسابها في "إكس". لا تعلن القناة عما إذا كان ملخصاً لفيلم وثائقي، يسرد أحوال لبنان ومتغيراته منذ العام 2018 حتى الآن، ولا يعلن عما إذا كان متصلاً ببرنامج، مما يضعه في إطار الترويج السياسي.
ويستعرض المقطع المصور، ملخصاً عن أحداث تبدأ من تصريح سليماني الذي تلا الانتخابات النيابية، ويستتبعه بتعليق: "سيطروا على مجلسنا"، ثم بتصريح لوزير الاتصالات الأسبق جمال الجراح حول زيادة 20 سنتاً كرسوم على الاتصالات، ويُستتبع بتعليق: "نهبوا جيوبنا".. ثم بثورة 17 تشرين 2019، وتعليق: "نهبوا جنى عمرنا"..
ويتواصل الفيديو: مشاهد من انفجار المرفأ، يُستتبع بتعليق "صرخنا، فجرونا"، و"فكروا هيك منسكت، عالشارع نزلنا، وبالانتخابات خرقنا" في إشارة الى فوز نواب من قوى التغيير، وأضاف: "اليوم بلشنا عن جديد".
دلالات الفيديويحمل الفيديو دلالتين، أولاهما إشارة الى أن الأزمات اللبنانية ناتجة فقط عن النفوذ الإيراني في لبنان، وثانيهما اختزال أهداف 17 تشرين في تقويض هذل النفوذ الممثّل في "تبجّح" سليماني بحيازة 74 نائباً لحزب الله. ويُستدل الى ذلك بافتتاحية المقطع وخاتمته، التي تلخص أزمات لبنان، بأزمة السلاح الموازي لسلاح المؤسسات الرسمية، وتبني سردية إعلامية غير مباشرة، على قصة نجاح، تنتقص من تأثير العامل الإسرائيلي والدولي في التغيير الحاصل مؤخراً، والذي قوّض نفوذ الحزب عسكرياً، وزفّ الى الجماهير الغفيرة من خصومه "بشارة" سلوك طريق التغيير، بعد إزالة أحد عوائقه.
والحال إن اختزال لحظة 17 تشرين وتصويرها على أنها لحظة انتفاضة على النفوذ الإيراني، هو انتقاص من حق الناس الذين شاركوا فيها، طمعاً في تغيير المشهد السياسي ككل، والمقاربة الاقتصادية التي حكمت لبنان، وأدت الى انهيار البلد وضياع ودائعهم وجنى أعمارهم. يفتقد السرد الى وقائع أخرى أدت الى توقف تلك الحركة وعدم اكتمالها، وليس أقلها انسحاب عشرات الآلاف من الساحات حين شمّ "حزب الله" رائحة توجيه للحظة باتجاهه، مما قوض أي فرصة لإطاحة النظام الحاكم آنذاك.. كما أن التحالف السياسي–المصرفي في وقت لاحق، مدفوعاً بضخ إعلامي هائل، قوّض فرصة إعادة الودائع لأصحابها، علماً أن "حزب الله" كان جزءاً من هذا التحالف، لكنه لا يختصره وحده.
اختزال الأزماتمن حق "أل بي سي"، ومموّلي انتاج وعرض الفيديو (إذا وُجدوا)، أن يحتفوا بإزالة سلاح الحزب، وحصر السلاح بالشرعية، إسوة بكل الدول المركزية في العالم.. لكن ليس من حقهم حصر الأزمات في تنظيم واحد يختلفون معه سياسياً، وهو يتشارك مع الجميع السلطة والحكم. هذا الاختزال، هو حرف للأنظار عن مطالب اللبنانيين الطامحين لتفعيل الحوكمة، وتنشيط أنظمة الرقابة والشفافية، وتطبيق استقلالية القضاء والمحاسبة..
هذه السردية المشهدية لأزمات البلد، ستزيد الإحباط في حال لم يتحقق تغيير يُطمح إليه في العهد الجديد، وفي ظل حكومة تخاطب اللبنانيين كما المجتمع الدولي. فتحوير الأنظار عن مشاكل البلد العديدة، التي استفاد منها "حزب الله" واستفاد آخرون أيضاً من وجوده ووجودها، ليست ناتجة عن السلاح غير الشرعي فحسب، بل عن استبعاد المحاسبة، لدى كل الأطراف، وفتح الباب أمام الزبائنية والمحاصصات الطائفية والسياسية.فضلاً عن ذلك، فإن هكذا مقاربة تحمّل أزمات البلد لفئة واحدة، تعزز المشاعر "بالعزلة" لدى الطائفة الشيعية وتدفعها للشعور بالتهميش، وترى إذاك أن الحرب الاسرائيلية الاخيرة على مقدراتها تتلاقى مع أهداف 17 تشرين.. مما يقود عملياً الى زيادة التفاف الطائفة حول "حزب الله"، في لحظة "تكتّل" سياسي داخلي وخارجي، لم يقدّم حتى الآن سوى تقويض لنفوذ الحزب وتهجير لأبناء الطائفة من منازلهم، بلا أفق لأي عودة إليها.