2025- 02 - 25   |   بحث في الموقع  
logo شيخ العقل: الشراكة الروحية والوطنية مظلّة أوسع لبناء لبنان ومواكبة المرحلة الجديدة logo وزير الداخلية: الحكومة تعمل على تعزيز سلطة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية logo موضة الذكاء الاصطناعي: عارضة الأزياء تعمل مع "نُسخها"! logo قاضٍ أميركي يرفض السماح لـ"أسوشيتد برس" بحضور الفعاليات الرئاسية logo غوتيريش: "حقوق الإنسان أوكسجين البشرية...وتُخنق الواحد تلو الآخر" logo موسيقيون بريطانيون يحتجون على الذكاء الاصطناعي..بألبوم صامت logo طهران: لا مفاوضات مع أميركا "تحت الضغط" بشأن النووي logo السيد اعترف قبل اغتياله وإيران ضحّت به... مكرم رباح يفجّر معلومات خطيرة ورسالة عاطفية إلى أبو علي!
بَين ثورتَي 1925 و2011: كم تساوي سوريا؟
2025-02-25 14:25:46

"إن كل خلاصة موجزة لمثل تاريخ هذه الثورة(راجع "سوريا: مئة عام من الثورة" في "المدن")، لا تلتفت إلى العامل الاقتصادي تكون ضرباً من الأقاصيص والأوهام" هكذا كتب الزعيم والسياسي، عبدالرحمن الشهبندر، ولم يكن ذلك بعيداً زمنياً من العام 1919 الذي سبق احتلال فرنسا لسوريا بسنة واحدة فقط، وهو العام الذي عُقد فيه مؤتمر في مرسيليا كان عنوانه يختصر الكثير ويقول الكثير: "كم تساوي سوريا ؟" .Que vaut la Syrie؟
لم تقم الثورة السورية على النظام الأسدي في العام 2011، لأسباب بعيدة من أسباب اندلاع الثورة السورية الكبرى العام 1925. فالانهيار الاقتصادي والتراجع الكبير في الأحوال المعيشية واستحالة العثور على أي حلول للعيش الكريم، كلها أسباب أكثر من مقنعة للمواطن البسيط كما هي للمثقف وكافة الشرائح، للانخراط في ثورة وتمرّد يقلب الأوضاع ويغيّرها نحو الأفضل.في حماة وحدها، على سبيل المثال، كان قضاء الحمراء يضم 180 قرية عامرة ومنتجة، بينما بات عدد تلك القرى في العام 1924 لا يتجاوز 5 قرى فقط. وكان في حمص ثلاثة آلاف نول ومعمل للنسيج، بينما صار عدد تلك المعامل في العام 1925 لا يتجاوز 500 معمل.
إن الإضرار بالاقتصاد السوري الذي تعمّدته فرنسا انطلق من تقسيم سوريا إلى حكومات (دول) وتعيين من وصفهم بالأسافل، والكلام للشهبندر، الذين أشاعوا الفساد المالي والإداري والرشوة في كافة دوائر الدولة، إضافة إلى تأليب العشائر والطوائف والملل ضد بعضها البعض، وتدمير النظام الزراعي والاستيلاء على أملاك السلطان عبدالحميد من الأراضي الشاسعة ومنحها لمن لا يحسن استثمارها، أدى إلى أن "تحولت حمص وحوران وحماة من أهراءات سوريا إلى طلب المعونة والمساعدات من الخارج".الحاجة الاقتصادية الفرنسية إلى الاستيلاء على سوريا لم تفُت من حللوا هذا الملف بعناية. ومن منظور "جيو-اقتصادي" وفقاً لوجيه كوثراني، كانت المصالح الاقتصادية الفرنسية، كما أوصت التقارير الاقتصادية لغرفتي تجارة ليون ومرسيليا، تتطلبُ واحداً من خيارين: إما أن تبقى السوق السورية موحّدة على امتداد المصالح الفرنسية من كيليكيا وحتى مرافئ فلسطين... أو أن يجرى تقسيم سوريا وتجزئتها كما تقتضي عملية الضبط والسيطرة والتحكم في المجتمع من زاوية جيوسياسية/أمنية. وقد كان التوجه الأخير، أي ضبط المجتمع عبر التجزئة الجيوسياسية القائمة على خصوصيات الطوائف، هو الأغلب في الوثائق الدبلوماسية.نزع صفة "الأمة"
راقب الفرنسيون كيف أثّر الدعم البريطاني للعرب في تدمير الإمبراطورية العثمانية، وكيف يمكن للعرب استعادة دورهم (كأمّة) بسرعة، وكانت سوريا على الدوام هي قلب هذه الأمة، فعملت فرنسا على نزع صفة "الأمة" عن سكان بلاد الشام، واستبدلتها بمشاريع لكيانات إثنية وطائفية مهيأة لإقامة دولها المستقلة. وهو ما تعزّزه الوثائق الرسمية الفرنسية.وتبعاً لذلك، ابتُكر نظام إداري للمناطق السورية، استند إلى مبدأ ثابت لدى الفرنسيين بأن السوريين واللبنانيين ليسوا أهلاً بعد لإدارة أمورهم بأنفسهم. وبعدما قسم البلاد إلى مقاطعات إدارية سمّاها دولاً، جعل على رأس كلٍ منها حاكماً، كممثل للمفوّض السامي المقيم في بيروت أولاً. وإذا صدف، وكان الحاكم من أصول محلية، أحاطه المفوض السامي بطاقم من الضباط الفرنسيين الذين تركزت السلطة الفعلية بين أيديهم. وقد توسّع في شرح ذلك د.محمد علي الصالح في عمله المتميّز "إدارة الإقتصاد السوري زمن الانتداب الفرنسي: تأثيراتها في ما بعد الاستقلال" الذي نشره المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في العام 2021.
ذلك النظام ركّز السلطة والمسؤولية الوظيفية، في أيدي المستشارين الفرنسيين، وخلق فجوة لدى الموظفين المحليين في قدراتهم على التواصل مع منبع الأوامر الإدارية، ففقدوا المرونة اللازمة لتنمية مهاراتهم الوظيفية، وروح المبادرة لديهم، طالما كان هناك من ينوب عنهم في تحمل المسؤولية. يضاف إلى ذلك، بحسب محمد علي الصالح، أن معتقدات غورو الدينية، وإيمانه بدور فرنسا الرائد كحامية للمسيحية وللمسيحيين، أثر في قراره بإنشاء دولة لبنان، وضم مناطق لها من سوريا، لجعلها قابلة للحياة أكثر. الأمر الذي أدى إلى عزل مدن الداخل السوري التجارية، عن منافذها الطبيعية على طول الساحل السوري، والتي كانت تشكّل صلة الوصل بينها وبين التجارة الدولية. كما عرقل تطبيق "سايكس بيكو"، وإقامة حواجز جمركية بين المناطق المختلفة التي صارت دولاً، انسياب التجارة في ما بينها كما كانت عليه الحال زمن الدولة العثمانية. شلّ تقسيم البلاد قدراتها الاقتصادية، وظهر ذلك جلياً أمام الفرنسيين، فدفعهم إلى عقد اتفاقية مع الانتداب البريطاني في فلسطين، لإطلاق التجارة بين سوريا وفلسطين، بعدما كانت منطقة حوران، قد عزلت عن حيفا - منفذها الطبيعي على البحر.مجالس حكم استعادت الولايات العثمانية في سوريا
طُبعت عملة ورقية سورية جديدة، وتم ربطها بالفرنك الفرنسي، ورعت الهيئة الفرنسية للمعارض معرضاً تجارياً أقيم في بيروت العام 1921. وعلى مستوى الموارد البشرية، استعانت سلطة الانتداب في إقامة إدارتها للدول السورية الثلاث التي أنشأتها، بمن تبقى من موظفي الإدارة السابقة، أيام العثمانيين في ولاياتها السورية. وأعادت العمل بقسم كبير من القرارات السابقة التي كان معمولاً بها بموجب الدستور العثماني للعام 1908. نسخة مجالس الحكم المشكلة في الدول السورية أتت مشابهة إلى حد كبير لمثيلاتها في الولايات السورية أيام العثمانيين، إلا أنها أصبحت تتمتع بصلاحيات تشريعية أوسع، كانت سابقاً من صلاحيات مجلس "المبعوثان" في اسطنبول، لكن تلك الصلاحيات مورست بإدارة المستشارين الفرنسيين، مع احتفاظ المفوّض السامي بحق إقرار وفرض الضرائب والرسوم المستجدة. ومع تعيين الجنرال ماكسيم فيغان مندوباً سامياً، واصل النهج نفسه، معتبراً أن تفعيل الحركة التجارية يشكل الركيزة الأساسية في بناء الاقتصاد السوري، لكن اختلافه عن غورو تمثل في قناعته بأن هناك إمكانات كامنة أخرى في البلد، مثل رخص اليد العاملة ووجوب التنقيب عن الموارد الطبيعية غير المستغلّة، وهي القناعة التي جعلته يصدر العام 1924 قراراً بتسهيل استيراد الأدوات والآلات الصناعية وإعفائها من الرسوم الجمركية.من جهة أخرى، أنشأ الانتداب في كلٍّ دولة من الدول السورية المشكّلة، مجلساً اقتصادياً، مهمته تقديم النصح والمشورة لحاكم الدولة، في ما يتعلق بالمسائل المالية والجمركية، وفي الاتفاقيات التجارية الواجب عقدها وغير ذلك. وكانت تلك المجالس تنسّق في ما بينها ضمن المجلس الاقتصادي الأعلى للمفوضية السامية، وفق ما ورد في تقرير لعام 1924/1923 المرفوع من قبل سلطة الانتداب إلى عصبة الأمم.وأقرّ المجلس الاقتصادي الأعلى للمفوضية السامية، بعد موافقة الدول السورية على إلغاء الرسم الجمركي الموحّد المفروض بنسبة 11% على البضائع المستوردة، والذي كان معمولاً به أيام الدولة العثمانية. واستعيض عنه برسمين مقدارهما 15% و30% من قيمة البضائع المستوردة، على بضائع الدول الأعضاء في عصبة الأمم، وعلى تلك التي لا تتمتع بعضويتها.وبغرض مكافحة الشعور القومي العربي، الذي أشرنا آنفاً إلى أن فرنسا اعتبرته خطراً عليها لما رأته من تعاظمه بعد مراقبتها لتجربة دعم البريطانيين للعرب، تمت الاستعاضة عنه بتعزيز شعور آخر محلّي، ودشّن فيغان سياسة جديدة زعم أنها ستقود إلى استقلال سوريا. فتصوّر أنه يمكن بذلك تشكيل طبقة وسطى جديدة، تنشأ من إقامة تفاهم بين طبقة الموظفين العثمانيين السابقين، وملاك الأراضي الكبار الذين ساندوا الانتداب، من جهة، وبين شريحة المثقفين الوطنيين الرافضين للهيمنة الفرنسية، من جهة أخرى.فخري البارودي يبيع 14 قرية لتمويل ثورات الشمال
وقد استفاد الفرنسيون في سوريا من تجربتهم في المغرب، تلك التجربة التي طوّرت المفاهيم الاستعمارية إلى ما يعرف بمبدأ "الشراكة"، بدلاً من "الاحتواء" العائد إلى القاموس الاستعماري التقليدي. ويمكن تلخيص تلك الشراكة بأنها نمط متقدّم لإدارة استعمارية تنطلق من الخصائص والمرتكزات والمهارات المتوافرة محلياً للبلد المحتل، بدلاً من محاولة الاستنساخ الحرفي للمفاهيم الأوروبية في السياسة والإدارة. وهو مفهوم طوّره المارشال هوبير ليوتي في المغرب بحنكة فريدة.قامت فرنسا بحلّ اتحاد الدول السورية في كانون الأول/ديسمبر 1924 وجرى دمج دولتي دمشق وحلب، في إطار دولة واحدة سُمّيت دولة سوريا، وبقيت دولة العلويين تتمتع بحكم ذاتي كامل. أما لبنان وجبل الدروز فبقيا على حالهما السابق.حتى ذلك الحين، بدت الثورة السورية الكبرى ثورةً عمادُها الفلاحون وقادتها النخبُ المثقفة، الثرية منها ومتوسطة الحال، والتي انخرطت فيها إلى أبعد حد. في سياقها، باع فخري البارودي 14 قرية من قُراه في غوطة دمشق لتمويل ثورات الشمال السوري، كثورة صالح العلي وإبراهيم هنانو وغيرهما. واضطر كثير من الوطنيين السوريين إلى تحمّل الظروف الصعبة، فمنهم من رهن ساعته لشراء الطلقات لبندقيته، ومنهم من عجز عن علاج فرسه التي عجفت من الجوع، عاشوا في الجرود والكهوف وناموا على الصخور ودُفنوا في البراري وجرفت جثامينهم السيول."ضُربت دمشق في اليوم الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر العام 1925 فحدثت في العالمين الشرقي والغربي رعشة اهتزّ لها الفؤاد. ذلك لأن دمشق أقدم مدينة في العالم، يرى فيها الناس رمزاً للعصور الخالية والحضارات القديمة. إن إنقاذ سوريا من براثن الأوامر العسكرية الكيفية الوسواسية كلّفها هدم ثلث عاصمتها، لذلك لم تُزحزح قدما الجنرال ساراي عن قصر الصنوبر في بيروت إلا بعدما هدمت على رؤوس سكانها، وأحرقت بقضها وقضيضها في العاصمة الأموية ستمائة دار لا تقلّ قيمتها بآثار الفن التي فيها عن مليوني جنيه". هكذا كتب الشهبندر في نشرات "الصحائف السوداء" من منفاه في القاهرة.أما في سوريا، فكان القاضي الفرنسي، وأثناء تلاوة حكمه، يردّد هذه الكلمات "تبيّن من التحقيقات والمحاكمة أن الدكتور عبدالرحمن الشهبندر قد تآمر دوماً وثار على جميع الحكومات التي قامت في سوريا.. وحيث أنه مهيّجٌ للثورة، وروحها، وأنه في جميع القرى التي ينتشر فيها التراخي، والانقطاع عن العمل الثوري، كان الشهبندر دوماً هو الذي يسارع متعجلاً ليهيّج الناس وليستمروا على الفتنة وعلى الحرب الأهلية. وكان في وسع ذكائه وطاقته وفعاليته أن يقدّم خدمات حقيقية إلى وطنه، لكنه ثائر غير قابل للإصلاح.. لذا حكم عليه المجلس بالإعدام غياباً".(يتبع: الثورة السورية الكبرى ذات النهايات المفتوحة)


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top