2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo الصدي التقى سفير الأردن وبحث مع الصناعيين في شؤون القطاع logo لمتابعة المحادثات... اجتماع أميركي - روسي جديد في الرياض logo تحت رحمة الثلوج... إليكم الطرقات المقطوعة logo معركة الرعب بدأت وكارثة تدخل الحرب.. أسلحة البرق والبلازما تخرج الى العلن: لن تصدقوا التفاصيل! logo قرارٌ "هام" من وزير الصحة بشأن الحضانات! logo تفاصيل عملية توقيف مروج مخدرات في الضاحية الجنوبية logo وزير الدفاع عرض مع سفيري اسبانيا وكندا للتطورات logo بو صعب استقبل وفدا قبرصياً
تشييع نصرالله يُحيي مواجع الشيعة على ناصيف النصار
2025-02-24 14:55:54

أحيا تشييع الأمين العام السابق لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، مواجع الشيعة اللبنانيين كانوا اختبروها قبل نحو 250 عاماً، حين قُتل "شيخ مشايخ جبل عامل" ناصيف النصار في معركة ضد أحمد باشا الجزار، وقيل إن شيعة جبل عامل دخلوا في مرحلة ضعف وانكسار امتد أكثر من قرنَين بعد تلك الحادثة، وبقي الشيعة يبكونه 50 عاماً على الأقل..
ومع الأخذ بالاعتبار الفوارق الزمنية والظروف الموضوعية بين الحدثين، والرجلين على حد سواء، إلا أن ما بثته عدسات التلفزة وتغريدات مواقع التواصل الاجتماعي في يوم تشييع نصرالله، تعيد الشيعة الى تلك الحقبة. فعدد العمامات البيضاء التي حضرت التشييع، وهي الأكبرفي تاريخ المناسبات الشيعية في لبنان، يعيد التذكير بحفل تأبين النصار الذي "حضره العشرات من علماء الشيعة في لبنان"، على ما تقول الوثائق التاريخية.
كما أن الهواجس التي تحيط بمرحلة "ما بعد نصر الله"، واستطراداً "ما بعد شريكه رئيس مجلس النواب بري"، بالنسبة للشيعة اللبنانيين، تمتد الى هواجس جبل عامل من تلك المرحلة من الدخول في مرحلة الانكسار، بعد أربعين عاماً من الصعود الصاروخي للطائفة الذي بدأ في انتفاضة 6 شباط 1984، ومرحلة دخول الشيعية السياسية في الدولة بصفة مستقلة غير ملحقة بطوائف أخرى، وما تخللها من "انتصارات" أعلنها نصرالله ضد اسرائيل في 2000 و2006، وصولاً الى اغتياله في 27 ايلول/سبتمبر 2024، و"التشبيح الاسرائيلي" جواً في يوم تشييعه، وتصاعد الخطاب الاعلامي والسياسي الداعي للتعاطي مع الطائفة على أنها مهزومة ومكسورة.
حدث تاريخي
بدا التشييع بمثابة حدث تاريخي يخطّ مستقبل اللبنانيين، وتاريخ الشيعة والعامليّين تحديداً المملوء بالحزن والمظلوميّات والملوّح بين الانتصارات والانكسارات. ودّعت الطائفة، الأحد، شخصية تاريخية بالنسبة لها.
قارن باحثون بين تشييع نصرالله، وتشييع ناصيف النصار. فجنازة النصار، حضرها العشرات من لابسي العمائم والمراجع الدينية وكان حدثاً ضخماً ودّع العامليّون خلاله شخصية تاريخية.
شيخ مشايخ جبل عامل
كان ناصيف النصار يُلقَّب بـ"شيخ مشايخ جبل عامل"، وهو إحدى الشخصيات الشيعية البارزة في تاريخ لبنان، حيث لعب دوراً محورياً في السعي لاستقلال جنوب لبنان، ومقاومة السيطرة الأجنبية والتسلط والاستغلال، حسبما تقول الوثائق التاريخية. استشهد العام 1780 بعد معركة شرسة مع أحمد باشا الجزار في بلدة يارون على حدود فلسطين بجنوب لبنان، بعدما شنّ الجزار هجوماً واسعاً على جبل عامل. يحمل النصار رمزية خاصة لدى أهالي جبل عامل، إذ دُفن في بلدة يارون، حيث ما زال ضريحه المعروف باسم "بلاطة ناصيف".
إلا أنّ المؤرخ والكاتب منذر جابر، يرى أن المقارنة بين شخص السيد حسن نصرالله وناصيف النصار مختلفة لسببين رئيسيين، أولهما اختلاف طبيعة الشخصيتين، وثانيهما تباين الظروف السياسية والاجتماعية لكل منهما. كان ناصيف النصار زعيمًا زمنيًا بكل معنى الكلمة، لكنه لم يكن رجل دين أو ينتمي إلى عائلة دينية، وقد وصفه مؤرخ فرنسي بأنه كان "مخيفًا كتاجر ومخيفًا كجندي". أما نصرالله فلم يكن منخرطًا في التجارة أو في القتال بالسيف، بل خاض معاركه في سياقات مختلفة تمامًا.
أما من حيث ظروف القتل والتشييع، فقد استشهد النصار في يارون في وقت كان فيه جبل عامل خاضعًا بالكامل لسيطرة أحمد باشا الجزار، مما جعل إقامة أي تشييع شعبي له أمرًا مستحيلًا. دفنه السريع في يارون بدلًا من نقله إلى شحور(مسقط رأسه) أو تبنين(مقر آل الأسعد) أو النبي يوشع بفلسطين(حيث تواجد حلفاء ناصيف النصار)، يشير إلى أن العملية تمت على عجل لتجاوز أي تداعيات سياسية، مما يجعل الحديث عن تشييعه الشعبي أقرب إلى الأساطير منه إلى الواقع.
اليوم، يمكن الاحتفاظ بالجثمان لفترة طويلة لضمان تنظيم تشييع لائق، بينما في الماضي لم يكن ممكنًا الحفاظ على الجثمان لأكثر من يومين أو ثلاثة، مما فرض تسريع مراسم الدفن. كما أن تطور وسائل النقل والاتصال، مكّن آلاف الأشخاص من المشاركة في التشييع، بينما في زمن ناصيف النصار كان التنقل بين المناطق يتطلب أيامًا من المشي، ما جعل التشييعات الضخمة شبه مستحيلة.نفوذ النصار
ويضيف جابر أنّه على الرغم من حمله لقب "شيخ مشايخ جبل عامل"، لم يكن نفوذ ناصيف النصار يتجاوز مناطق بلاد بشارة، إذ بقيت بلاد الشقيف تحت نفوذ آل الصعبي، وظل إقليم التفاح تحت سيطرة المناكرة. في المقابل، كان السيد حسن نصرالله قائدًا له تأثير سياسي وشعبي واسع يتخطى لبنان.
كان التشييع في الماضي يتم عبر إطار قروي أو عائلي، حيث كانت كل قرية تشارك برايتها الخاصة، وشاعرها، وهتافاتها، وكانت هناك منافسة بين القرى لإظهار حجم الحزن والمأساة. أما اليوم، فقد أصبحت التشييعات مؤطَّرة بقيَم حزبية وسياسية جامعة، مما ألغى الكثير من المظاهر التقليدية المتنوعة مثل الهتافات الخاصة وطقوس الفروسية وحتى تقديم الطعام الجماعي للمشيعين.
من حيث دلالات التشييع، يرى جابر أنّه يحمل دلالتين أساسيتين، الأولى هي الاستغراب والصدمة من رحيله، والثانية هي طلب الشفاعة واستمرار حضوره الرمزي حتى بعد وفاته، حيث يبدو أن الرسالة الجماعية تقول "خسرناك حياً، فليبقَ لنا تعويضك بشفاعتك شهيداً".
ويخلص منذر جابر إلى أن لحظة تشييع السيد حسن نصرالله، تعكس قلق الطائفة على مستقبلها، بينما كانت لحظة استشهاد ناصيف النصار لحظة موت فعلية للطائفة، إذ مارس أحمد باشا الجزار سياسة القمع والانتقام بحق جبل عامل، ما أدى إلى إنهاء زعامة النصار بشكل قاطع.
تشابه الشخصيات والأدوارإذاً، برزت شخصيات في جبل عامل، حملت إرثاً وكان لها ثقلها الشعبي، ونصرالله شخصية أساسية من تلك الحقبة، وتلك القضايا التي حملها. فمن الطبيعي ألّا تتشابه شخصيات جبل عامل طبق الأصل، إلا أنّ وداعها الأخير يطبع الصورة النهائية لأبنائها. فبعد استشهاد ناصيف النصار، فقد الشيعة أهم قادتهم، وظلّوا في حالة ظلام دامس نحو مئتي عام، حتى ستينيتات القرن الماضي، حين حاولت شخصيات شيعية وعامليّة استعادة النفوذ، وكان أبرزها الخط الذي بدأه الامام موسى الصدر، عبر تأسيس مؤسسات شيعية وجمعهم ضمن إطار، يشبه الأطر اللبنانية.
في العام 1978، اختُطِف الإمام موسى الصدر في ليبيا، مما شكّل لحظة حزينة ومؤلمة للبنانيين، ولأبناء الطائفة الشيعية بشكل خاص. وبعدها بست سنوات، في 6 شباط/فبراير 1984، اندلعت في لبنان "انتفاضة 6 شباط"، حيث شهدت بيروت والضاحية الجنوبية انتفاضة مسلحة ضد الرئيس أمين الجميل والجيش اللبناني، احتجاجاً على توقيعه اتفاق 17 أيار 1983 مع إسرائيل، وأسست الانتفاضة لتوزيع جديد للقوة والنفوذ داخل الدولة والمجتمع اللبناني، وكانت مرحلة دخول الشيعية السياسية في الدولة. وأسهمت تلك الحادثة في تشكيل الهوية الطائفية للشيعة في لبنان.
يُظهر هذا التقارب بين الأحداث والرموز الشيعية في لبنان كيف أن تفاعلات التاريخ العسكري والسياسي شكّلت الوعي الشيعي وجعلته لاعبًا أساسيًا في الساحة اللبنانية والإقليمية، وصولاً إلى تكريس "الثنائي الشيعي" الذي يضم "حزب الله" و"حركة أمل".
اليوم، شكّل التشييع مشهدًا مهيباً لرجل ينظر اليه الشيعة على أنه استثنائي في تاريخهم. ويعيد للذاكرة تاريخًا طويلًا من المعاناة الشيعية. بيد أنّ هذا ما يجعل من تلك اللحظات التاريخية مرجعية لفهم الحاضر، ولربما، يفتح أفق جديد حول مستقبل الطائفة الشيعية والعامليّين في لبنان.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top