2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo بري بحث مع وزيري العدل والتنمية الادارية المستجدات logo المودعون والحكومة أمام لحظة تاريخية: المصارف بالمرصاد logo أسعار التذاكر لم تمنع المشاركة:مودعو نصرالله من 3 قارات logo اتحاد موظفي المصارف كما الجمعية: رد الودائع مسؤولية الدولة logo وفد من منظمة التحرير و”فتح” شارك بتشييع الشهيد صفي الدين logo إجراءات مستمرة لفتح الطرقات الجبلية مع انحسار المنخفض الجوي logo تجمدت في القساطل.. انقطاع مياه الشرب عن بلدات في الضنية logo الحكومة أمام أبرز التحديات... هل يفعلها سلام؟
القبيسيات: ممنوع دخول الرجال...إلا بشار الأسد
2025-02-24 14:26:18

كنت في العاشرة من عمري، أحدّق في درج حجري طويل يمتد أمامي كأنه لا نهاية له. كيف سأتمكن من صعوده؟ كان هذا السؤال يثقل رأسي الصغيرة، لكن يد والدي الممسكة بيدي منحتني شيئًا من الطمأنينة. بدأنا معًا العدّ، درجة بعد أخرى، حتى استوقفني قفص صغير وُضع على إحدى الدرجات. بداخله صورة لمريم العذراء، قبّلتها ومضيت، أواصل صعودي نحو قمة الدرج حيث يتربع دير صيدنايا في ريف دمشق.
عند وصولي، كنت ألهث، حينها مدّت إليّ امرأة يدها لتقبيلها، وهو فعل لم أعتده حتى مع جدي وجدتي. حدّقت فيها، كانت متشحة بالسواد من رأسها حتى أخمص قدميها، بحجاب أسود وفستان أكثر سواداً. سألتها ببراءة: "هل أنتِ في حداد؟"، لم تُجب مباشرة، لكنها أبقت يدها ممدودة. ترددتُ، ثم امتنعت عن تقبيلها. ابتسمت وقالت ممازحة: "يا جاحدة، أنا والدتك في المعمودية لي نصيب فيك كما أمك وأبيك، ستقضين الصيف هنا".التفتّ حولي، فوجدت مئات النسوة باللباس ذاته. اصطحبتني إحداهن، وألبستني حجاباً أزرق وفستاناً بلون السماء، تقليدًا لمن سيقطن الدير، لأغرق بعدها في طقوس لاهوتية، كالصلاة والمنع من الاستماع الى المذياع، لكني، وبحركة طفولية تلقائية، خلعت الحجاب وركضت هاربة على الدرج، من دون أن أكترث لعدّ درجاته التي كانت، كما أذكر، خمسةً وعشرين، تماماً كعمري حين التقيتُ في مجلس الشعب السوري امرأة ترتدي الحجاب الأزرق ذاته.راقبتُها من بعيد… من تكون؟ الصحافية في داخلي دفعتني إلى البحث، فهرعت إلى مكتب عضو مجلس الشعب السابق محمد حبش، الإسلامي المعتدل الذي انشق لاحقاً عن النظام السوري. همس لي قائلاً: "إنها من القبيسيات". أثار فضولي أكثر. طلبت منه أن يكون مصدراً سرياً لمساعدتي في تحقيق صحافي عنهن. حذرني من خطورة الأمر، لكنه، بعد إلحاحي، وافق.أنجزتُ التحقيق. كان ملفاً شائكاً يحمل في طياته الكثير من الأسئلة، لكن قبل أن يتحول حبراً على ورق، أُرسل إلى أجهزة الأمن. هناك، طُوي الملف، كما طُويت ملفات أخرى قبله، وبقي سر القبيسيات حبيس الأدراج… شأنه شأن أسرار كثيرة في سوريا.سقط نظام الأسد الذي هلّلت له زعيمة القبيسيات حينها وأسبغت عليه ألقاباً دينية وسياسية، فلقّبته بـ"المخلّص المؤمن" و"حكيم العرب". ولم تكتفِ بالكلمات، بل ظهرت في المسجد الأموي تقود مئات النسوة في أناشيد تمجّد النظام، لتعود و"تكوع" بعد اندلاع الثورة. لكن، أين هنّ الآن؟القبيسيات يحرسن أبواب دمشقفي إحدى زوايا باب شرقي، إحدى بوابات دمشق التاريخية، امرأة ترتدي الحجاب الأزرق اللواتي كن يرتدينه في بدايات التنظيم ليتعرفن إلى بعضهن البعض. وبحركة ودودة ونشاط فردي تطوعي من دون معارضة أو تدخل من قبل عناصر "هيئة تحرير الشام"، ناولتني مطبوعة ورقية تدعو إلى الحجاب واللباس المحتشم، قائلة: "السلام عليكم".سألتها مباشرة: "أنتِ من تنظيم القبيسيات، صحيح؟"ابتسمت، وقالت بصوت خافت: "كنتُ، لكني أعلنت انشقاقي مع كثيرات بعد اندلاع الثورة السورية، حين وقفت الآنسة – كما يسمونها – تحت قبة المسجد الأموي، تدعو للولاء المطلق لبشار الأسد، رغم جرائمه بحق السوريين. كيف لا، وقد منحهن حريةً مطلقةً، وجعل عملهن علنيًا منذ العام 2006، حتى وصل عدد المنتسبات إلى 200 ألف؟". توقفت لحظة، قبل أن تضيف: "عندما اشتعلت الثورة، انقسمت القبيسيات: بين مؤيدة بشراسة، ومعارضة، ومحايدة. من هلّلن للنظام، اختفين باختفائه. أما من عارضن، فها هنّ الآن يعدن إلى الدعوة من جديد، متوزعاتٍ بالقرب من بوابات دمشق السبع".سألتها بفضول: "لماذا البوابات تحديداً؟"ابتسمت قائلة: "لأن كل من دخل دمشق، دخل من خلالها".في داخلي، كنت أرغب في مناقشتها عن الحريات، عن رغبتي الدائمة في "التمشاية" تحت المطر في باب شرقي حتى يبتل شعري بالكامل، عن مصافحة أصدقائي الشبان، عن الجلوس في إحدى حانات دمشق وتناول كأس من الشراب برفقتهم. لكني اكتفيت بابتسامة، واحتفظت بالمطبوعة، ليس اقتناعاً بأفكارها، إنما إدراكاً لما دفعته هذه النساء من أثمان غالية بعد انشقاقهن، ومعرفتي بما تشرّبن من حرمانيات طوال سنوات، رغم اختلافي معهن في المعتقدات، لكنهن الآن يمارسن ما يؤمنَّ به تحت باب تاريخي وليس في بيت مغلق أو تحت قبة مسجد.طاعة "الآنسة"في عُرف القبيسيات، لا يُسمح بمناقشة "الآنسة"، وطاعتها من طاعة الله. المريدة في هذا التنظيم ليست سوى هيكل بشري مكرّس للتفاني في حب وخدمة الشيخات/الآنسات، حتى أن بعضهن كان يتسابق لشرب فضلات ماء وضوئهن، ويعترفن لهن بزلاتهن قبل التوبة. لاحقاً، كما أكدت لي منشقّات، استُخدمت هذه الاعترافات للضغط على المريدات، وتهديدهن بفضح أسرارهن في حال فكّرن في الانسحاب أو التمرّد.عدتُ بذاكرتي إلى التحقيق الصحافي الذي مُنعتُ من نشره. يومها، أخبرتني إحدى التلميذات عن ممارسات سرّية لإحدى الشيخات، قائلة: "كانت تنتقي أجمل الفتيات، وتأمرهن بتطليق أزواجهن لتقديمهن لرجال من الطبقة السياسية. ثمة جميلات تم تسخيرهن لشراء محلات المشروبات الكحولية، وإن فشلن، تدخلت المعارف الأمنية لمصادرة المحل بطرق ملتوية. في إحدى الحالات، رفض أحد أصحاب المطاعم في الربوة بيع محله الذي يقدم العرَق، فتمت السيطرة عليه عبر ابنه المتديّن".في بلادنا، نتشرّب التدين، مهما ابتعدنا عنه. وإلا، فلماذا في كل مرة تثقلني الهموم، أعود لذلك الدرج الحجري الطويل، أقبّل القفص الذي يحمل صورة العذراء، وأدخل دير صيدنايا؟ لماذا أجلس في ذلك المكان المسمى "الشاغورة"، أبكي بحرقة، وتراودني للحظة فكرة ارتداء ما تمردت عليه في طفولتي؟ لكنني، في اللحظة الفاصلة، أسمع ضحكتي تتردد في شوارع دمشق، فأهرع إلى الدرج، كما في المرة الأولى، وأنظر خلفي قائلة: سأدخل من باب شرقي وأصافح تلك المرأة الحرة.القبيسيات، حركة دعوية إسلامية نسائية، خرجت من طبقة الأثرياء الدمشقيين، وأسستها منيرة القبيسي، التي تتلمذت على يد مفتي سوريا الراحل أحمد كفتارو، وتأثرت بأفكاره. بدأ التنظيم عمله في الظل خلال ستينيات القرن الماضي، لكنه توسّع لاحقاً تحت سمع النظام وبصره، خصوصاً بعد وصول بشار الأسد إلى الحكم. اجتذبت القبيسيات نساء من مختلف الطبقات الاجتماعية، لا سيما الجامعيات والثريات، واعتمدت في هيكليتها على الطاعة المطلقة للشيخات.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top