2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo بخاري بحث وريزا في سبل التعاون الإنساني logo نتنياهو للإدارة الأميركية: لا مرحلة ثانية من اتفاق غزة logo لجنة الأساتذة المتعاقدين بالساعة في “اللبنانية” نعت استاذة التاريخ الدكتورة ايمان فرحات logo الكشف عن موعد زيارة الشرع إلى عمّان! logo عون إلى السعودية... مرحلة جديدة من العلاقات؟! logo مرقص يقدم تصريحه عن الذمة المالية logo جراء الجليد... إنزلاقات وحوادث سير في الضنية! logo بيراقداريان استقبلت ممثل المنظمة الدولية للفرنكوفونية
الأدب السوري الذي رأى أبعد من السياسة
2025-02-24 12:55:51

ليس هناك ما هو أكثر ابتذالاً من التنظير من بُعد، وإعطاء الدروس من وراء زجاج المقهى. ومن يحاول تشخيص أسباب فشل اليسار العربي، في قراءة الوقع، يجد أن العطب يكمن في الهوة الواسعة الناجمة عن ذلك. لقد ركن الرفاق إلى امتلاكهم أدوات التحليل السليمة، وصدقوا أن ذلك يكفي لوحده، كي تأتي النتائج صحيحة. طبقوا ما علمتهم الكتب والمخابر، واعتمدوا على الأرقام والاحصائيات والمعطيات والأقوال المأثورة للقادة العِظام، الذين تتدلى لحاهم الطويلة من كتب الأيديولوجيات، وأصدروا أحكاماً قطعية ونهائية، في تشخيص أوضاع مجتمعات تتسم بالتعقيد، ولا شيء يجمعها بالنظريات المستوردة، التي تم وضعها لدراسة أحوال بلدان أخرى.
تبين أن الأدب كان أكثر موضوعية في تفكيك عقد الواقع، واستشراف المستقبل، من تنظيرات السياسيين، وبرامج الأحزاب اليسارية، وتلك مفارقة، تطفح بمرارة ما يضمره التاريخ من مكر للمغفلين، الذين لم تنزل عليهم نعمة الشك بالبديهيات. وهناك روايات سورية، وغير سورية، قدمت رؤى ذات حواس استشرافية للخراب، الذي كان يتشكل ليجتاح شرق المتوسط. تمتاز بأنها أكثر عمقاً وشمولاً، من برامج أحزاب سياسية، لم تنقصها الشجاعة في دخول مواجهات مع نظام آل الأسد، وقدمت تضحيات كثيرة، لكنها كانت على قدر عال من الدوغمائية، بحيث لم تترك إرثاً نافعاً، تستطيع أن تفهم من خلاله الأجيال مرحلة طويلة تاريخ بلدها، وتحولاته في القرن الأخير.
لا يمكن فهم الواقع السوري من دون قراءة قصص زكريا تامر، وسعيد حورانيه، وروايات حنا مينة، ومصطفى خليفة، وهاني الراهب، وفواز حداد، وعبد الرحمن منيف، وشهادة الشاعر فرج بيرقدار أمام المحكمة. وإذا حاكم القارئ هذه الأعمال وغيرها، على أنها نصوص أدبية، زادها الخيال، واعتمد على تحاليل الرفاق الماركسيين فقط، فإنه لن يصل إلى نتيجة مفيدة، وسيبقى ضائعاً، ولن يفهم الأسباب الذي أوصلت إلى البلد إلى ما هو عليه.
تقدم مجموعة قصص زكريا تامر "النمور في اليوم العاشر" رؤيا عن ترويض المجتمع، وكسر إرادته، من طريق استخدام مزيج من الأساليب، وسبقت في ذلك التحليل السياسي، الذي عجز عن إيجاد مفاتيح صالحة لفهم آليات القمع، الذي مارسه نظام الإبادة الأسدي، وقد كان المجال متاحا أمام الأحزاب، كي ترى الوضع من زوايا مختلفة، ولكنها اكتفت بالتحليل الكسول، وحين خرج من بين صفوفها مفكر نقدي مثل الياس مرقص، حاول تنوير الناس، وتصحيح المفاهيم، وتجاوز الطقوسية الحزبية، حاربته الأحزاب قاطبة، ونفته، وشنعت به على نحو فاق عسف أجهزة الأمن.
لم ينجح أحد من الرفاق اليساريين، في تحليل الزلزال السوري، الذي بدأ العام 2011، وتواصلت موجاته وارتداداته حتى اسقاط النظام المافيا الأسدية، الطائفي، الاجرامي، الذي استخدم كل الأسلحة الفتاكة لقهر الناس، من اغتصاب النساء والرجال، حتى الكيماوي لقتل الأطفال في الغوطة العام 2013، والبراميل المتفجرة لإبادة أكبر عدد من البشر وتدمير العمران. فاجأ الحدث اليسار، ولم يأت على مقاس حساباته وتحليلاته، ولذلك ظل يركض خلفه، لا يستطيع اللحاق، حتى صفعه سقوط النظام عن طريق قوى لم تكن لا على البال ولا على الخاطر، كما يقول المثل الشهير، وهو منذ ذلك اليوم إما مراقب صامت، أو ناقد عبثي، باستثناء بعض الذين حاولوا وضع الحدث في نصابه مثل برهان غليون، كونه عالم اجتماع، وصاحب تجربة نقدية وضع عصارتها في كتابه "عطب الذات".
هناك من يفتي في تطورات الوضع في السويداء، والساحل السوري، والجزيرة السورية التي تضم ثلاث محافظات، وهو جالس في دمشق أو خارج سوريا، ولم يسبق له أن عرف هذه المناطق، أو زارها. يطلق أحكاماً، ويقدم الوصفات والحلول، ويعطي الدروس في الأخلاق والوطنية، وهو لا يدرك الأوضاع الراهنة، والتطورات التي حصلت فيها. يكتفي بما معروف من معلومات، يقوم بخلطها وطبخها، وتقديم وجبة يعتقد أنها سوف تشبع الناس، وتنهي الجوع إلى حلول للتعقيدات التي يحفل بها الواقع.
هناك ملاحظة مهمة جديرة بالاهتمام وهي، أن هذا الخطاب المسبق الصنع، المعلب، المستريح، المتعالي على الواقع، المسترخي، المستكين إلى اوهامه وخزعبلاته، يترك آثاراً واضحة على وسائل الإعلام التي تابعت الحدث السوري في الشهرين الأخيرين، وباستثناء قلة منها، فإن الغالبية تعتمد على محللين حسب الطلب، لتقديم قراءات جاهزة، وتتجنب البحث عن خبراء فعليين، يمكن أن يشرحوا التطورات بتجرد، وعلى نحو يحترم عقول الناس. فلم نقرأ حتى الآن سوى المقابلات التقليدية السهلة، أو نشاهد على الشاشات غير التحقيقات الباردة، ويغيب العمل الإعلامي الذي يرى بعين استقصائية التحولات السريعة في سوريا.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top