2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo الأدب السوري الذي رأى أبعد من السياسة logo إسرائيل تقيّد دخول الأسرى الفلسطينيين "الأقصى" في رمضان logo "الرجل الثاني بعد نصرالله"... وصول جثمان صفي الدين إلى مسقط رأسه logo سلوم: لاعطاء بدل اختصاص لموظفي القطاع العام logo ترامب يعين "مقدم برامج" نائبًا لمدير الـFBI logo "لأسباب مالية... حزب الله يطلب من عناصره مغادرة الجنوب" logo حزب الله يعلن موعد تقبل التعازي بنصرالله وصفي الدين logo بعد كلام الرئيس عون للوفد الرسمي... هل امتعضت إيران منه؟
بين المعلومة والتحليل
2025-02-24 09:55:47


مع رواج ظاهرة المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي والمعلق على الأحداث في مختلف وسائل الإعلام البصرية من تقليدية إلى افتراضية، ومع دمقرطة ظاهرة البودكاست، ولدت الحاجة إلى طريقة التفافية يمكن من خلالها تعزيز المصداقية وإشاعة الذهول -الحقيقي أو المصطنع- بمدى دقة المعلومات المتقاسمة من قبل هذا المحلل والخبير والمعلّق. هذه الطريقة التي تعمل على ترسيخ الاعتقاد لدى متابعي هذه الظاهرة الإعلامية المستجدّة وهذه الوسائل التوصيلية الجديدة، ساهمت في تطوير قاموس مفردات وتعبيرات جديد. هذا القاموس يطرح استعمالات جديدة مستنبطة من كلمات وتعابير موجودة يتم تحوير معناها. واليوم، أكثر هذه التعابير استفزازًا للعقلاء، وهم قلائل، هي في أن يُرفق كلٌّ من يهرف بما لا يعرف، كلامه بالتأكيد، قبله أو بعده لا يهمّ، أنه يورد معلومات ولا يورد تحليلاً.والفارق بين المعلومة والتحليل جليّ ويرتبط في طبيعة كل منهما ودوره بالمساعدة على الاستعلام والفهم والاستنتاج. والمعلومة يجب أن تكون واضحة ومباشرة يمكن التحقق منها عبر الأرقام والاحصائيات والأحداث والحقائق المثبتة. أما التحليل، فيستند إلى تفسير أو تقييم للمعلومة، يهدف إلى فهم دلالاتها وأبعادها. وهو يعتمد على ربط المعلومات ببعضها البعض واستخلاص الاستنتاجات بناءً على السياق كما وعلى ذخيرة التكلم التحليلية. إذًا، فالمعلومة هي ماذا حدث؟ بينما التحليل هو لماذا حدث؟ وكيف يؤثر؟
هل هذا التفسير للفارق بين المفهومين هو المسيطر على ما يجول في عقل كل من يستخدم جازمًا صفة المعلومة لما يتطرق إليه في مجمل تعليقات فطاحل التحليل الاستراتيجي في أمصارنا ووسائلها الإعلامية؟ بالتأكيد الجواب يحتاج إلى دراسة سوسيولوجية معمّقة تعتمد على أسلوب تحليل الخطاب للوصول إلى نتائج تكون هي الأقرب للواقع المتابع. ومع ذلك، يمكن مبدئيًا نفي تطابق التفسير العلمي السابق مع حقيقة ما يصبو اليه مستخدم هذا التعبير في ثقافة الإعلام العربي المعاصر.من خلال بحثي اليومي غير الإرادي عمن يحجز عني النعاس ويؤرق منامي، أقع على نماذج لا تُعدّ ولا تحصى من مستهلكي هذا التعبير بشكل مكرّر وفجّ. ويبدو أن كثرة اللجوء إليه متأتية من حقل التحليل النفسي والذي يحاول من خلاله المعالج النفسي أن يرفع من معنويات المحبطين أو يزيد ثقة من فقدوها بأنفسهم. وبالتالي، فهو يُعلمهم بشكل مشوّه هذا التعبير، داعيًا إياهم لاستخدامه "عالطالعة وعالنازلة". ومن شبه المؤكد بأن كل من يلجأ لاستخدامه مكررًا ينتمي أساسًا إلى أصحاب نظرية المؤامرة أو أصدقاء الطغاة والمدافعين عنهم. فتخرج محامية اشتهرت بمحبتها للطغاة من الشام إلى بغداد، بقصةٍ بوليسية تحاشت كتب "المغامرون الخمسة" ومحققها الرئيسي "تختخ" عن التطرق اليها، وترفقها باللازمة الفجة: "هذه معلومات وليست تحليلات". وكلما رغب صحافيٌ مرموق بعلاقاته الزبائنية مع أصحاب السلطة الأمنية أو السياسية أو المالية، في تعزيز استنتاجاته الشخصية واجتهاداته الذاتية، ينبري لاجترار التعبير نفسه لكي يُعطي لتفكيره الرغبوي تأكيدًا يُبعِدُ عنه التصنيف الطبيعي له كمجرد رأي. ومن جهته يتنطّح سعادة النائب، وهو ناهبٌ للأخضر ولليابس، بسرد الأساطير عن زعيمٍ سياسيٍ زوّده بكلاء السنين، أساطيرٌ تبعث على الضحك إلا عند راويها ومريديه الذين سيصرون على كونها معلومات موثّقة ليس إلا.كما ذكرنا سابقًا، فالمعلومة يمكن التحقق منها بالأحداث والأرقام والإحصائيات. بالمقابل، فكل من يصف حديث ركن المقهى الذي يتشاطر به على خلاّنه بالمعلومة، ما هو إلا بشخصٍ عاجزٍ عن توثيقها حتمًا. كما أنه غير قادر على إيراد أي رقم يعكس حقيقةً وواقعًا، أو يعرض لإحصائية تترجم عملاً جديًا يُثبت ترهاته. إن لجوء المتحدّث، إلا نادرًا، إلى وصم ما يخرج من فمه بالمعلومة، ما هو إلا رغبة لإيهام المتلقي بأن هذا المتحدث "واصل" وتأتيه المعلومات الحساسة من كل حدب وصوب. فمصادره لن يسميها لأن لا وجود لها في حقيقة الأمر. كما أنه سيكتفي بنصف أو ثلاثة أرباع معلومة وهمية، محتفظًا بما تبقى لكي يُضفي على كلامه غموضًا بنّاءً يبعث بالمتلقي المسكين للظنّ بتمكنه الذي لا شك فيه بالوصول إلى صنّاع القرار أو العارفين بخبايا الأمور من الأمنيين والعسس.
وبعيدًا عن الإعجاب التبسيطي بالرجل الأبيض، إلا أنه من الواجب الإقرار، وبعد متابعة علمية دقيقة لمحتوى الخطاب الإعلامي الغربي "على عجره وبجره"، إلى أن محللي ومعلقي الغرب المعروفين منهم على الأقل، لا يوردون في كلامهم أية معلومة من دون الإشارة إلى مصدرها وتحديد أبعادها وتفنيد تفاصيلها. وحتى الباحثين منهم عن تشويه الحقائق وحرف المعاني، فهم يلجأون إلى التحليل الذي يُتيح لهم الاجتهاد ما استطاعوا إليه سبيلاً. وبالتالي، يتمكنون من تشويه الحقائق من دون الاستناد إلى معلومات مفبركة أو متقطعة من سياق مختلف، مكتفين بتحاليلهم السفسطائية. وهم بذلك يحمون نتاجهم من الاستهزاء مهما جرى انتقادهم لأنهم استندوا للتحليل ليس إلا."ما أورده معلومات وليس تحليلات"، عبارة تتكرر على مسامعنا من دون أي معلومة حقيقية. إنها وسيلة مطورة لإسناد تهلهل الموقف وفقر التحليل. وهناك تعبير آخر يقول فيه صاحبه "إن ما سأورده هامٌ جدًا" متجاهلاً أن أهمية المورود يُحددها المتلقي وليس المورد. ولهذا التعبير مقالٌ آخرٌ.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top