لم يعد الجدل الذي دار أمس، وسيستمر طويلاً، حول عدد المشاركين في جنازة تشييع الأمينين العامّين لحزب الله السيّدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، والذي تراوح بين 300 ألف شخص كحدً أدنى ومليون و800 ألف شخص كحدّ أقصى، هو المهم، بعدما بات الرقم في لبنان وجهة نظر حسب قول شهير للرئيس الرّاحل سليم الحصّ، إنّما الأهمّ من كلّ ذلك هو ما كشفته المشاهد والمؤشّرات على أرض الواقع أنّ الحشد الشّعبي الذي شارك في تشييع السيدين يُعدّ الأضخم في تاريخ لبنان، ومن بين الأضخم في المنطقة.
إذ سرعان ما انتقل العقل السّياسي اللبناني إلى اليوم التالي الذي سيعقب التشييع، وهو ما أظهره الحشد الشّعبي الواسع الذي أكّد بأنّ الثنائي الشّيعي، حزب الله وحركة أمل، ومعهما مروحة واسعة من الحلفاء، يُشكّلون الكتلة البشرية الأكبر في لبنان، وهي كتلة من شأنها أن تحسم مسبقاً مصير نتائج أيّ إنتخابات نيابيّة، سواء بوجود أكثرية ناخبة من هذه الكتلة في أيّ دائرة إنتخابية، أو بصبّ أصواتها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك وترجيح كفّته إذا كانت هذه الكتلة الناخبة أقليّة في دوائر أخرى.
قبل التشييع بأيّام كان بعض السياسيين يعلنون تباعاً إعتذارهم عن المشاركة في جنازة نصرالله وصفي الدين، مقدّمين تبريرات مختلفة منها السّفر والمرض وغير ذلك، وهي تبريرات فُسرت على أنّها تعود لاعتبارات متعلقة بأمور وخلفيات عديدة، منها الخشية من فرض عقوبات خارجية عليهم إذا شاركوا في التشييع، أو خسارتهم جمهورهم الذي لا يحمل ودّ أو تعاطف سياسي مع حزب الله والثنائي الشّيعي وحلفائه في دوائر إنتخابية لا يوجد لهم فيها ثقل أو تأثير إنتخابي، ما جعل هؤلاء السّياسيين يُفضّلون النأي بأنفسهم بعيداً عن أيّ مشاركة في جنازة يرونها من منظورهم الخاص بمثابة “مقامرة” سياسية وانتخابية لهم.
الحشد الشّعبي الكبير الذي تجمّع في جنازة تشييع السّيدين نصرالله وصفّي الدين أعطى إنطباعاً لدى عديد من المراقبين بأنّ العصب الإنتخابي في الشّارع الشّيعي قد قوي أكثر من السّابق، الذي كان قويّاً بدوره، والسّؤال الذي بات مطروحاً ليس إنْ كان الثنائي الشّيعي سيحصد في أيّ إنتخابات نيابيّة مقبلة معظم المقاعد الشّيعية الـ27 في مجلس النوّاب كما حصل في دورة إنتخابات 2022، إنّما السّؤال هو عن مصير حلفاء الثنائي الشيعي في دوائر إنتخابية مختلطة أو دوائر توجد فيها أقلية شيعية ناخبة لن تُقدّم مجاناً أيّ صوت إنتخابي لأيّ مرشّح أو حزب وتيّار ليس حليفاً موثوقاً به، والتجارب كثيرة في هذا المجال، يبيعهم عند أوّل مفترق، أو يُضحّي بهم من أجل مصالحه الخاصّة والضّيقة.
كلّ ذلك شكّل وكان بالأصل يُشكّل هاجساً لأيّ شخصية سياسية أو تيّار وحزب سياسي شارك أو غاب عن جنازة التشييع، باستثناء من فعلوا ذلك عن اقتناع أو التزام بالتحالف مع الثنائي الشّيعي، وتحديداً حزب الله، ذلك أنّ تحالفهم مع الثنائي أو ابتعادهم عنه في دوائرهم الإنتخابية المختلطة سيقرر إلى حدّ بعيد مصير مقاعدهم النيابية، فوزاً أو خسارة، وهي حسابات بدأت للتّو ولن تنتهي قبل إعلان اللوائح الإنتخابية والتحالفات في انتخابات أيّار 2026.
The post الحسابات الإنتخابية في تشييع السّيدين نصرالله وصفي الدين!.. عبدالكافي الصمد appeared first on .