2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo المرتضى: اليوم كان موعد الزمان مع وداع ⁧‫السيّد‬⁩ logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الأحد logo مقتل أردني وفلسطيني في تكساس... والتحقيقات مستمرة logo هزيمة مريرة... شولتس يعترف بالخسارة في الانتخابات الألمانية logo "زيلينسكي كان محقًا"... إليكم السبب وراء "إعجاب" ترامب ببوتين logo حنين للعودة... حاخام يهودي يزور دمشق لأول مرة منذ 34 عاماً logo مسؤول في "حزب الله" يستغرب غياب باسيل عن تشييع نصرالله logo ألمانيا: المحافظون يفوزون بالانتخابات التشريعية.. اليمين المتطرف يتقدم
الصرخة الأخيرة في وداع السيد: إناّ على العهد
2025-02-23 21:25:46


على طول الطريق، لم يكن المشي مجرد تنقل، بل طقس. كأن الأرض نفسها تتقدّم، تقود الجموع نحو اللحظة التي لا فرار منها. رجال، نساء، أطفال، شيوخ، كلهم في مسيرة واحدة، متراصّون كأنهم صفوف صلاة، لكن القبلة هذه المرة هي الضريح. الأعلام تلوح فوق الرؤوس، الألوان تمتزج، والهتافات تتردد: "لبيك يا نصرالله"، تتضخم الأصوات، تصعد كأنها تحاول الإمساك بشيء ما في السماء.
في الساحة، الجنود مصطفّون، صامتون، رؤوسهم محنية قليلاً، كأن لا أحد يريد أن يرفع عينيه إلى السماء، إلى النقطة الفارغة التي تركها الغائبون وراءهم. الأناشيد تتفجّر من مكبّرات الصوت، صوتها أضخم من الواقع نفسه. الهيئة الصحية تتوزع بين الحشود، توزّع الماء والسندويشات، وكأنها تعتني بالجسد فيما تتداعى الأرواح.
الدموع هنا لها طرق مختلفة للنزول. النساء يبكين كما لو أنهنّ فقدن شيئًا شخصيًا، والرجال يشيحون بوجوههم أو يخفون أعينهم خلف نظارات داكنة، لكن الوجوه المتصلبة لا تخدع أحدًا. في وسط المشهد، امرأة تمسك بطفلها الرضيع، تهزّه برفق، كأنها تريد أن تحفر هذه اللحظة في ذاكرته، رغم أنه لن يتذكّر شيئًا لاحقًا.
في الزحام، يندفع طفل إلى الأمام، متجاوزًا الحواجز. يرفع يده بإصرار، يطلب من والده التقاط صورة: "ارفع العلم منيح"، يقول الأب. لا يريدها صورة عادية، بل صورة كاملة صحيحة، تليق بالموقف، بشيء سيُروى لاحقًا.
وفوق المشهد، طائرات إسرائيلية تحلق. لا حاجة لرؤيتها، يكفي صوتها ليشتعل الجمع. فجأة، وبدون اتفاق مسبق، تصعد الهتافات"لبيك يا نصرالله"، "الموت لإسرائيل". صرخة واحدة تصبح صدى هائلًا، وكأن الصوت وحده يمكن أن يكون درعًا، وكأن مواجهة بالهتفات، أقوى من الطائرات.
في أحد أركان الساحة، شاب من الهيئة الصحية يلتفت لصديقه مع بداية النشيد الوطني. يسأله "حافظه؟" يهزّ رأسه بالنفي، يبتسم بلا خجل "لا، بس نشيد الحزب". وما إن تبدأ الكلمات التي يعرفها حتى يرتفع صوته، واثقًا، ثابتًا، كأن ما عداها لا يعني شيئًا، وكأنها الحقيقة الوحيدة التي يجب ترديدها.الصرخة الأخيرةالجموع تتداخل، تتدافع، كل فرد يريد أن يكون أقرب، أن يرى، أن يلمس. نساء يتسلّقن السلالم، رجال يعتلون الأعمدة، أيادٍ تتمسك بالحواجز، كلهم يحدّقون في نقطة واحدة. الترقّب يسبق الصدمة، الصمت يتشنّج، يُحبَس في الصدور للحظة أخيرة.
ثم، يظهران. النعشان، محمولان على الأكتاف، بطيئان كأنهما يواجهان مقاومة غير مرئية، كأن الجاذبية أصبحت فجأة مضاعفة. للحظة، يبدو أن الهواء نفسه تجمّد. ثم، ينفجر كل شيء.
الصرخات تهدر، بعضها يمزّق الهواء وكأنه طعنة، بعضها مخنوق كأن صاحبه فقد القدرة على التنفّس. الأيادي تمتدّ، تلمس الخشب الملفوف بالرايات، تبحث عن أثر أخير، شيء يبقى. عيون تغرق في الدموع، أجساد تتهاوى، رجال يضربون صدورهم، نساء يسقطن على الأرض، كأن الحزن ثقيل لدرجة يستحيل معها الوقوف.
شاب في العشرينات، بثياب سوداء، يرتجف وهو يردّد: "ما رح صدّق قبل ما شوفو، بدي شوف الجثة". كأنه يريد أن يتفاوض مع الحقيقة، أن يجد مخرجًا منها. بجانبه، رجل آخر يردّ بحزم، كأنه ينطق بحقيقة لا تحتمل الجدال: "إذا بدك تعملي شي صح، بس بتسمعي حكي السيد".
في الزاوية، امرأة تضغط صورة على صدرها، تقبّلها، تتمتم بشيء لا يُسمع. حولها، آخرون يلوّحون بصور السيدين، يمسحون عليها بوجوههم، كأنها آخر أثر يمكن الاحتفاظ به.
وفجأة، تنفجر الجملة من الحناجر، تتردّد، تصبح موجة واحدة: "إنا على العهد يا سيد"
في الخلف، شاب جريح، ضمادات تغطي عينيه، يقف ضمن الفرقة الموسيقية. لا يرى النعش، لا يرى شيء، لكنه يعرف تمامًا أين هو. يرفع الفلوت إلى شفتيه، ينفخ. النغمة الأولى متكسّرة، ضعيفة، لكنها تمتدّ، تخترق الهواء المشبع بالحزن. لا يرى، لكنه يعزف كأنها التحية الأخيرة، كأن هذه النغمة ستظل تتردد، حتى بعد أن يُغلق القبر، حتى بعد أن يغيب كل شيء تحت التراب.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top