2025- 02 - 23   |   بحث في الموقع  
logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الأحد logo مقتل أردني وفلسطيني في تكساس... والتحقيقات مستمرة logo هزيمة مريرة... شولتس يعترف بالخسارة في الانتخابات الألمانية logo "زيلينسكي كان محقًا"... إليكم السبب وراء "إعجاب" ترامب ببوتين logo حنين للعودة... حاخام يهودي يزور دمشق لأول مرة منذ 34 عاماً logo مسؤول في "حزب الله" يستغرب غياب باسيل عن تشييع نصرالله logo ألمانيا: المحافظون يفوزون بالانتخابات التشريعية.. اليمين المتطرف يتقدم logo عائلة نصرالله تشارك في تشييعه.. تعرفوا إليها
في وداع نصرلله الأخير: حزن ودموع وتجديد للولاء
2025-02-23 19:25:55


يُدخل النعشين إلى السّاحة البيضاويّة، يُحدّق بالتابوتين المُغلفين بعلمٍ أصفر والمُكلّلين بعمامةٍ سوداء، عشرات الآلاف: آلاف العيون الدامعة، آلاف القبضات المرفوعة في الهواء، آلاف الأصوات المفجوعة والمودّعة. بشكلٍ دائريّ وفوق رؤوس عشرات الآلاف، حلّقت طائرة الاستطلاع التابعة للجيش اللبنانيّ، ووسط المشهد الجنائزيّ المهيب، اقتحمت أربع طائرات إسرائيليّة الأجواء اللبنانيّة، ومرّت فوق الحشود المتجمهرة. ثوانٍ معدودة عمّ فيها الصمت من هول المشهد، لترفع الهتافات بعدها "الموت لإسرائيل". تزامنت هذه المشاهد مع بعضها، لتترجم المشهدين السياسيّ والأمني في لبنان، إنه صراع "السّيادة"، وصراع "النفوذ"، وصراع "البقاء والجماهيريّة"، إذًا.عشية التشييعيوم أمس، كان ليله مختلفًا في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. رافق الأرق كل السكان، لم تغفُ عيونهم، سهروا في الشوارع حتى ساعات الصباح. غصّت الطرقات بمئات السيارات والدراجات الناريّة، مسيرات متواصلة على طول أوتوستراد هادي نصرلله. زحمة سير خانقة أدت إلى اقفال مداخل الضاحية الجنوبيّة وانتشار العشرات من عناصر الجيش اللبنانيّ بآلياتهم في الطرقات تحسبًا لأي استفزازات من شأنها تهييج الشارع. أقفلت كل المحال التجاريّة برغبة جماعيّة. هو "يوم الحداد" على القادة. افترش المواطنون الطرقات، همّوا إلى تركيب مضائف عاشوراء، التي تبعد عن بعضها أمتارٍ قليلة، يقف عليها عشرات الشبان من أبناء المنطقة، يغدقون على السائق والمارة بوجبات الطعام والمشروبات والحلويات. وبالقرب منهم، يتولى شبان مهمة توزيع صور نصرلله وصفي الدين وقادة حزب الله على المارة.
زحف بشري في الضاحية ليلًا، الآلاف رغبوا بتوديع نصرلله للمرة الأخيرة وبتجديد الولاء له. توزعوا في مختلف النقاط، فكل منطقة لها رمزيتها الخاصة. المئات أمام موقع اغتيال نصرلله في منطقة حارة حريك الذي تحوّل إلى مزارٍ دائم يتردد عليه السكان، أشعلوا الشموع وحملوا صوره وبكوا كثيرًا. آخرون قصدوا روضة الحوراء في منطقة الغبيري، بعد أن علموا بأنه كان وديعة هناك، وارتموا فوق الأرض التي خُبئ فيها. والبعض الآخر تجمعوا أمام مرقده ومحطته الأخيرة، لمراقبة التحضيرات قبل التشييع.
على بعد أمتارٍ قليلة من المدينة الرياضيّة، افترش مئات الأشخاص الأرصفة، وضعوا الفرش الإسفنجية وناموا على الطرقات، ليتمكنوا من الدخول صباحًا إلى الباحة الرئيسيّة قبل أن تغصّ بالمشاركين.مئات الألوفمئات من الألوف، تركوا منازلهم وشاركوا في مراسم التشييع. زحف بشريّ ضخم. نزلوا من مختلف المناطق اللبنانيّة نحو العاصمة بيروت، متشحين باللباس الأسود، حاملين أعلام حزب الله وحلفائه(إيران، العراق، اليمن..)، رافعين الشعارات الحزبيّة. وكما كان متوقعًا، لبت جماهير الحزب الدعوة إلى التشييع، وتوافدت بعض الشخصيات من عدة بلدان، لاستقبال نصرلله وصفي الدين، ومنها: "تركيا، أندونيسيا، البحرين، ماليزيا، جنوب أفريقيا، الصين، اسبانيا، فرنسا، ايطاليا، تونس، المغرب، إيران، اليمن، الجزائر...".
احتضنت الحشود نصرلله بدموعها، وبالصراخ على فقدانه، أو بمعنى أدق، أكدّ التشييع غيابه. قبل دقائق قليلة من ادخاله بنعشٍ، عاش الآلاف ممن اعتادوا على الاستماع إليه على شاشات التلفزة، أو رؤيته لدقائق قليلة في ذكرى عاشوراء، حالة من الإنكار، إذ لم يتوقعوا قط أن يطلّ عليهم فجأة بعد سنوات من الغياب أو التغييب القصدي، داخل تابوت خشبيّ.
ارتفع صراخ النسوة، وبكاء الرجال. ودّعوه بروحيّة شبيهة بعائلة فقدت والدها على حين غرّة. تحول الآلاف فجأة إلى أيتامٍ. دقائق قليلة، حتى حلّقت أربعة طائرات إسرائيليّة، زعمت إسرائيل أن هذه الطائرات هي التي رمت القنابل فوق نصرلله في السابع والعشرين من أيلول العام 2024. هديرها الذي باغت لحظات التشييع، كان كفيلًا بتذكير كل الحاضرين بأتون الحرب الأخيرة وويلاتها، وبالدمار الذي تخلّفه كلما حلّقت في الأجواء اللبنانيّة، وبالمأساة التي حلّت على الأهالي. أصوات الغارات لم تُمح من ذاكرتهم، لم يتعافوا منها بعد، وعقب انتهاء التشييع والتوجه نحو طريق المطار، كانت إحدى الشابات تحاول الضغط بأيديها على أذنيها كي لا تسمع هدير الطائرات الإسرائيليّة.
جال النعشان بين الحضور. رُميت الورود الحمراء عليهما. عشرات الشالات الصوفيّة والأعلام وقطع الملابس رُميت فوق النعشين، لتتحول بثوان قليلة إلى غطاءٍ "مُبارك"، يحمل رائحة السيّد، وفقًا لأقوالهم. وبعد أن استعادوها، مسحوا بها وجوههم وضمّوها. الفاجعة الكبرىتقول سيدة في العقد السادس من عمرها وهي تمسح دموعها، أن الألم تراكم بداخلها منذ بداية الحرب، وجاءت اليوم لتفرغ هذا الحزن. وتضيف: "مات والدي منذ سنوات، لكنني اليوم أدفن أبي للمرة الثانية بوجع أكبر، أتت الحرب فجأة، خسرت منزلي في الجنوب، تبدّلت أحوالنا، اغتالت إسرائيل قادة الحزب، وأمينه العام... ما حصل كان قاسيًا... خسرنا قائد المعركة...". حزن جماعيّ على الفقدان والدمار وعلى كل خسارات الحرب الأخيرة، وعلى آلاف الشهداء الذين رفعت صورهم اليوم، وعلى جرحى الـ"PAGER"، الذين حضروا التشييع على الرغم من فقدان بعضهم لنظرهم.
كثرٌ وصفوا هذا اليوم بأن "يوم الوداع". واعتبروه يومًا خاصًا لبكاء البيئة الحاضنة لحزب الله وحزنها جراء كل ما حدث منذ بداية الحرب الإسرائيليّة على لبنان وصولًا إلى لحظة اغتيال نصرلله، وحتى تاريخ دفنه اليوم.
على المدرجات، تذكر الحاضرون الذين وصلوا قبل ساعات طويلة من بدء التشييع، الكثير من عبارات نصرلله القديمة. ففي ذاكرتهم يصدح صوته عاليًا في كثير من المراحل المفصليّة، كخطابه في العام 2000 بعد التحرير، والجملة الشهيرة له في حرب تموز العام 2006 حين أعلن عن احتراق البارجة الحربية الإسرائيليّة في عرض البحر، وحين وعد سكان الضاحية الجنوبية بإعادة اعمار منازلهم، قائلًا عبارته التي طبعت على غالبية المباني هناك "ستعود أجمل مما كانت".
على الرصيف المقابل للمدينة الرياضيّة، وضعت سيدة كرسيها الخشبي لصعوبة دخولها إلى الباحة وسط الازدحام، تقول لـ"المدن" إلى أنها وصلت عند الثالثة فجرًا إلى بيروت من النبطية، لتشارك في تشييع نصرلله. وفقًا لشهادتها، "شكّل نصرلله الأمان والطمأنينة لأنصار الحزب، فهو من يعلن عن بدء الحرب ومن يعلن انتهاءها، نستمع إلى خطابه لنعرف ما يحصل". وتقول: "فقدنا الأمان اليوم..هذا القائد لا يتكرر".
بمنظورهم، كان "عرّاب الانتصارات"، الذي يهدد العدو الإسرائيليّ لعقود طويلة من دون خوف والذي يهدده بقصف مدنه في حال أراد الاقتراب من الضاحية الجنوبيّة، وهو "الأب المتواضع" الذي استشهد ابنه دفاعًا عن هذه القضايا التي خاطب بها جمهوره، وهو من يساند هذه البيئة ويدافع عنها".
على هذا الشكل، ودّع مئات الألوف الأمين العام للحزب السابق، والرئيس التنفيذي للحزب، ودفن نصرلله في مرقده، على أن يشيع صفي الدين يوم غد في جنوب لبنان.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top