وسط أجواءٍ شعبيّةٍ حاشدة في المدينة الرياضيّة في بيروت، شُيِّع اليوم الأمينين العامّين السّابقين لحزب الله، كلٌّ من حسن نصرالله وهاشم صفي الدين بحضور آلاف المشيّعين، يتقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ممثلاً أيضاً رئيس الجمهورية جوزاف عون، فيما مثّل رئيس الوزراء نواف سلام وزيرُ العمل محمد حيدر. وشاركت في المراسم أحزابٌ سياسية مقرّبة من حزب الله، أبرزها حركة أمل، وتيار المردة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب الديمقراطي اللبناني، إضافةً إلى التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي. في المقابل، أعلن تيار المستقبل عدم المشاركة.
كما شارك في التشييع وفود خارجية، يتقدمهم رئيس مجلس الشورى الإيراني محمّد باقر قاليباف، ووزير خارجية طهران عباس عراقجي، اللذان وصلا صباحًا إلى بيروت على رأس وفد.وتلا السيد مجتبى الحسيني رسالة من السيد علي الخامنئي أكد فيها أن "المقاومة في مواجهة الغصب والظلم والاستكبار باقية، ولن تتوقف حتى بلوغ الغاية المنشودة".قاسم: إنّا على العهدوألقى الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، كلمةً مسجلة جاء فيها: "نودّع اليوم قائدًا تاريخيًّا استثنائيًّا، قائدًا وطنيًّا عربيًّا إسلاميًّا يمثّل قبلة الأحرار في العالم. نودّع سيّدنا وحبيب المجاهدين والفقراء والمستضعفين، وحبيب الفلسطينيّين. لقد قاد هذا السيّد العزيز المقاومة إلى الأمّة، وقاد الأمّة إلى المقاومة، حتّى صار لا يمكن التمييز بينهما؛ فالجميع قلبٌ واحد، يقاتلون ويسمعون ويحاولون العمل بما يوصي به. هو صادقٌ وفيّ، كريمٌ متواضعٌ صلبٌ شجاعٌ حكيمٌ استراتيجيٌّ، وحبيب المقاومين يثق بالناس ويؤمن بهم، أحبّ الناس فأحبّوه، وكانت وجهته الدّائمة فلسطين والقدس، وقد ساهم مساهمة عظيمة في إحياء هذه القضيّة."
"حفظ الأمانة"وأضاف قاسم مؤبِّنًا:"إنّك باقٍ فينا بتعاليمك وجهادك، وسنحفظ الأمانة ونواصل السير على هذا الخطّ. أنت القائل: هذا الطريق سنكمله لو قُتِلنا جميعًا، ولو دُمِّرت بيوتنا على رؤوسنا، فلن نتخلّى عن خيار المقاومة. يا سيّدي، من أحببتَ الإمام الخامنئي قال لنا إنّ حزب الله في لبنان قد فقد قائدًا قلّ نظيره. وفي هذا المحفل أُعلن مبايعتي لك على هذا الخطّ، وشعبك أيضًا يبايعك."
وتابع الأمين العام لحزب الله في كلمته: "سأقول لكم عبارةً أكرّرها دائمًا: أنّا على العهد يا نصرالله. إنّنا نُشيّع الأمين العام ونفتقدك يا سيّد، لكنّك باقٍ فينا بنهجك وعطاءاتك." وأشار قاسم إلى أنّ "السيّد نصرالله قاد المقاومة إلى الأمّة وقاد الأمّة إلى المقاومة، وكان هذا الرجل العظيم حبيب المقاومين الذي يثق بالناس ويجمع بين العقول والقلوب، ووجهته كانت على الدوام فلسطين والقدس، وقد استُشهد في غرفة عمليات المقاومة وهو يتابع مجريات العمليات". كما توجّه بالتحيّة إلى الجرحى "الذين هم شهداء أحياء"، وإلى الأسرى، واعدًا بألّا يتركهم حزب الله بيد العدو، وبأن يبذل "كلّ الضغوطات اللّازمة للإفراج عنهم".وأثناء الكلمة الّتي ألقاها أمين عام الحزب، نعيم قاسم، حلق الطيران المُسيّر فوق موقع التشييع. المواجهة مع إسرائيلوتطرّق قاسم إلى المواجهة مع إسرائيل قائلاً: "واجهنا الكيان الإسرائيلي ومن ورائه الطاغوت الأكبر أميركا، التي وقفت ضدّ غزّة وفلسطين ولبنان والعراق وإيران. لقد كان حجم الإجرام الإسرائيلي غير مسبوق بهدف القضاء على المقاومة في غزّة ولبنان، ولكن حجم الصمود والاستمراريّة كان غير مسبوق أيضًا. وقد أعدنا تنظيم صفوفنا وصمد مقاتلونا الأبطال على الحدود، فلم يتمكّن 75 ألف جنديّ إسرائيليّ من التقدّم ومواجهة المقاومة." وشدّد على أنّ هذا الحشد الكبير هو "تعبيرٌ عن وحدةٍ وطنيّة وإنسانيّة حول فلسطين والحقّ".أضاف:"وافقنا على وقفٍ لإطلاق النّار في ظلّ انعدام الأفق السياسيّ والميدانيّ، بعدما حال تدخّلنا دون تحقيق العدوان أهدافه. التزمنا نحن، لكنّ إسرائيل لم تلتزم. واليوم، بعد انتهاء مهلة الاتفاق، نحن أمام احتلالٍ وعدوان. إنّ القصف على الدّاخل اللبنانيّ هو عدوانٌ لا يمكن لإسرائيل أن تستمرّ فيه؛ لأنّ المقاومة موجودة وقويّة من حيث العدد والعدة والشعب." وتابع: "نؤمن أنّ النصر النهائيّ حتميٌّ ومطلق، ولو تأخّر بسبب قلّةٍ تواجه. فلو واجه الجميع لتغيّر الوضع. المقاومة إيمانٌ ولا يمكن لأحدٍ أن يسلبنا هذا الحقّ. هي حياة الشعوب الحرّة، وتُكتَب بالدماء لا بالحبر، ولا يثنيها من يعارضها، فهي تقتلع المحتلّ ولو بعد حين، وترسم مستقبل الأحرار. هي إيمانٌ أرسخ من الجحافل، وعشقٌ يغلغل في المحافل، ونصرٌ يُخلّد كلّ مقاتل. موتوا بغيظكم... فالمقاومة باقيةٌ وقويّةٌ ومستمرّة."تحديات المرحلةولفت إلى اختلاف المرحلة الراهنة عن سابقاتها، قائلاً إنّ "أبرز خطوةٍ اليوم هي أن تتحمّل الدولة مسؤوليّاتها. لقد التزمنا ولم تلتزم إسرائيل، وصبرنا لإعطائها فرصة الانسحاب، لكنّنا أمام خرقٍ تحوّل إلى احتلالٍ وعدوان. والمقاومة قدّمت نموذجًا في الصمود سيُحتذى به مستقبلًا". وأضاف: "ماذا عن مستقبل المقاومة؟ إنّها لم تنتهِ وهي مستمرّةٌ بحضورها وجهوزيّتها. لا نقبل في لبنان أن تتحكّم أميركا ببلدنا. المسار طويل ونحن له بالمرصاد، ولن نقبل باستمرار قتلنا ونحن نتفرّج. يا دعاة السيادة، استيقظوا! ماذا تفعلون الآن؟ سنواجه حتّى النصر أو الشهادة."
وشدّد على أن "المقاومة اساس وهي خيارنا مادام الاحتلال وخطره موجودًا، وسنتابع تحرك الدولة لطرد الاحتلال دبلوماسيًّا والبناء بعد ذلك على النتائج، ونبحث الاستراتيجية الدفاعية، ونحن ندعم تحرير فلسطين ومواجهة مشروع الرئيس الاميركي في تهجير أهل فلسطين، وشهداء غزة، وسنشارك في بناء الدولة القوية العادلة تحت سقف اتفاق الطائف، تحت 3 عناوين وهي إقرار خطة الإنقاذ في أسرع وقت، تحرير الارض وإطلاق الاسرى، وبناء ما تهدم. وبالنسبة لنا لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه ونحن من ابنائه، نحن متحالفون مع حركة امل وهذا التحالف تعمد بالدم لا تفكروا ان تلعبوا بيننا فاننا واحد في الموقف والسياسة وسنبقى كذلك لعزتنا وعزة لبنان، ولرؤوس الحامية اقول في الداخل اللبناني لا يوجد رابح وخاسر، فلنتنافس لخير الناس".
وتبع الخطبة، إقامة صلاة الجنازة.