لم يكن مُستَغرَباً شلل حركة الناس والمحال التجارية في الجنوب كما الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل موعد إلقاء السيد حسن نصرالله خطابه. وفي يوم تشييعه تضاعفَ الشلل كثيراً مقارنة بأيام خطاباته، إذ ارتفعت النسبة إلى حدّ انعدام الحركة. فالكل اتّجه نحو بيروت.لا جدال في أنَّ كاريزما السيد نصرالله، كانت آسرة. والرجل كان قادراً بصوته الجهوريّ ونبرته القوية، على جذب انتباه خصومه قبل مناصريه لسماع ما سيقوله في مختلف المناسبات والأحداث، بمعزل عمَّن سيصدّق كلامه أو يتجاهله.
الناس والمحال التجاريةقبل أيام من موعد التشييع، كانت أحاديث الناس تدلّ على أنّ نهاية الأسبوع هذه المرّة لن تكون كسابقاتها، وبدل انتظار يوم العطلة للتسوّق والترفيه والزيارات، تبادَلَ الجنوبيون أحاديثهم عن التحضيرات التي يقومون بها استعداداً للتوجّه نحو العاصمة للمشاركة بالتشييع.بدءاً من مساء يوم أمس السبت، كانت التحضيرات في أغلب قرى قضاء صور ظاهرة للعيان. السيّارات رفعت أعلام حزب الله ورايات تحمل صُوَرَ نصرالله وعبارات التأكيد على مواصلة المسيرة بعده.صباحَ يوم الأحد فرغت هذه القرى من النسبة الأكبر من سكّانها، وأصاب الشلل حركة مَن بقي فيها، وأيضاً حركة المحال التجارية بمختلف أنواع تجارتها. أمّا مدينة صور، فلم يشبه يوم أحَدِها أيّ أحدٍ آخر. فبدل الاكتظاظ، لا سيّما في السوق التجاري القديم والأسواق المستحدثة على أطراف المدينة، كان كل شيء مختلفاً هذه المرّة، فالإقفال شبه تام، وبعض المحال كتب لافتات تُعلِمُ الزبائن أنّ الإقفال هو بسبب المشاركة بتشييع نصرالله، ولافتات أخرى تقول بأنّ الإقفال هو للسماح للموظّفين بالمشاركة بالتشييع.لا يخرق هذا الالتزام سوى بعض المحال، سواء في صور أو القرى المحيطة. وللخرق تبريراته بالنسبة للبعض، فيؤكِّد معظم الذين فتحوا محالهم، في حديث لـ"المدن" أنّ "هناك أسباباً قاهرة تمنعهم من المشاركة بالتشييع". والبعض أعربَ صراحة عن عدم رغبته بالذهاب إلى بيروت لأنّ "المشقّة كبيرة والازدحام لن يكون سهلاً، والعودة إلى القرية وسط هذا الحشد سيكون متعباً". وهؤلاء لم ينفصلوا عن المناسبة تماماً، فشاشات التلفاز كانت تنقل الحدث مباشرةً.بعض الصيدليات فتحت أبوابها لأنّ "الدواء ليس كأي سلعة تجارية يمكن حجبها عن الناس"، وفق ما يقوله أحد الصيادلة لـ"المدن"، ويؤكِّد أنّ "تأمين الدواء والمستلزمات الطبية هو بحدّ ذاته فِعل مشاركة وتأكيد على الالتزام بمسيرة الأمين العام".المشهد ذاته على طول الخطّ الممتدّ من صور إلى صيدا، مروراً بالصرفند والغازية على تخوم مدينة صيدا. أمّا الاتجاه شرق المدينة، وتحديداً إلى منطقة "حارة صيدا"، فالإقفال التام هو السائد، بما في ذلك محال المواد الغذائية والتعاونيات، وكذلك التزمَت بعض محطّات المحروقات بالإقفال.
طرقات فارغةحركة السيارات والآليات داخل القرى عكست حالة انعدام الحركة التجارية. فالكلّ سابَقَ الوقت منذ يوم أمس للنزول إلى بيروت. وعلى طول الطريق من صور إلى صيدا، كان الطريق السريع - الأوتوستراد شبه فارغ، ووحدّها سيّارات الإسعاف والإطفاء التابعة لجمعيَّتَ الرسالة (حركة امل) والهيئة الصحية (حزب الله) وسيارات الصليب الأحمر اللبناني، كانت حاضرة بكثافة. وفي بعض النقاط على طول الأوتوستراد، قَرَّرَ البعض الاستفادة من المناسبة تجارياً عبر بيع أعلام حزب الله وحركة أمل ورايات تخصّ المناسبة.تعكس هذه المشاهد ضخامة الحدث وفَرادته، حتى بتفاعل الجمهور معه. هذا الجمهور الذي فَضَّلَ التخلّي عن ما يمكن كسبه مادياً في يوم عطلة ترتفع خلالها معدّلات البيع والشراء. كمّا أنَّ صخب التشييع كان أقوى من قرار قضاء يومٍ هادىء.