توافد عشرات الآلاف من المُشيِّعين منذ ساعات الفجر الأولى إلى مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت، للمشاركة في تشييع الأمينين العامَّين السابقين لحزب الله، حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، وذلك وسط إجراءاتٍ أمنية مشدّدة وتدابير سير استثنائية في العاصمة والطرقات المؤدية إلى مكان المراسم. ويُقيم حزب الله، اليوم الأحد، مراسم تشييع للأمينين العامَّين السابقين بعد نحو خمسة أشهر على اغتيالهما في غارات إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت. وتجري المراسم في ظل حضور وفود سياسية وشعبية من لبنان والخارج، فيما علّقت صور عملاقة لحسن نصرالله وهاشم صفي الدين على الجدران الخارجية للمدينة الرياضية، وأُضيفت آلاف المقاعد في محيط الاستاد الضخم. وامتلأت الساحات بالمشيعين الذين قدموا من مختلف المناطق اللبنانية، وسط أجواء من الحزن والتأثر.
تمثيل رسميّ ووفود سياسيّةتشارك في المراسم أحزابٌ سياسية مقرّبة من حزب الله، أبرزها حركة أمل، وتيار المردة، والحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب الديمقراطي اللبناني، إضافةً إلى التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي. في المقابل، أعلن تيار المستقبل عدم المشاركة، ولم تُدعَ الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية.
تصل الوفود السياسية تباعًا إلى المدينة الرياضية، وقد وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مطار بيروت صباح الأحد ممثِّلًا الرئيس الإيراني. كما وصل رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، وتوالى وصول عائلات شخصيات إيرانية بارزة، منها عائلة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية السابق حسين أمير عبد اللهيان، وعائلة القائد السابق لـ"فيلق القدس" قاسم سليماني.
وأعلنت اللجنة المنظمة مشاركة شخصيات رسمية لبنانية، مؤكدةً أنّ نحو 79 دولة ستشارك شعبيًّا ورسميًّا. وأفاد المنظمون بحضور شخصيات رفيعة المستوى من إيران ودول أخرى، فيما شدّدت طهران على مشاركتها "على مستوى رفيع". كما يُتوقَّع وصول ممثلين عن الفصائل العراقية الموالية لإيران وحلفاء حزب الله ضمن "محور المقاومة"، إضافةً إلى وفد كبير من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن.مشيعون رغم الظروف الجويّةومنذ ساعات الفجر الأولى، تدفق أبناء محافظة بعلبك الهرمل إلى العاصمة بيروت، مستقلين سياراتهم الخاصة وحافلات بمختلف الأحجام، للمشاركة في مراسم تشييع نصرالله وصفي الدين. وعلى الرغم من طبقات الجليد التي غطت الطرقات خلال الليل، أصر المواطنون على تلبية النداء، متجاوزين الظروف الجوية القاسية. ووفق التقديرات المستندة إلى أعداد السيارات والحافلات التي رفعت صور السيد حسن نصرالله والأعلام والرايات، فإن عدد المشاركين من منطقة البقاع الذين توافدوا إلى مدينة كميل شمعون الرياضية منذ يوم أمس، بلغ نحو 200 ألف شخص.
حرصت قيادة "حزب الله" في منطقة البقاع على اتخاذ كافة التدابير اللوجستية لضمان انسيابية حركة السير وسلامة الوفود المتجهة إلى بيروت، فيما انتشرت الفرق الصحية والإسعافية التابعة للهيئة الصحية الإسلامية على طول الطريق الدولية، إلى جانب المضائف التطوعية التي قدمت خدماتها للمشاركين. من جهتها، تابعت قيادة حركة "أمل" في إقليم البقاع تأمين الطريق عبر نشر فرق الدفاع المدني التابعة لكشافة الرسالة الإسلامية - مفوضية البقاع، من الهرمل حتى نقطة ضهر البيدر، لضمان سلامة المشاركين في التشييع، كما أقامت المناطق الحركية نقاط متابعة لخدمة الوافدين.ترتيبات لوجستية وأمنيةوعمد حزب الله إلى تركيب شاشات عملاقة في عدد من الطرقات المؤدية إلى مكان التشييع، لتسهيل المشاهدة على الذين يتعذّر عليهم الوصول. كما كثّف عناصر الدفاع المدني التابعون للهيئة الصحية الإسلامية انتشارهم، وأُقيمت مراكز ثابتة وخيام طبية تحسّبًا لأي طارئ. وأمنيًّا، سُيِّرت دوريات عسكرية على الطرق المؤدية إلى المدينة الرياضية، وانتشر عناصر الانضباط التابعون لحزب الله للإشراف على المراسم. وفرضت قوى الأمن الداخلي تدابير سير استثنائية في بيروت، داعيةً المواطنين الذين لا يقصدون مكان التشييع (باستثناء المتوجّهين إلى المطار) إلى تجنّب الطرقات المؤدية إلى موقع إقامة المراسم لتسهيل حركة المرور.
توقّفت الرحلات الجوية في مطار بيروت من الساعة 12 ظهرًا (10:00 ت.غ) حتى الرابعة بعد الظهر، فيما دعت السفارة الأميركية رعاياها إلى تجنّب منطقة المراسم، بما فيها المطار. وانتشرت فرق طبية ومستشفيات ميدانية وفرق إنقاذ وإطفاء على الطرق المؤدية إلى التشييع، مع تخصيص مسارات خاصة للسيارات ومواقف للقادمين من خارج العاصمة. وطُلب من الوافدين من الضاحية الجنوبية الوصول سيرًا على الأقدام بسبب إغلاق بعض الطرق أمام المركبات.
ودعا المنظمون إلى الامتناع عن إطلاق النار وعدم التدافع حرصًا على السلامة. من جهته، أصدر وزير الدفاع قرارًا بتجميد تراخيص حمل الأسلحة في لبنان من 22 إلى 25 شباط، كما أعلن الجيش اللبناني تعليق العمل بتراخيص التصوير عبر الطائرات المسيّرة من مساء السبت حتى مساء الأحد.كان لاغتيال نصرالله وقع الصاعقة على أنصاره، الذين توافدوا منذ الصباح الباكر من قرى ومدن مختلفة في لبنان، رغم انخفاض درجات الحرارة.
وتؤكّد هذه المشاركة الشعبية الكبيرة المكانة التي يحظى بها القياديّان المغتالان لدى مناصري حزب الله، في ظلّ إجراءات أمنية ولوجستية استثنائية، بانتظار انتهاء مراسم التشييع الرسمي والشعبي، وضمان سير المراسم كما هو مُخطّط لها.