مكسيم صبح، من أب سوري وأم أوكرانية، شغل عدة مناصب دبلوماسية قبل أن يعينه الرئيس الأوكراني في العام 2022، ممثلاً خاصاً لأوكرانيا في الشرق الأوسط وإفريقيا.
عاصفة ترامب التي تجتاح أوكرانيا وسيل تصريحاته وتناقضها، يجعل من الصعب على أي مسؤول أوكراني الجزم بصحة موقفه وثباته حتى اللحظة التالية. لذا، وليس من دون رغبة مكسيم صبح، ابتعدنا عن الأسئلة المتعلقة بخطة ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية، والمفاوضات الأميركية الروسية من دون أوكرانيا وأوروبا، وخطة ترامب للاستيلاء على خامات المعادن الثمينة الأوكرانية، مقابل استمرار المساعدات الأميركية، ومصير الأراضي الأوكرانية المحتلة، وسواها من الأسئلة المطروحة على كل لسان الآن.
وعليه، اقتصرت الأسئلة على شؤون المنطقة، في ظل عاصفة التغيرات الجيوسياسية التي تضربها هي الأخرى، وليس من دون دور ترامب الراجح أيضاً.
يرى صبح، أن منطقة الشرق الأوسط تمر حالياً بفترة من التحولات الجذرية، حيث تتزايد حدة التنافس الإقليمي والمواجهة بين مراكز القوى العالمية، مما يؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى، وخلق روابط جديدة بين دول المنطقة، فضلاً عن بناء هيكلية جديدة للأمن الإقليمي. وبشكل عام، فإن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدول الشرق الأوسط، له أهمية كبيرة لاستقرار المجتمع الدولي بأسره، إذ لا تزال المنطقة واحدة من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم، حيث تتداخل فيها المصالح بشكل معقّد.
وحدة سوريا
ويضيف أن سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، شكل هزيمة جيوسياسية لروسيا. فقد بقي نظام الأسد في السلطة خلال السنوات العشر الأخيرة بفضل الدعم العسكري والتقني الروسي، ولكن في النهاية لم تتمكن روسيا من إنقاذه، بل تخلت عنه على طريقتها المعتادة في التعامل مع حلفائها. وعلى الصعيد الجيوسياسي، أدى انهيار نظام الأسد إلى إضعاف واضح لدور روسيا وإيران، إذ تواجه موسكو احتمال خسارة قواعدها العسكرية الاستراتيجية في سوريا، مما سيحدّ بشكل كبير من نفوذها في المنطقة، كما أن إيران فقدت فعلياً قدرتها على دعم حلفائها، لا سيما حزب الله.
وعن علاقة أوكرانيا بالسلطة الجديدة في دمشق، يقول صبح إن أوكرانيا، تأمل أن تصبح سوريا الجديدة دولة تحترم القانون الدولي، بما في ذلك وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، مما يمهد الطريق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، وإقامة حوار سياسي فعّال بين كييف ودمشق. ومن المهم للغاية أن تقوم السلطات السورية الجديدة بإلغاء قرارات نظام بشار الأسد، الذي اعترف في عام 2022 بالاحتلال الروسي المؤقت لأجزاء من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي.
ويضيف المبعوث الاوكراني، أن بلاده تدعم الجهود الدولية للحفاظ على وحدة أراضي سوريا وسيادتها، فضلاً عن تعزيز الحوار السياسي الشامل لضمان حقوق وحريات جميع الطوائف والجماعات الدينية في البلاد، وإجراء تعديلات دستورية، وتنظيم انتخابات ديمقراطية لبناء مؤسسات دولة فاعلة.
وتأمل أوكرانيا في انضمام سوريا إلى تنفيذ "صيغة السلام" التي طرحها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بالإضافة إلى دعم مشروع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن "تعزيز السلام الشامل والعادل والدائم في أوكرانيا"، والذي من المقرر التصويت عليه في 24 شباط/فبراير من العام الجاري. كما تأمل أوكرانيا في أن تعيد الحكومة السورية الجديدة النظر في علاقاتها مع النظام الروسي. فأمن سوريا طويل الأمد يعتمد على إنهاء الوجود العسكري الروسي على أراضيها، لا سيما من خلال إغلاق القواعد العسكرية الروسية لمنع روسيا من زعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأكملها بشكل أكبر.
وبالنسبة إلى صبح، فإن أوكرانيا تتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع تداعيات النزاعات وبناء المؤسسات الديمقراطية، وهي مستعدة لأن تصبح شريكاً موثوقاً لسوريا في طريقها نحو الاستقرار والازدهار، لافتاً إلى أن أحد مجالات التعاون الرئيسية، يمكن أن يكون دعم الأمن الغذائي في سوريا. وفي نهاية آذار/مارس، ستقدّم أوكرانيا 3,800 طن إضافية من الدقيق إلى سوريا، على أن يتم بعد ذلك زيادة حجم المساعدات الإنسانية المرسلة إلى سوريا، بالإضافة إلى تنظيم إنتاج وتخزين مشترك للمواد الغذائية.
ويلفت صبح، إلى أن بلاده ترى أن الرفع التدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على سوريا خطوة مهمة، إذ سيسهم ذلك في إعادة تشغيل بنيتها التحتية للنقل ونظامها المصرفي وقطاع الطاقة. وفي هذا الصدد، بادرنا إلى تشكيل "التحالف الإنساني الدولي – الغذاء من أوكرانيا"، لضمان تزويد سوريا بالمواد الأساسية، مثل الحبوب والزيوت والسكر وغيرها. كما نعمل على تنفيذ مشاريع مشتركة لتطوير القطاع الزراعي السوري، باستخدام التقنيات الأوكرانية في الزراعة.
وإلى جانب الدعم الغذائي، فإن أوكرانيا مستعدة للمساهمة في إعادة إعمار البنية التحتية السورية، وتقديم خبرتها في إزالة الألغام، وإعادة بناء المنشآت السكنية، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين. يمكن للخبراء الأوكرانيين تقديم المشورة والمساعدة في مجالات البناء والطاقة والطب والتعليم.
تراجع نفوذ حزب الله تطور إيجابي
وعن العلاقات مع لبنان، يقول صبح إن أوكرانيا تهنئ لبنان بحرارة على انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بقيادة نواف سلام. والتغيرات المهمة في المشهد السياسي اللبناني ستساهم أيضاً في تعزيز العلاقات الأوكرانية-اللبنانية على جميع المستويات. وفي 30 كانون الثاني/يناير من هذا العام، أجرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أول محادثة هاتفية مع نظيره اللبناني جوزاف عون بعد انتخابه. وقدة اقترح الرئيس الأوكراني إنشاء مركز غذائي في لبنان لدعم سكانه.
ويشدد صبح، على أن تطوير التعاون التجاري والاقتصادي من أولويات علاقاتنا الثنائية، موضحاً أن أوكرانيا تصدّر إلى لبنان حالياً بضائع بقيمة تزيد عن 400 مليون دولار، رغم أن إمكانيات التعاون قد تصل إلى مليار دولار. وفي كانون الأول/ديسمبر 2024، التقى وزير السياسة الزراعية والأمن الغذائي الأوكراني فيتالي كوفالي في بيروت برجال أعمال لبنانيين يمثلّون أكثر من 12 شركة تستورد المنتجات الأوكرانية، حيث تمت مناقشة سبل تطوير التعاون المستقبلي.
ويشير صبح، إلى تراجع نفوذ حزب الله في لبنان وتقلص تأثيره على السياسة الداخلية في البلاد، معتبراً ذلك تطوراً إيجابياً يعزز الأمن الإقليمي. فمن جهة، يقلل ذلك من خطر اندلاع مواجهات عسكرية جديدة، ومن جهة أخرى، مع انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة في لبنان، تتوفر الفرصة لتنفيذ إصلاحات جذرية، قد تساعد البلاد على الخروج من أزمتها السياسية والاقتصادية والمالية العميقة. وبالتالي، فإن تعزيز نظام الحكم في الدولة، واستقرار الاقتصاد، وتقوية الجيش اللبناني، ستمكّن البلاد من السيطرة بشكل فعّال على الوضع الأمني، بمساعدة الشركاء الدوليين وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
تهجير الفلسطينيين انتهاك للقانون الدولي
وعن موقف اوكرانيا من معادلة "دولتان لشعبين" كحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتقييمها لدور حماس المستقبلي في إدارة قطاع غزة. يجيب صبح، أن هجوم حماس على دولة إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام قبل الماضي كان بمثابة صدمة للعالم باسره. والأحداث المروعة التي وقعت على حدود قطاع غزة كانت تذكيرًا رهيبًا للأوكرانيين بمأساتهم الخاصة. لذلك، تدين أوكرانيا بشدة أي أساليب إرهابية أو عنف. يجب على حماس إطلاق سراح جميع الرهائن فورًا. إن استخدام القوة ضد المدنيين في كل من إسرائيل وفلسطين، وضرب البنية التحتية الحيوية، أمر غير مقبول. وندعو جميع الأطراف المنخرطة في النزاع المسلح إلى احترام القانون الإنساني الدولي والالتزام به بدقة. ونحن على يقين من أن اتفاقية سلام بين إسرائيل وفلسطين يمكن تحقيقها من خلال التنفيذ غير المشروط لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومبادئ مؤتمر مدريد، بما في ذلك مبدأ "الأرض مقابل السلام"، فضلاً عن الاتفاقيات السابقة، بما في ذلك مبادرة السلام العربية لعام 2002.
ويعتبر صبح، أن التهجير القسري للسكان الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى سيشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وهجومًا على الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وعقبة رئيسية أمام حل الدولتين، وعاملًا مزعزعًا للاستقرار في المنطقة. أما بالنسبة للمستقبل السياسي لحماس، فهو مسألة سيقررها الشعب الفلسطيني. بشكل عام، نعتقد أن الفلسطينيين يتطلعون إلى تحقيق توافق وطني داخلي يؤدي في النهاية إلى انتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على تحقيق اتفاق سلام مع إسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة.
وعن العلاقات مع إسرائيل، قال صبح بأن الدولتين تحافظان على حوار سياسي مستمر على مستوى رؤساء الدول وبين وزارتي الخارجية في البلدين. و لم تتلق أوكرانيا أي مساعدات عسكرية من إسرائيل، ولا تتلقى حاليًا أي دعم عسكري منها. تركز إسرائيل بشكل أساسي على الجوانب الإنسانية في تقديم المساعدة لأوكرانيا، بينما تظل حذرة فيما يتعلق بالتعاون العسكري التقني. ومع ذلك، باعتبارها حليفًا للولايات المتحدة، فإنها تشارك في اجتماعات مجموعة "رامشتاين". وبشكل عام، يدعم المجتمع الإسرائيلي، بأغلبيته، أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
أوكرانيا ودول الخليج
وعن العلاقات مع دول الخليج، يقول صبح بأن تطوير العلاقات متبادلة المنفعة مع دول الخليج، يبقى أحد الأولويات الأساسية للسياسة الخارجية لأوكرانيا. ونحن ممتنون لدول الخليج لدعمها الثابت لسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، والذي يتجلى بوضوح في تصويتها لصالح قرارات الأمم المتحدة التي قدمتها أوكرانيا منذ بداية العدوان الروسي واسع النطاق ضد بلدنا. وأخيراً قام زيلينسكي بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة (16-17 شباط/فبراير)، حيث تم توقيع أول اتفاقية بين أوكرانيا ودولة عربية حول الشراكة الاقتصادية الشاملة.
ويضيف صبح "ممتنون لدول الخليج لمشاركتها الفاعلة في معالجة القضايا الإنسانية العاجلة. فمنذ بداية العدوان الروسي واسع النطاق على أوكرانيا، تم إطلاق سراح أكثر من 1500 أسير أوكراني من الأسر الروسي بوساطة إماراتية، كما ساعدت قطر في إعادة 62 طفلاً أوكرانياً تم ترحيلهم قسراً من قبل روسيا. بالإضافة إلى ذلك، خصصت دول الخليج أكثر من 690 مليون دولار لمشاريع وبرامج إنسانية لمصلحة أوكرانيا.