في سنواتها الأخيرة، فجرت الشاعرة والرسامة الدمشقية اللبنانية الراحلة، مها بيرقدار(1947- 2025)، شيئاً من آلامها الدفينة، نقل عنها الشاعر شوقي بزيع تفاصيل في مقالة بعنوان "مها بيرقدار: بيت زوجي بمنزلين متباعدين وجدران كثيرة، وسأل كاتب المقال هل كان "بطريرك الحداثة" بطريركياً في سلوكه مع النساء؟ سرعان ما علّق الصحافي سمير عطالله بأن "أصدقاء الخال ورفاقه كانوا يعرفون أن الزواج خالٍ من الانسجام"، وقال: "يجب أن نتذكر هنا أن حياة الشعراء متشابهة في حالات كثيرة. فهم لم يولدوا من أجل أن يكونوا آباء وأزواجاً صالحين، بل مجرد رفاقٍ بارعين في السلوى والعشق الهامشي كأنما الزواج عبء حدث لهم على حين غفلة". ويسأل: "لماذا قررت مها بيرقدار التحدث الآن في مسألة حميمية إلى هذا المدى؟ آخر مرة تحدثت إليها كانت منذ حوالى العام عندما اتصلت بي تشكرني على حديث تلفزيوني، عددت فيه أفضال يوسف الخال على الحركة الأدبية والفنية برمتها بلبنان".
كان في مقال عطالله جوانب من العتب واللوم على الشاعرة الدمشقية، ربما كان جوابها عليه في كتابها "حكايا العراء المرعب"(دار فواصل) قالت "كتبتُ لأنقذَ نفسي بدل الذّهاب إلى طبيبِ أعصاب. عانيتُ مِن وفيّاتٍ عديدةٍ في عائلتي بدأَتْ مِن أبي، وكذلك توفيَّتْ أختي وأخي بفارقِ عشرين يومًا، وتزوّجتُ يوسف الّذي يكبرُني بواحدٍ وثلاثين عامًا. لسنا مِن دِينٍ واحدٍ، وحياتنا شابَتْها صعوباتٌ كثيرةٌ". وتقول بيرقدار في خاتمة الكتاب: "ليس من عادتي أن أنكأ الجراح، وها أنا أعتذر سلفاً من كل من سيقرأ هذا الكتاب، لأنه شهادة صادقة رغم إمعانها في السواد، لقد نئتُ تحت وابل الحروب التي عشتها والأحزان التي حملتها، وبرأسي المليء بالشظايا والذكريات الأليمة". وتضيف: "عندما قررتُ أن أكتب هذا الكتاب، كنتُ في حالة نفسية متردية، كنت كالسائر على حبل رفيع، إما أن أحافظ على توازني، وإما الوقوع في الهاوية. الفكرة أرجعتني إلى أصعب القرارات، أي الكتابة، لأني كنتُ هجرت الرسم والتأليف". وهي في هذه المرحلة كانت تعاني ألم السرطان والفقد، فجرت ألمها في الكلمات. إنها كما قال عنها المطران جورج خضر في مقدّمة ديوانها الأول "عشبة الملح": "كما النجمة ترى نفسها سائرة إلى الله أو فيه مع ما يكتنفها من حزن... كأن كلماتها تستقيم صلاة ما كالبخور".
مها بيرقدار الشامية، والدها المقدّم محمد خير بيرقدار(كان ضابطًا في الشرطة السورية)، تلقّت مها علومها الابتدائية في مدرسة "خديجة الكبرى" ونالت الشهادة الابتدائية بتفوّق، ونشر الخبر في الجريدة مع صورتها. ثم تابعت تحصيلها العلمي، ونالت شهادتي "البروفيه" و"البكالوريا". وفي هذه الأثناء تبلورت موهبة التمثيل والرسم لديها، وكانت تطمح لدراسة المسرح، ولكن هذا الطموح اصطدم بمعارضة شديدة من الأهل، باعتبار أنها من عائلة سورية محافظة وتقليدية انتسبت العام 1964 إلى معهد الفنون الجميلة في دمشق، ودرست الرسم والنحت ونالت العام 1967 دبلومًا في الرسم. في العام نفسه اختيرت ملكة لجمال دمشق. وغادرت إلى ألمانيا لمتابعة دروسها في الرسم، ولكن وصولها إلى ألمانيا كان متأخًرا عن بدء العام الجامعي في معهد الفنون، ما أجبرها على استبدال الاختصاص ودراسة إدارة الأعمال لتحصل على الإجازة من المعهد العالي للترجمة والأعمال في مدينة ميونيخ العام 1969. ومن ثم دخلت ميدان العمل الإعلامي حيث أعدّت وقدمت برنامجًا شعريًا عبر أثير الإذاعة السورية. هذه التجربة أعقبتها أخرى، إنما بعد سنوات، حيث شاركت في تحرير مجلة "فيروز" الصادرة عن دار الصياد إلى جانب الكاتبة إميلي نصرالله والإعلامية سونيا بيروتي ومجموعة من الأقلام.كانت رومانسية وحالمة وتريد طباعة ديوان شعر في دار "النهار" العريقة يوم تعرفت على الشاعر يوسف الخال الذي كان مديراً للدار. زيارتها لبيروت كانت بهدف إعداد ديوانها ونشره هناك لكنّ لقاءها مع الخال كان قدرها، كما تقول. سألها يوم رآها: لماذا على صبيّة جميلة مثلك أن تكتب الشعر؟ السؤال الذي أشعرها بالإحباط كشاعرة أيقظ مشاعر الأنثى في داخلها. ومن ثمّ يومها قال لها: "تعالي حين ينتصف تمّوز، فقد أعددت لك مكاناً على شاطئ البحر أو فوق إحدى القمم، وإلّا فغيبي إلى الأبد". تضيف في حوار صحافي: "كان أكبر مني بسنوات كثيرة تصل إلى حدود الثلاثين عاماً، كنت أشبهه بوالدي، وتعاملت معه من منطلق نظرة التلميذ في تعامله مع أستاذه". لم يكن يخطر في بالها، أنه قد تأتي لحظة وتتزوج فيها هذا الرجل الشاعر لكنها وجدت معه "نوعاً من الأمان، وبقى يراسلني أكثر من أربعة أشهر. ثم تحوّلت رسائلنا تدريجياً إلى رسائل غرامية، أظنّ أنّه أحبّني كثيراً، كما أنّي بادلته الحبّ"، وتزوجت مها من مؤسِس مجلة "شعر عام 1970، فاكتسبت الجنسية اللبنانية، واثمر الزواج ولدين: يوسف وورد. إلاّ أن الراحلة "لم تتأثر بشعر زوجها" الذي توفي عام 1987 "ولا برؤيته الحداثية وفكره بل بَنَت عالمها الخاص الذي يشبهها تماما"، على ما أوضح الشاعر والناقد عبده وازن لوكالة فرانس برس.
تمحورت أعمال مها الخال الشعرية حول الحب والإنسان والوطن والخوف، صدر لها في الشعر أربع مجموعات: "عشبة الملح" (1989)، و"رحيل العناصر" (1995)، و"الصمت" (2004)، و"علاج الروح" (2011)، كما كتبت سيناريوهات أعمال تلفزيونية منها "الطائر المكسور" (2008)، و"نقطة حُبّ" (2010).
للرسم حصة مع الشعر في حياة مها بيرقدار، هي لا تنتمي إلى مدرسة فنية محددة، تتميّز باللمسة الروحانية، باكورة معارضها، كان في صالة "غاليري1" في زقاق البلاط التي كانت تديره، ويملكه زوجها يوسف الخال. وتتالت بعده المعارض (15) الخاصة في لبنان وسوريا والخليج العربي، إضافة إلى المعارض الجماعية (37).
وكتبت الخال عددا من أغنيات الأطفال.