تستمر مسرحية "ليلى، لطيفة، شيمامندا" للمخرجة لينا أبيض عروضها في بيروت والمناطق، وعرضت أخيرا في الجامعة الأميركية. تتناول المسرحية ملامح من سيرة ثلاث أديبات: اللبنانية ليلى بعلبكي (1936 - 2023)، والمصرية لطيفة الزيّات (1923 - 1996)، والنيجيرية شيمامندا نغوزي أديتشي (1977)، لعبت مشاهدها الثلاثة كلٌّ من الممثّلات: جنى أبي غُصن، وغريتا عون، ولمى الأمين. في إطار مشروع "النساء في القيادة" التابع للأمم المتحدة.
جنى أبي غصن في دور بطلة رواية "أنا أحيا"(1958) لليلى بعلبكيتستحضر لينا أبيض في المشهد الأول بطلة رواية "أنا أحيا" (1958) للكاتبة ليلى بعلبكي، فتعود بنا إلى ستينات القرن الماضي، وعبر مكالمات هاتفية على خلفية أغنيات لمحمد عبد الوهاب، تتحدث فيها شخصية الرواية لينا فياض مع صديقتها، فتخبرها عن قصة حبها المقيّد بالسلطة الذكورية المتمثل بوالدها، وبمديرها في العمل وغيرهما من الرجال الذين أحاطوا حياتها. استعانت المخرجة بالمخابرة الهاتفية كحل إخراجي يحاكي ضمير "أنا" المتكلم في رواية بعلبكي، التي تسرد أجواء بيروت الستينات حيث الشخصيات المتلعثمة أو الواثقة من نفسها، والأسر الغنية بتقاليدها الغربية الوافدة، والمؤسسات التي تفشت في كل شارع، والقيم البرجوازية، ووصايا الأسر الفقيرة التي نسيها الزمان. كل ذلك بسلاسة لغوية مظهرها رومانسي شفاف، وداخلها تمرد وغضب واحتجاج، نجحت الممثلة جنى أبي غصن في نقلها إلينا عن تلك الحقبة وتلك الكاتبة المقلّة في إنتاجها، والتي شكلت رواية "أنا أحيا" لحظة تمرّد على الإرث الروائي التقليدي، وعلى السلطات الذكورية والدينية، والتي بسببها أحيلت كاتبة الرواية إلى المحاكمة القضائية في بيروت. وفي استعادة بعض من ملامح حواريتها في المسرحية لا تزال تفاصيلها تصلح لكل زمان ومكان، رغم مرور أكثر من ستين عاماً على إصدارها.
غريتا عون بطلة نص لطيفة الزيات
احتلت المشهد الثاني شخصية الكاتبة المصرية لطيفة الزيات، على شكل حوارية بينها وبين المخرجة التي تتردّد أسئلتها في خلفية القاعة. النص هنا يتحول إلى عصب مشدود ومواجهة الشخصية مع كل السلطات السياسية والاجتماعية. فتتحدث عن تجربتين في الزواج وتجربتين في الاعتقال السياسي. شخصية الزيات التي لعبتها غريتا عون بذكاء شديد في الأداء المتماسك مع اللغة المؤدلجة وعنف السلطة السياسية ومواقف الزيات من الصراع العربي- الإسرائيلي. شخصية حادّة غير محايدة تقدّمها المخرجة لينا أبيض للجمهور المسرحي، لتقربنا أكثر من الروائية المصرية صاحبة رواية "الباب المفتوح" (1960) التي يعتبرها النقاد علامة فارقة في تاريخ الأدب المصري، وهي رواية تأريخية اجتماعية، نطّلع فيها على أهم الأحداث السياسية التي مرّت بها مصر في منتصف القرن العشرين. كما في حوارية أبيض- الزيات لغة صادمة في سيرتها الذاتية عن تجربة الاعتقال ووقائع السّجن عليها وعلاقة الكاتبة بسجّانها، وكيف استطاعت أن تبدّل المواقع بينها وبين سجانها، فتجعل منه هو المسجون وليست هي، إلا أن ثمة تجربة أخرى أكثر إيلاماً للكاتبة تمثلت في زواجها وطلاقها، وما سببته هذه التجربة من ندوب وجروح كانت أكثر إيلاماً من تجربة السجن ذاتها.
الممثلة لمى الأمين تشارك في المسرحية بنص لكاتبة نيجيرية
تتحول لغة السرد المسرحي في المشهد الثالث، إلى ما يشبه اللعب في الأداء والكلمات مع الروائية النيجيرية شيمامندا نغوزي أديتشي، التي تلعب شخصيتها الممثلة لمى الأمين بلغة جسدية ومواجهة مع الجمهور أو مع صديقة مفترضة بين الجمهور، لتتلو علينا نص "عزيزتي هاجر، أو مانيفستو نسويّ في خمسة عشر مقترحاً". وهو عبارة عن كتيب أصدرته الروائية النيجيرية على شكل مقترحات لتربية جيل جديد من الفتيات المستقلات والقويات. بعد تلقيها رسالة من إحدى صديقات طفولتها، تطلب منها النُّصح في أمر تربيّة طفلتها كي تقودها إلى النّجاح وتنميّة شخصيّتها القياديّة. هذا الكتيّب هو جوابها.
خمسة عشر مقترحًا ظريفًا، مباشرًا وعصريًّا، غايتها الوصول إلى تمكين تلك الابنة كي تنمو قويّة وتغدو امرأة مستقلّة. إنها نقاشات مفتوحة عن الملابس، والماكياج، والنسويّة؛ تفضح خرافة أن المرأة خلقَت بجسد لا يتموضع سوى في المطبخ، وأن الرّجال هم من بيدهم الأمر كي يسمحوا للمرأة بالعمل وتولّي مناصب قياديّة. "عزيزتي هاجَر" ومعها تبرع الممثلة لمى الأمين في أدائها الحركي ولغتها المبسطة والمخففة من الشعاراتية لتتلو على الجمهور في مانيفستو نسوي ينفذ إلى قلب السياسة غير العادلة بين الجنسين في القرن الواحد والعشرين في ختام عرض- التحية لثلاث روائيات متمردات.