2025- 02 - 23   |   بحث في الموقع  
logo بالفيديو.. حشود داخل المدينة الرياضية استعداداً لتشييع نصرالله logo نتنياهو يؤجل الإفراج عن الأسرى... وحماس ترد! logo خطوة "غير متوقعة" في الضفة الغربية... سلاح سيدخل الميدان من جديد! logo تحذير أميركي جديد "شديد اللهجة" لحماس! logo "أنقذونا"... أسيران إسرائيليان يراقبان إطلاق سراح الرهائن (فيديو) logo ماسك يُهدد الموظفين الفيدراليين! logo جيش لبنان أمام اختبار الصمود... وشينكر يشكّك بقدرة الحكومة logo بين السياسة والتشييع... ماذا تحمل زيارة قاليباف إلى بيروت؟
نحو مؤتمر وطني سوري حقيقي: التحديات والمسارات الممكنة
2025-02-23 00:55:47


يمثل تنظيم مؤتمر وطني سوري شامل، الخطوة الأهم في سبيل إعادة بناء البلاد ووضع أسس مستقبلها السياسي والاجتماعي، بعد عقود من سيطرة نظام الأسد والتمزق المجتمعي الذي خلفه. فالواقع السوري المعقد يفرض على جميع الأطراف، بمختلف توجهاتها وانتماءاتها الفكرية والسياسية والقومية، البحث عن صيغة توافقية تتيح للسوريين تقرير مصيرهم بأنفسهم، بعيداً عن الإقصاء أو فرض الإرادات بالقوة. إن أي انتقال سياسي حقيقي لا يمكن أن يستقيم دون إيجاد إطار وطني جامع يعكس تطلعات مختلف شرائح المجتمع السوري، ويضمن تمثيل المحافظات السورية كافة بصورة عادلة، كما يحقق توازنا بين مختلف الأجيال العمرية، بحيث لا يكون قرار المستقبل حكراً على فئة أو نخبة بعينها.
التحدي الأهم أمام أي إدارة انتقالية مستقبلية في سوريا يتمثل في القدرة على تنظيم هذا المؤتمر الوطني بحيث يكون نقطة تحول حقيقية، وليس مجرد لقاء شكلي يفضي إلى إعادة إنتاج الأزمات ذاتها. فالمؤتمر ليس مجرد تجمع سياسي، بل هو عملية إعادة صياغة للعقد الاجتماعي السوري، وإرساء لقواعد السلم الأهلي في بلد بات هشّا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي. لذا، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب سلسلة من الخطوات الضرورية التي لا يمكن تجاوزها، لأنها تشكل الأساس الموضوعي لإنجاح أي حوار وطني جاد.
أولى هذه الخطوات، إصدار قانون للأحزاب السياسية، يكون بمثابة الإطار القانوني الذي يسمح بتنظيم العمل السياسي بشكل سليم، بعيداً عن العشوائية أو الخضوع لاعتبارات المحاصصة والولاءات الضيقة. فمن دون إطار قانوني واضح يشجع على تأسيس الأحزاب، ويمنحها الشرعية والقدرة على التفاعل مع الشارع السوري، سيظل أي نقاش حول الديمقراطية مجرد شعار فارغ لا يجد تطبيقاً على أرض الواقع. لقد أثبتت التجارب السياسية في العديد من الدول التي مرت بتحولات جذرية أن وجود أحزاب قوية وفاعلة هو أحد الشروط الأساسية لأي انتقال ديمقراطي ناجح. ففي ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، تم سن قانون للأحزاب يهدف إلى ضمان تمثيل كافة التيارات الفكرية، مع وضع آليات تمنع عودة الديكتاتورية، وهو الأمر الذي أسس لاحقا لأحد أكثر الأنظمة الديمقراطية استقراراً في أوروبا. لأن "الديمقراطية ليست مجرد عملية تصويت، بل منظومة تفاعلية تضمن حرية تكوين الرأي وتبادل الحجج وتشكيل الإرادة السياسية عبر الحوار العقلاني"، حسب الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس.
إلى جانب قانون الأحزاب، لا بد من إعادة الزخم للعمل النقابي في سوريا، إذ لطالما كانت النقابات المهنية والعمالية ركيزة أساسية في التعبير عن مطالب الفئات الاجتماعية المختلفة، وشكلت في العديد من التجارب العالمية أداة ضغط فعالة لتحقيق التحولات الديمقراطية. وإذا أرادت سوريا بناء مستقبل ديمقراطي حقيقي، فلا بد من منح النقابات الاستقلالية الكاملة، بعيداً عن تدخل الحكومة الانتقالية أو أي سلطة أخرى، بحيث تعبر عن مصالح أعضائها بحرية تامة. كما يجب إجراء انتخابات نقابية حرة، تتيح للعمال والمهنيين اختيار ممثليهم بعيداً عن الإملاءات الفوقية.
كما يعد تنشيط الحراك الطلابي داخل الجامعات السورية خطوة ضرورية لتعزيز المشاركة السياسية لدى الشباب، الذين سيكونون القوة الأساسية في أي عملية تغيير مستقبلية. فالتاريخ أثبت أن الطلبة كانوا دوما في طليعة الحركات الديمقراطية، كما حدث في فرنسا عام 1968، وكوريا الجنوبية عام 1987، حيث قادت الحركات الطلابية احتجاجات واسعة أدت إلى تغييرات سياسية جذرية.
ولا يمكن الحديث عن أي تحول وطني في سوريا دون التطرق إلى أهمية دور الجاليات السورية في الخارج، والتي باتت تمثل جزءاً أساسيا من النسيج الاجتماعي السوري. فوجود ملايين السوريين في الشتات يجعل من الضروري تنظيم هذه الجاليات في إطار مؤسسي قادر على التأثير في المشهد السياسي والاقتصادي داخل سوريا، كما فعلت الجالية الإيرلندية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، عندما لعبت دوراً حاسماً في دعم استقلال أيرلندا عن بريطانيا. يجب أن تكون الجاليات السورية قوة ضغط إيجابية، تدفع نحو دعم المسار الديمقراطي، بدلًا من أن تتحول إلى تجمعات هامشية معزولة عن الواقع السياسي.
إلى جانب ذلك، يبقى للإعلام المستقل دور أساسي في تشكيل وعي سياسي متوازن، وتعزيز اللحمة الوطنية. فالتحولات الديمقراطية الناجحة لم تتحقق في أي بلد إلا بوجود إعلام حر، قادر على كشف الحقائق، ونقل وجهات النظر المختلفة، ومواجهة حملات التضليل.
وفي ظل هذا النشاط السياسي والمجتمعي، يأتي دور اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني، التي يجب أن تضم شخصيات تتمتع بالكفاءة والنزاهة، قادرة على وضع خارطة طريق واضحة لهذا المؤتمر، من خلال دمج هذه المبادرات المختلفة، وضمان تمثيل عادل لكافة الفئات. إن نجاح مثل هذه اللجنة يعتمد على استبعاد أي شكل من أشكال المحاصصة الطائفية أو المناطقية، والتركيز على اختيار ممثلين يمتلكون رؤية سياسية واضحة، وخبرة في إدارة الحوار الوطني. يمكن الاستفادة في هذا الصدد من تجربة الحوار الوطني في جنوب إفريقيا، الذي قاده نيلسون مانديلا بعد سقوط نظام الفصل العنصري، حيث تمكن من جمع أعدائه السياسيين تحت سقف واحد، وخلق بيئة تفاوضية أفضت إلى بناء دولة ديمقراطية قوية.
إن الوصول إلى مؤتمر وطني سوري حقيقي ليس مهمة سهلة، لكنه ليس مستحيلاً. فالتجارب التاريخية أثبتت أن الدول التي خرجت من الحروب والنزاعات لم تستطِع تحقيق استقرارها إلا من خلال حوار وطني شامل، يضع حداً للانقسامات، ويؤسس لعقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة والعدالة. كما قال المفكر الفرنسي ألكسيس دو توكفيل: "المجتمعات الحرة لا تُبنى بالقوانين وحدها، بل بالتفاعل المستمر بين الدولة والمجتمع." إن تحقيق ذلك في سوريا يستلزم إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات عميقة، وأرضية ديمقراطية تتيح للسوريين تقرير مصيرهم بأنفسهم، بعيدا عن الإقصاء أو فرض الأمر الواقع. إن لم تتحقق هذه الشروط، فسيبقى أي مؤتمر وطني مجرد خطوة شكلية لا تساهم إلا في إطالة أمد الأزمة، بدلاً من حلها.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top