بعد سقوط نظام الأسد، بدأت عدة دول عربية بتسيير جسور جوية وبرية تحمل مساعدات إنسانية لدعم الشعب السوري، الذي يعاني من مستويات فقر مرعبة، إلا أن المستحقين لهذه المساعدات لم يتسلموها، بينما تذهب نسبة منها إلى المقاتلين في صفوف وزارة الدفاع السورية وجهاز الأمن العام، في الحكومة السورية الجديدة.
مساعدات بدل الرواتب
وتعتمد الدول الداعمة والمرسلة للمساعدات، بالدرجة الأولى، على الهلال الأحمر السوري، وعلى منظمات محلية مدنية، في تسلّم المساعدات ثم توزيعها إلى المستحقين لها، من العائلات الأشد فقراً. ويُحظر عليهم تقديم أياً منها للمقاتلين أو عناصر الأمن أو حتى الموظفين الحكوميين، بل تُعتبر من الخطوط الحمراء على الأقل نظرياً.
لكن تلك الخطوط الحمراء، تُنتهك من قبل الهلال الأحمر السوري، إذ تصل سلل إغاثية لمقاتلين في وزارة الدفاع السوري الجديدة، وكذلك إلى عناصر الأمن العام، بينما لم تصل تلك السلل إلى مستحقيها، في معظم المحافظات السورية.
ويقول عنصر في جهاز الأمن العام، تطوع حديثاً، إنه حصل خلال نحو شهر من تطوعه في الجهاز، على سلتين غذائيتين، مصدرهما دولتان عربيتان، معتبراً أن السلتين كانتا مقابل خدمته بدون راتب، في إحدى المفارز الأمنية في ريف دمشق.
ويضيف العنصر لـ"المدن"، أن سيارة تابعة للهلال الأحمر السوري، هي من تجلب تلك المساعدات إلى المفرزة الأمنية، وتُفرّغ ضمن مستودع خاص، مشيراً إلى أن جزءاً منها لا يوزع، إنما يكون ضمن وجبات المقاتلين خلال أدائهم مهامهم ضمن المفرزة، مثل الحراسة الليلية وغيرها.
ويشير إلى أن عمليات توزيع السلل الغذائية تخضع في بعض الأحيان إلى المحسوبية والصداقة مع المسؤول الأمني، مؤكداً أن مقاتلي وزارة الدفاع السورية يحصلون على سلل غذائية أيضاً، وليس فقط جهاز الأمن العام.
ويرى العنصر أن حصوله على سلة غذائية لا يعتبر فساداً أو محسوبية، لأنه من العائلات الفقيرة أيضاً، ويضيف "حامل روحي على كفي"، خلال أداء مهمات ملاحقة فلول النظام وعصابات المخدرات، بينما لا يحصل في المقابل أي راتب حكومي.
أمر اعتيادي!
تغيب الشفافية حتى الآن في عمل منظومة الهلال الأحمر، لجهة توزيع المساعدات العربية على مستحقيها، إذ حتى الآن، لم يُرصد إلا من خلال ناشطين إرسال نحو 6 شاحنات إلى السويداء، بينما في قرى محافظات طرطوس جرى التوزيع عشوائياً، ولعدد محدد وقليل من العائلات، بينما تغيب ريف دمشق عن المشهد. والحديث عن محافظات كانت تحت سيطرة نظام الأسد، لأن مناطق سيطرة المعارضة سابقاً، لها تفاصيل منفصلة.
ويعزّي المحتاجون أنفسهم، بالقول إنه هناك عائلات أشد فقراً منهم، وتذهب السلل الاغاثية إليهم، لكن حديثهم تغيّر في حدّته، بعد مشاهدة المواد الإغاثية تباع في المحلات التجارية، وبعضها على البسطات، بينما يشاهدون الطائرات والشاحنات المحمّلة بها، تصل إلى مطار دمشق وعبر الحدود، على المواقع الإخبارية.
ويقول مسؤول في منظمة محلية سورية، رفض الكشف عن هويته، لـ"المدن"، إن الهلال الأحمر السوري لا يتحمل المسؤولية في حصول المقاتلين على سلل غذائية، بل تتحمله الحكومة السورية، لأن ذلك يُعد "أمر اعتيادي"، وكان وما زال يُفرض من قبل أصحاب السيطرة على الأرض، بينها "حكومة الإنقاذ"، على المنظمات، مقابل السماح لها بالعمل وإصدار التراخيص.
ويؤكد المسؤول أن الإدارة الجديدة اجتمعت مع مسؤولي الهلال مع بداية التحرير، وأبلغتهم بطريقة توزيع المساعدات، بما في ذلك حصولها على نسبة منها، تذهب للمقاتلين وموظفيها، مشيراً إلى أن الهلال الأحمر بنهاية المطاف، قراراه ضمن مركزية الحكومة، وعليه التنفيذ، وذلك على الرغم من أن ذلك يخالف شروط الدول المانحة والمرسلة للمساعدات.
ويوضح أنه في السابق، قبل التحرير، كانت حكومة الإنقاذ تعيّن مسؤولاً للتنسيق الأمني مع المنظمات العاملة ضمن مناطقها، وظيفته تنسيق الحصول على نسبة الحكومة من المساعدات بمختلف أنواعها، تذهب إلى مؤسساتها والعاملين فيها، بينها المؤسسة العسكرية.