بعدما تضاءل عددهم في العقود الماضية من بضعة آلاف إلى سبعة أشخاص داخل سوريا، يحاول أفراد من الطائفة اليهودية بناء جسور التواصل مجدداً لإعادة إحياء إرثهم الديني في البلاد العائد الى قرون قبل الميلاد.
وللمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، أدى يهود مقيمون في دمشق مع آخرين جاؤوا من الولايات المتحدة، صلاة جماعية قبل أيام في كنيس الإفرنج في العاصمة، معربين عن "فرحة لا توصف" بلقاء طال انتظاره، بعدما بات سفرهم الى سوريا متاحاً مع انتهاء الحرب التي اندلعت العام 2011، ووصول سلطة جديدة الى دمشق، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".وفي بيته المبني على الطراز الدمشقي القديم في حارة اليهود في دمشق، قال رئيس الطائفة اليهودية في سوريا بخور شمنطوب: "كنا تسعة يهود، توفي منا اثنان في الآونة الأخيرة". وأضاف الخياط الستيني ذو اللهجة الدمشقية الصافية: "أنا أصغرهم، الباقون مسنون في بيوتهم".والتقى فريق من "فرانس برس" شمنطوب الذي يناديه جيرانه وأصدقاؤه باسم عيد، بعد عودته من دفن سيدة يهودية توفيت عن أكثر من تسعين عاماً. وقال "بعد وفاة السيدة فردوس رحمها الله، أصبح عددنا سبعة"، مشيراً بتأثر إلى أن جارة فلسطينية لها اعتنت بها في أيامها الأخيرة.وتتولى مؤسسات دفن الموتى الإسلامية غسل الموتى اليهود، قبل أن يدفنوا في مدافن خاصة بهم. وألقى الصراع العربي الإسرائيلي بظلاله على الطوائف اليهودية في عدد من الدول العربية مثل سوريا ولبنان والعراق ومصر، وكثيراً ما دفعوا ثمن انتمائهم الى اليهودية، خصوصاً في محطات بارزة أبرزها حرب العام 1967.وتمتع اليهود الذين يعود وجودهم في سوريا إلى قرون قبل الميلاد، بحرية ممارسة شعائرهم الدينية خلال حكم عائلة الأسد، وجمعتهم علاقات ودية مع جيرانهم السوريين. لكن نظام الأسد الأب قيّد حركتهم داخل البلد ومنعهم من السفر حتى العام 1992، لينخفض بعدها عددهم من نحو خمسة آلاف إلى بضعة أفراد يتولى شمنطوب رعاية شؤونهم، من دون ان يتعرضوا "لأي مضايقات" خلال حكم بشار الاسد.ومع إطاحة الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، روى شمنطوب أن أحد المسؤولين في الإدارة الجديدة زاره وطمأنه بعدم التعرض للطائفة اليهودية وممتلكاتها. ويأمل شمنطوب أن يتمكن من إقامة جسر تواصل بين من بقي من اليهود في سوريا والآلاف المقيمين في الخارج لإحياء الإرث اليهودي السوري وترميم المعابد والممتلكات المنتشرة في مناطق عديدة في البلاد.وعبر صفحته في "فايسبوك"، ينشر الرجل صوراً ومقاطع فيديو يلتقطها في حارة اليهود وفي المعابد اليهودية في دمشق، إضافة إلى أخبار الطائفة التي تكاد تقتصر على الوفيات. وتلاقي المنشورات تعليقات كثيرة من يهود سوريين مقيمين في الخارج يستذكرون أزقة حارتهم والحارات المجاورة.وعلى باب كنيس الإفرنج في حارة اليهود، أحد المعابد اليهودية التي تربو على العشرين في سوريا، قال الحاخام السوري الأميركي يوسف حمرا (77 عاماً) أن الصلاة التي أقيمت تحصل في المكان للمرة الأولى منذ عقود. وأضاف الحاخام الذي وصل إلى سوريا قبل أيام في أول زيارة منذ ثلاثة عقود: "أنا آخر حاخام خرج من سوريا، عشت في أميركا 34 سنة. نحن نحب هذا البلد، أكلنا وشربنا فيه". وتابع: "يوم تركت سوريا مع عائلتي، شعرت أني شجرة اقتلعت من تربتها".وقال هنري (47 عاماً): "أنا سعيد جداً. هذه أول زيارة لي منذ العام 1992، هذا الكنيس كان بيت اليهود كلهم، كان أول محطة لليهود في الخارج حين يزورون سوريا"، علماً ان زيارات اليهود السوريين انحسرت بشكل كبير مع اندلاع النزاع في العام 2011، وأقفلت كل الكنس أبوابها، فيما تعرض كنيس النبي إيليا في حي جوبر الدمشقي للنهب والدمار بعدما شكل محجاً لليهود من أنحاء العالم. ومن ضمن المقتنيات المسروقة من الكنيس، لفافة توراة يعتقد أنها من الأقدم في العالم.وعبّر بخور شمنطوب عن "شعور لا يوصف" بعد مشاركته "الصلاة في جماعة"، مضيفاً: "أحتاج لوجود يهود معي في الحارة"، آملاً في أن "يعود اليهود إلى حارتهم وشعبهم"، فيما أعرب حمرا عن تردده في العودة قائلاً: "حريتي شيء، وارتباطاتي العائلة شيء آخر" بعدما استقرت أسرته في بلاد المهجر، على غرار كل اليهود السوريين المغتربين، والذين يقول أن عددهم اليوم مع أولادهم وأحفادهم يقدر بنحو مئة ألف.وأوضح حمرا أن "الإغراءات في الدول الغربية تجعل الكثير من اليهود لا يعودون"، كما لا يتوقع بخور أن يتجاوب كثيرون مع دعوته إياهم الى العودة. وأوضح: "ربما يأتون للزيارات والتجارة"، لكن ليس للإقامة الدائمة، فيما يأمل في إنشاء متحف يخلد ذكر اليهود السوريين في بلدهم. وقال: "في حال لم يعودوا ويتزوجوا وينجبوا هنا، سننتهي قريباً".