لا تزال وزيرة التربية ريما كرامي تجري لقاءات وتعقد اجتماعات لوضع خريطة طريق للإصلاح في الوزارة. تريد الخروج برؤية وتصور للمرحلة المقبلة. وشهد الأسبوع الحالي لقاءات منفردة مع كل رؤساء الدوائر والمصالح في الوزارة، ومع رئيس الجامعة اللبنانية، وممثلين عن المنظمات دولية. والأسبوع المقبل ستعقد لقاءات مع روابط المعلمين ومع أساتذة وأهالي الطلاب وطلاب جامعات، انطلاقاً من أن مسيرة الإصلاح في الوزارة ستكون تشاركية لإعادة ثقة المجتمع بالوزارة.أول استحقاق أمامهابحسب مصادر المشاركين كانت كرامي مستمعة وتكتفي بتعليقات بسيطة. بدت للجميع أنها تشكل ملفاً عن الوزارة، رغم أن المشاركين يؤكدون أن التعليقات تنمّ عن أن لديها فكرة واضحة عن أدق التفاصيل.ووفق المصادر تعمل كرامي على اختيار فريق العمل للمرحلة المقبلة. وهي في المسار الجديد بالوزارة لن تضع فيتوات على أحد بشكل مسبق. وكل جهة أو فرد يريد الانخراط في مشروع الإصلاح وتطوير العمل في الوزارة، مرحب به. أما ما يحكى عن الفساد في الوزارة فلا يشغل بالها. فالطريق أمامها واضح: انتهى عهد الفساد، والجميع سينضوي بورشة الإصلاح. والفاسد يحول إلى القضاء المختص.وبما يتعلق بكيفية التعامل مع بعض مسؤولي الوزارة، أول استحقاق "صعب" تواجهه كرامي عودة مدير عام وزارة التربية فادي يرق إلى منصبه بعد ثلاث سنوات على التحاقه بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. فرحيله عن الوزارة كان ملتبساً وعودته كذلك.ظروف وضعه خارج الملاكثمة جدل في الوزارة حول هذه العودة على اعتبار أنه يحق ليرق العودة إلى وضعيته السابقة، كمدير عام للتربية بعد ثلاث سنوات من وضعه خارج الملاك بناء على المرسوم رقم 8790 الصادر بتاريخ 18 شباط العام 2022، الذي نشر في الجريدة الرسمية في العدد رقم 10 بتاريخ 3 آذار. فيرق طلب وضعه خارج الملاك بناء على طلبه، وذلك لمدة سنة واحدة لأجل إلحاقه بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة. وعاد وجدد طلبه لسنتين إضافيتين بمراسيم صدرت عن الحكومة. ما يعني أن عودة الأخير إلى الوزارة من دون مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء غير قانونية.في البناءات التي تبرر صدور المرسوم يتبن أن الإدارة (الوزارة) لم تلحظ وضعه خارج الملاك بناء على المصلحة العامة، بل جاء بناء على طلبه الشخصي. بمعنى الوزير السابق وافق على الأمر لإسداء خدمة شخصية ليرق. غير ذلك تذكر الإدارة في البناءات ضرورة المصلحة العامة التي تقتضي هذا القرار. وهذا الأمر، بحسب مرجع قانوني واسع الاطلاع، أن الإدارة (الوزارة) استبعدت يرق بطريقة لبقة، سواء لشبهة ما أو لعدم إلمام بالإدارة.وبمعزل عن الظروف المجهولة التي استدعت إبعاد المدير العام عن الوزارة، فقد سبق واستدعي يرق إلى النيابة العامة المالية على خلفية اخبار عن حصول جرائم مالية في برنامج الأمم المتحدة لتعليم اللاجئين الذي تديره وحدة PMU في وزارة التربية. وانتهت القضية من دون معرفة أية تفاصيل عنها كما هي الحال في لبنان. يتعلق الأمر بمشروع S2R2 الذي فقد منه ملايين الدولارات من دون وجود تبريرات. وبمعزل عما إذا كان القضاء اللبناني حقق في الأمر أم لا، ما فرضته الدول المناحة على وزارة التربية في تغيير نمط العلاقة، كان كافياً لتثبيت الفساد المالي المستشري في تبديد أموال المشاريع في الوزارة. وكانت نتيجة هذه الفضائح المالية أقدام المانحين الدوليين على تغيير نمط العلاقة مع وزارة التربية في كيفية تمويل المشاريع. فالوزارة لم تلتزم بمعايير الشفافية المالية والحوكمة، ففرضت الدول المانحة انشاء "الصندوق الائتماني للتربية"، في محاولة لتأمين الشفافية المالية في إنفاق الأموال، وتأمين الحوكمة الرشيدة، وضمان جودة التعليم.معضلة بقاء الأشقروتؤكد مصادر "المدن" أن يرق سيعود قريباً إلى عمله وأجرى وساطات لتسهيل العودة من دون أي عرقلة. فكرامي لا تستسيغ عودته، وهي أمام معضلة أنها ملزمة وغير ملزمة بإعادته في الوقت عينه. فصحيح أنه من حق يرق طلب العودة إلى وظيفيته، لكن لا يحق للإدارة (الوزارة) إعادته من دون الحصول على مرسوم من مجلس الوزراء.كرامي أمام استحقاق استمرار المدير العام بالإنابة عماد الأشقر في حال عدم إعادة يرق. وكلا الأمرين سيئين. فمنصب الأشقر بالإنابة قائم على تضارب مصالح على المستوى القانوني لأنه يشغل بالأصالة رئيس مصلحة التعليم الخاص. أي أنه يراقب نفسه بنفسه في إدارة يشكو أهالي الطلاب من عدم تحركها (الأصح تواطؤها) حيال تعسف إدارات المدارس الخاصة بالأقساط وفبركة الميزانيات المدرسية. أما على المستوى الشخصي فيحيط الأشقر نفسه بذباب إلكتروني وأقلام وكتبة للتبجيل به. كما يحيط نفسه بثلة من أصحاب المدارس "الدكاكين"، الذين ينحرون له الخراف ويلصقون له الصور واللافتات وشعارات التبجيل. هذا فضلاً عن المرافقين الشخصيين الذين يعتدون على الموظفين (كما حصل بحادث المتعاقد علي الغول). وهذه كلها تصرفات لأشخاص غير تربويين. بل هي عراضات لقبضايات الأحياء أو الزعماء أو رجال العصابات، البعيدة كل البعد عن التربية. وهذا يتناقض مع خلفيات كرامي التربوية والإدارية حتى.لذا، الأسئلة التي تطرح أمام كرامي، التي لا تزال تعد ملفها عن وزارة التربية: هل تبدأ عهدها بإعادة يرق من دون إجراء تدقيق مالي جنائي لمعرفة أين وكيف صرفت الأموال؟ هل تستأهل إعادة يرق الطلب من الحكومة إصدار مرسوم بذلك؟ صحيح أن المعضلة في الوزارة أنه لا يوجد موظف ماروني من الفئة الثانية لتولي المنصب، لكن في حال كانت كرامي تريد الحفاظ على هذا العرف الطائفي بإمكانها انتقاء شخصية مارونية من أساتذة الجامعة اللبنانية أو إدارة أخرى، وطلب وضعها خارج الملاك وانتدابها إلى وزارة التربية. لكن هذا الخيار بحاجة لقلب الطاولة على يرق والأشقر، لتصيب عصفورين بحجر واحد.