"أمنيتنا أن يكون عهد فؤاد شهاب ثانٍ"، جملة يرددها أبناء عشائر البقاع الشمالي، منذ سماعهم خطاب قسم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في التاسع من شهر كانون الثاني الماضي. سادت في أوساطهم موجة فرح وأملٍ كبيرين، عكستها تصريحات شيوخ العشائر واحتفالاتهم بالرئيس العتيد. رفعوا صوره ويافطات الترحيب والتبريك بانتخابه، مقابل برودٍ ظاهر مقصود من القوى السياسية الفاعلة في المنطقة.من العصر الذهبي إلى التهميش"عهد الرئيس فؤاد شهاب هو العهد الذهبي بالنسبة للعشائر"، كما يقول الحاج أبو علي شمص (85 عاماً) مضيفاً "كنت في مطلع شبابي عند انتخاب اللواء شهاب رئيساً للبنان. وهو بادر بعد فترة قصيرة إلى استقطاب العشائر باتجاه الدولة. أنزل الطُفّار من الجبال بالأحكام المخفّفة لمن يُسلِّم نفسه طوعاً للقوى الأمنية ويترك الإخلال بالأمن، كما عَمِل بكل جهدٍ وشجاعة على تأمين مستلزمات الحياة الكريمة لنا. سعى لإدخال أبناء العشائر في الوظائف الحكومية مدنية وعسكرية، ما شجّعهم على التعليم وتحصيل الشهادات". ويؤكد شمص أن "العهد الشهابي ساعد العشائر على خوض غمار السياسة، فتبوأ صبري بك حمادة رئاسة مجلس النواب عدّة مرّات وأوصلنا نواباَ يمثلونا في المجلس النيابي مثل (فضل الله دندش، علي حمد جعفر، محمد دعّاس زعيتر، يحي شمص وغيرهم).
شمص يتّهِم الأحزاب الشيعيّة باتّباع سياسة تهميش عشائر بعلبك الهرمل في النيابة والوزارة والوظيفة منذ العام 1992 حتى اليوم، خصوصاً ما أسماها "جريمة التّخلُص من نيابة يحي شمص" ويُحمّلها المسؤوليّة المباشرة عن الاشتباكات في منطقة الهرمل بسبب السياسات الخاطئة خلال السنوات الماضية، أمّا جنّة التهريب المالية فهي حكرًا على الأزلام والاتباع فيما مصير الباقين إمّا النزوح إلى المدينة أو الصمت والعضّ على جراح الفقر والعوز.عون والأمل الجديد"أقول لكم إنّ العشائر نعمة، ونحن نرى فيكم المبادئ والمروءة والخير والشجاعة والكرم، وللخارجين عن كنف الدولة اقول: أنتم أولاد الدولة والدولة تريد احتضانكم" بهذه الكلمات استقبل رئيس الجمهورية، يوم أمس الخميس، وفد عشائر البقاع في قصر بعبدا، مؤكداً لهم سهرَه على رعاية منطقتهم " فأنا رئيس جمهورية لبنان كلّه، لن أترككم، وهناك مشاريع عدّة لهذه المنطقة سنعمل على وضعها قيد التنفيذ لاحقًا" وما زاد الطمأنينة والثقّة قوله للوفد " عشتُ معكم وأنا أعلم بمختلف المشاكل التي تعانون منها، وعندما كنت في قيادة الجيش، حاولت ضمن الامكانات المتاحة مساعدتكم، ولم أنس أهل الهرمل والبقاع والمنطقة التي قدمت خيرة شبابها إلى جانب الجيش في أحلك الظروف". ولفت بأن "الدولة وحدها الحل الدائم والجامع، والمناصب تكليف واجباتي كرئيس للجمهورية أن أكون بخدمتكم، وقد جئت لخدمة اللبنانيين جمعياً من دون استثناء، أنتم مؤمنون بالدولة وعلى الدولة أن تؤمن بكم، أعدكم خلال ولايتي أن تذهب الدولة اليكم وليس العكس".قائدنا وبوصلتناالكلام الطيب الذي سمعه وفد العشائر واللبنانيون جميعاً كان له وقعه الخاص في قلوب أبناء بعلبك الهرمل ومسامعهم بحسب الشيخ ياسين علي حمد جعفر لـ "المدن"،"هو قائدنا وبوصلتنا للنجاة، عرفناه في قيادة الجيش نظيف الكف والقلب، وعند وصوله لقصر بعبدا بات سندًا وعضدًا للجميع. جعفر رأى في رئاسة العماد جوزاف عون فرصة للبنان ولأبناء بعلبك الهرمل خاصّةً، فرصة لبناء دولة كاملة المواصفات لكل اللبنانيين، وفرصة عدالة في المحاكم لأبناء منطقتنا الذين لم يرتكبوا جرائم القتل وسفك الدماء، داعيًا إلى استنساخ التجربة الشهابية مجدداً في التعامل مع العشائر كي نختم هذا الجرح النازف ونهائيًا، وأذكر أنّ المرحوم والدي النائب السابق علي حمد جعفر كان يخبرنا عن المستشار العشائري في القصر الجمهوري الضابط بطرس عبد الساتر وكيف كان يعمل على تسهيل الأمور بالمواءمة بين القانون الحازم والأعراف العشائرية.العودة إلى كتابيُعرَّف عهد الرئيس فؤاد شهاب بأنّه عهد "الكتاب والمؤسسات"، خلاله انطلقت مسيرة بناء دولة المؤسسات والتنميّة ومحاربة الفساد. وُضِعَ قانون الانتخاب الأكثر تمثيلًا وعدالةً حتى تاريخه قانون 1960. استُحدثَت عشرات البلديات، وصلت الكهرباء والماء والطرقات والمدارس إلى أغلب المناطق وأكثرها فقراً، اليوم بعد ستة عقودٍ على نهايته، يحلم المواطنون بالعودة بقيادة الرئيس عون إلى عهد الكتاب والدستور مجددًا لبناء دولة فعلية، بعدما بدَّدت سلطات الفساد المتعاقبة خيراتهم وجنى أعمارهم وأوصلتهم إلى قاع جهنم.