يهود سوريا.. محاولة أخيرة لإحياء إرث يوشك على الزوال
2025-02-21 19:25:42
بعدما تقلّص عددهم من بضعة آلاف إلى سبعة أشخاص فقط داخل سوريا، يسعى أفراد من الطائفة اليهودية إلى إعادة بناء جسور التواصل لإحياء إرثهم الديني، الذي يعود تاريخه إلى قرون قبل الميلاد.
للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، اجتمع يهود مقيمون في دمشق مع آخرين قدموا من الولايات المتحدة، لأداء صلاة جماعية قبل أيام في كنيس الإفرنج بالعاصمة السورية. هذا اللقاء الذي طال انتظاره جاء بعد أن أصبح السفر إلى سوريا ممكناً إثر انتهاء الحرب التي اندلعت عام 2011 ووصول سلطة جديدة إلى دمشق.
في بيته ذي الطراز الدمشقي القديم بحارة اليهود، يقول بخور شمنطوب، رئيس الطائفة اليهودية في سوريا، لوكالة "فرانس برس": "كنّا تسعة يهود، لكن توفّي منا اثنان في الآونة الأخيرة"، مضيفًا: "أنا أصغرهم، أما الباقون فهم مسنّون يعيشون في بيوتهم".
التقى فريق "فرانس برس" بشمنطوب، المعروف بين جيرانه وأصدقائه باسم "عيد"، بعد عودته من دفن سيدة يهودية توفيت عن عمر ناهز التسعين عامًا. وقال متأثراً: "بعد وفاة السيّدة فردوس، أصبح عددنا سبعة"، مشيراً إلى أن جارتها الفلسطينية اعتنت بها في أيامها الأخيرة.
وتتولى مؤسسات دفن الموتى الإسلامية غسل الموتى اليهود قبل دفنهم في مقابر خاصة بهم.
عانى اليهود في سوريا، كما في دول عربية أخرى مثل لبنان والعراق ومصر، من تداعيات الصراع العربي-الإسرائيلي، ما دفع الكثيرين منهم إلى مغادرة البلاد، خصوصًا بعد حرب عام 1967.
ورغم أن اليهود في سوريا تمتعوا بحرية ممارسة شعائرهم الدينية خلال حكم عائلة الأسد، إلا أن نظام حافظ الأسد قيّد حركتهم ومنعهم من السفر حتى عام 1992. ومع فتح أبواب الهجرة، انخفض عددهم من نحو خمسة آلاف إلى بضعة أفراد، يتولى شمنطوب رعاية شؤونهم، مؤكداً أنهم لم يتعرضوا لأي مضايقات خلال حكم بشار الأسد.
مع الإطاحة بالأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، كشف شمنطوب أن أحد المسؤولين في الإدارة الجديدة زاره وطمأنه بعدم التعرض للطائفة اليهودية أو ممتلكاتها.
ويأمل شمنطوب في بناء جسر تواصل بين اليهود الذين بقوا في سوريا والآلاف الذين يعيشون في الخارج، بهدف إحياء الإرث اليهودي السوري وإعادة ترميم المعابد والممتلكات المنتشرة في أنحاء البلاد.
على صفحته في "فيسبوك"، ينشر شمنطوب صورًا ومقاطع فيديو لحارة اليهود ومعابد دمشق، إلى جانب أخبار الطائفة، التي تكاد تقتصر على الوفيات. ولاقت منشوراته تفاعلًا كبيرًا من يهود سوريين في الخارج، الذين يستذكرون أزقة حارتهم القديمة.
في كنيس الإفرنج، أحد المعابد اليهودية العشرين المنتشرة في سوريا، أُقيمت صلاة جماعية للمرة الأولى منذ عقود، بمشاركة الحاخام السوري-الأميركي يوسف حمرا (77 عامًا)، الذي عاد إلى سوريا بعد غياب دام 34 عامًا.
وقال: "أنا آخر حاخام خرج من سوريا، وعشت في أميركا 34 سنة. نحن نحب هذا البلد، أكلنا وشربنا فيه"، مضيفًا: "يوم غادرت سوريا شعرت أنني شجرة اقتُلعت من تربتها".
أما هنري، البالغ من العمر 47 عامًا، والذي زار سوريا لأول مرة منذ عام 1992، فقال: "أنا سعيد جدًا... هذا الكنيس كان بيت اليهود كلهم، وكان أول محطة لليهود القادمين من الخارج إلى سوريا".
مع اندلاع النزاع السوري عام 2011، تضاءلت زيارات اليهود السوريين، وأغلقت المعابد أبوابها. وتعرض كنيس النبي إيليا في حي جوبر الدمشقي للنهب والتدمير، بعدما كان محجًا لليهود من أنحاء العالم. ومن بين المقتنيات المسروقة منه، لفافة توراة يُعتقد أنها من الأقدم في العالم.
بعد مشاركته في الصلاة الجماعية، أعرب بخور شمنطوب عن فرحته قائلاً: "أحتاج لوجود يهود معي في الحارة، وأتمنى أن يعود اليهود إلى ديارهم".
أما الحاخام حمرا، فأبدى تردده في العودة الدائمة، قائلاً: "حريتي شيء، وارتباطاتي العائلية شيء آخر"، مشيرًا إلى أن أفراد أسرته استقروا في المهجر، مثل معظم اليهود السوريين، الذين يُقدر عددهم اليوم مع أبنائهم وأحفادهم بنحو 100 ألف شخص.
وأوضح أن "الإغراءات في الدول الغربية تجعل الكثير من اليهود لا يفكرون في العودة"، في حين لا يتوقع شمنطوب تجاوبًا كبيرًا مع دعواته لعودة أبناء الطائفة إلى سوريا.
ويقول: "ربما يأتون للزيارات والتجارة، لكن ليس للإقامة الدائمة"، معربًا عن أمله في إنشاء متحف يخلّد ذكرى اليهود السوريين، مضيفًا: "إذا لم يعودوا ويتزوجوا وينجبوا هنا، سننتهي قريبًا".
وكالات