حرص أركان السّلطة التنفيذية، واحداً تلو الآخر، على تأكيد نواياهم إجراء الإنتخابات البلديّة والإختياريّة في موعدها المرتقب، في النصف الثاني من شهر أيّار المقبل، وبأنّ أيّ تأجيل رابع للمجالس البلديّة والإختيارية، بعد ثلاثة تأجيلات منذ العام 2022، ليس وارداً لديهم، إلّا إذا فرضته ظروف قاهرة.

فرئيس الجمهورية جوزاف عون حرص على إبلاغ من التقاهم عقب انتخابه رئيساً في 9 كانون الثاني الماضي، وسألوه عن مصير الإنتخابات المحلية، نيّته الدفع باتّجاه إجراء هذه الإنتخابات في موعدها؛ والأمر ذاته أكّده رئيس الحكومة نوّاف سلام غداة تكليفه تأليف الحكومة في 8 شباط الجاري، وبأنّ هذا التأكيد سيتضمنه البيان الوزاري الذي تعدّه الحكومة وستتقدم به إلى المجلس النيابي الأسبوع المقبل لتنال الثّقة على أساسه، فضلاً عن أنّ وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار شدّد على “عزم الحكومة إجرائها في مواعيدها وفقاً لأعلى معايير الشّفافية وبكلّ حريّة وديمقراطية”، نافياً كلّ التقارير التي تحدثت عن احتمال إرجائها.

وإذا كانت وزارة الداخلية والبلديّات قد أعلنت مراراً منذ التأجيل الأوّل في العام 2022 وآخرها قبل أيّام، بأنّها أنجزت تحضيراتها لإجراء الإنتخابات، فإنّ ذلك ليس كافياً لكي تصبح الإنتخابات حاصلة حتماً، لأنّ إجراء الإنتخابات المحلية يتطلب شروطاً أخرى ليست من صلب ومهام الوزارة المعنية، إنّما تتجاوزها.

من أبرز هذه الشّروط توافق القوى السّياسية وفرقاء السّلطة على إجراء الإنتخابات البلديّة والإختياريّة بموعدها، وهذا التوافق ينطلق بالدرجة الأولى من مصالحهم، فإذا توافقت مصالحهم مع إجراء هذه الإنتخابات تصبح أمراً واقعاً، أمّا إذا تعارضت مع مصالحهم فإنّ تأجيلها يغدو أمراً واقعاً لا مفرّ منه.

إلى هذا الشّرط الأساس، تفرض شروطاً أخرى حضورها من غير أن يتضح حتى الآن كيفية معالجتها وتجاوزها، برغم وجود خيارات عدّة حيالها، من قانون الإنتخابات وإذا كانت ستجري على أساسه أو تعديله أو إقرار قانون إنتخابات جديد، وتوافر الإمكانات المالية لذلك، وكذلك الأجواء الأمنية التي تتيح إجراء هذه الإنتخابات أو تأجيلها، فضلاً عن مصير الإنتخابات المحلية في البلديات التي تعرّضت لدمار واسع جرّاء العدوان الإسرائيلي عليها في الجنوب والبقاع والضاحية، والنّزوح المستمر لأهلها حتى اليوم، فهل يتم إستثناء هذه البلديات من إستحقاق الإنتخابات المحلية أم تكون عقبة تدفع في اتجاه تأجيلها؟

إلى ذلك، تحضر الإنتخابات البلديّة في بيروت كأحد أسباب التأجيل في ظلّ عدم قدرة أيّ طرف، حتى الآن، على تثبيت مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلسها البلدي المكون من 24 عضواً، إلّا إذا كانت عودة الرئيس سعد الحريري لخوض غمار الإستحقاقات الوطنية كما أعلن في خطاب 14 شباط من شأنها أن تسهم في تأمين خيمة المناصفة كما حصل في انتخابات سابقة، وإبعاد شبح الخلل الكبير المتوقع في التمثيل إذا ما جرت إنتخابات بلدية العاصمة بلا أيّ ضابطٍ أو راعٍ لها.

ما سبق يضع مصير الإنتخابات البلديّة أمام 3 إحتمالات: الأوّل إجراءها في موعدها المقرّر؛ والثاني تأجيل تقني لبضعة أشهر حتى خريف هذا العام؛ أمّا الثالث فهو تأجيل الإنتخابات حتى العام المقبل، أو حتى العام 2026، نظراً لأن موعدها سيتضارب مع موعد الإنتخابات النيابيّة المرتقبة صيف العام المقبل.

موقع سفير الشمال الإلكتروني