أثار نبأ تعليق الإدارة الأميركية الدعم الذي تقدمه لأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، علامات استفهام بشأن معنى القرار الأميركي الصادر في هذا التوقيت، إضافة إلى سياقه وتأثيره على أجهزة الأمن الفلسطينية.
ضبابية.. وتناقض!ولمست "المدن" نوعاً من الضبابية والغموض على ضوء المواقف المتناقضة من قبل المسؤولين الفلسطينيين حيال القرار. إذ أكد مسؤول بالسلطة الفلسطينية أن السُلطة أُبلغت بالقرار الأميركي بشكل مفاجئ أخيراً، موضحاً لـ"المدن" أن واشنطن بررت تجميد الدعم الموجه للأمن الفلسطيني، باعتباره يندرج في سياق قرار أشمل بخصوص تعليق المساعدات الخارجية، ليستنى للرئيس دونالد ترامب مراجعتها.لكن المسؤول الفلسطيني نوه بأن الإدارة الأميركية اتخذت قرارها بتعليق المساعدات الخارجية قبل نحو أسبوعين، واستثنت منه كلاً من إسرائيل ومصر.الأمن سيتأثرواعتبر المصدر المقرب من عباس أن تعليق الدعم المقدم للأمن الفلسطيني سيؤثر على أدائه، وسيصعب أوضاعه، لكنه شدد على أنه لن يؤدي إلى انهيار السلطة. كما عدّ الخطوة الأميركية "ابتزازاً" للسلطة، مؤكداً أنه لم يتم بحث بديل لهذا الدعم الأميركي من جهات أخرى حتى اللحظة.هذا ويتعلق الدعم الأميركي بمصاريف تشغيلية لأجهزة الأمن الفلسطيني وتدريبها ورفع مستوى كفاءتها، وليست عبارة عن رواتب؛ لأن الأخيرة مُدرجة ضمن موازنة الحكومة الفلسطينية.الأمن.."صندوق مظلم"لكن المثير للإستغراب هو ما قاله مصدر أمني فلسطيني لـ"المدن"، حيث أكد أن رئاسة جهاز المخابرات أشارت إلى عدم إبلاغها بتجميد المساعدات الأميركية، وبدت هادئة وواثقة من عدم تأثر الأمن الفلسطيني بكل الأحوال.وأقر المصدر أن موضوع أجهزة الأمن الفلسطيني عبارة عن صندوق "مظلم" فيه تفاصيل غير معلنة، بما يشمل مسألة دعمه، وهو ما دفعه إلى اعتبار أن المسؤول السياسي بالسلطة لا يعلم تفاصيل الدعم الخاص بالأمن؛ ذلك أن هناك أموراً "سرية" وغير مدرجة بموازنة الحكومة الفلسطينية.ماذا يشمل الدعم الأميركي؟وتجدر الإشارة إلى أن أربعة أجهزة أمنية بالسلطة هي المخابرات والاستخبارات والشرطة والأمن الوطني، كلها تحصل على مساعدات مباشرة من الولايات المتحدة، بحسب ما أكدته مصادر بالسلطة الفلسطينية لـ"المدن".وأوضح مصدر أمني فلسطيني لـ"المدن" أن الدعم الأميركي لا يتعلق برواتب منتسبي أجهزة السلطة الأمنية، وإنما بمصاريف تشغيلية ونثريات وتدريبات وتجهيزات، وأمور أخرى "غير معلنة" لاعتبارات أمنية.ولفت المصدر إلى أن رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج يواظب على الذهاب إلى واشنطن بشكل مستمر، لعقد اجتماعات تتخذ طابع السرية، وجلب أموال خاصة بالأمن.موازنة الأمن معلومة.. وسريةبدوره، قال الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم لـ"المدن" إن لا أحد يعلم تفاصيل الدعم الأميركي للأمن الفلسطيني، وهو ما يصعّب إمكانية تقدير الحجم الحقيقي لهذا الدعم. بيدَ أن عبد الكريم رأى أنه في حال توقف الدعم الأميركي، فإنه لن يكون هناك ضرر كبير على جاهزية الأمن الفلسطيني ولا استعداداته، ناهيك أن هناك إمكانية لتعويض الدعم من جهات أخرى.ووفق عبد الكريم، فإن نحو 22 في المئة من موازنة الحكومة الفلسطينية تذهب لصالح أجهزة الأمن، ومعظمها رواتب لمنتسبيها، وقسم للمشتريات والنفقات التشغيلية. وبين عبد الكريم أن هناك مسائل لا تُوضّح بالموازنة، ويتم ذكرها بأرقام عامة، كما أن مسألة التسليح لا تُذكر بتفصيل أرقام الموازنة الرسمية.الأمن هو الحاكم الفعلي للسلطة؟وتؤكد مصادر "المدن" أن جهاز المخابرات هو الحاكم الفعلي بالسلطة، لدرجة أن كثيراً من القرارات التي يتخذها رئيس السلطة محمود عباس، حتى ذات الطابع السياسي، تأتي بتوصيات أمنية من جهاز المخابرات. وحتى عندما قطع ترامب جميع الدعم عن السلطة خلال ولايته السابقة، وحصلت قطيعة سياسية بين قيادة السلطة وواشنطن، فإن رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج احتفظ بقناة تواصل دائمة مع الأجهزة الأميركية المختصة، تحت عنوان "ضرورات التنسيق"، وكان يحصل حينها على أموال لصالح أجهزة الأمن لا تمر مباشرة عبر الموازنة الحكومية بالضرورة.وبحسب المصادر ذاتها، فإن أهمية التواصل الأميركي مع رئيس المخابرات الفلسطينية، ترتبط أيضاً بموضوع التنسيق الأمني الإقليمي والدولي، إذ يعتبر الأمن الفلسطيني أنه يتمتع بمصادر معلومات تمكنه من أداء دور فعال في التعاون الأمني على مستوى دولي.وبالتالي، تطرح المخابرات الفلسطينية قدراتها المعلوماتية كوسيلة لإثبات أهمية السلطة ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل وأيضاً إقليمياً ودولياً.ولعلّ ما يُمكن استذكاره في سياق نشاط للمخابرات الفلسطينية على المستوى الإقليمي، هي عملية تحرير رهينتين سويديين عام 2015، بعد سنتين من احتجازهما في سوريا مما كانت تسمى "جبهة النصرة" حينها، حيث تم الكشف عن المهمة حينها.