2025- 02 - 21   |   بحث في الموقع  
logo تحقيق إسرائيلي: الضيف فكّر بإلغاء هجوم أكتوبر باللحظة الأخيرة logo لتخلّيه عن رهائنها... عائلة بيباس تطالب نتنياهو بالاعتذار logo بينهم رئيس الأركان... قائمةٌ أميركية لإقالة قادة عسكريين logo اليونيفيل في اليرزة... منسى: رفض أي إعتداء على عناصرها! logo في قمة غير عادية... دعوة رسمية عربية لعون! logo الجيش: وقف العمل بتراخيص التصوير بالطائرات المسيّرة في بيروت ومحيطها logo ابتعدت عن الفنادق الكبرى: أين الوفود المشاركة بتشييع نصرالله؟ logo "سوريا2": قناة جديدة للدراما والثقافة الفنون تنطلق في رمضان
"أغنية الغابة" بالعربية...أسحار أوكرانيا وقد مرّت بالجزائر
2025-02-20 13:26:02

تصدر في بيروت الترجمة العربية لمسرحية "أغنية الغابة" (دار المصور العربي، 208ص.)، وذلك لمناسبة الذكرى الـ154 لولادة الشاعرة والكاتبة لاريسا بتريفنا كوساتش كفيتكا (1871-1913)، التي وقعت أعمالها باسمها الأدبي "ليسيا أوكراينكا". وتعتبر "أغنية الغابة" النص الأدبي الأوكراني الأشهر والأكثر انتشاراً حول العالم بعد قصيدة "الميثاق" للشاعر تاراس شيفتشينكو.تتألف "أغنية الغابة" من مقدمة شعرية وثلاثة فصول، وهي عبارة عن قصة حب بين عازف الناي الشاب لوكاش، وابنة الغابة وحوريتها مافكا، وفي الوقت نفسه نموذج عن الدراما الخرافية، التي تولّف بين الأدب المجتمعي والفلكلور بشخصياته العائدة إلى المثولوجيا السلافية. حبكتها مبنية على المواءمة بين عالمي الإنسان والطبيعة بنواحيها الخارقة للعادة. والعنصر المأسوي متأصل فيها، أو كما عبرت كاتبتها "إنها دراما خرافية، مع ربط الخرافة باشتقاقها من مفاهيم القدر والنار، والماورائيات". حظيت المسرحية بشهرة واسعة فور صدورها، واعتبرت عملاً شعبياً يعبر عن الشعب الأوكراني.كتبت ليسيا أوكراينكا مسوّدة "أغنية الغابة" صيف 1911 ثم استمرت في مراجعة المسوّدة وتحريرها حتى تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه. وكان دافعها من الكتابة شخصياً، كما تقول في رسالة إلى والدتها أولينا بتشيلكا، بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 1911: "يبدو لي أنني تذكرت غاباتنا وأشتاق إليها. لقد عاشت مافكا في ذهني لمدة طويلة، منذ أن أخبرتني شيئاً عن مافكا في زابوكريتش، كيف مشينا عبر الغابة ذات الأشجار الصغيرة والوفيرة جداً. ثم في كولودياجني، في ليلة مقمرة ركضت وحدي إلى الغابة (من دون علمك) وانتظرت ظهور مافكا. ظهرت لي في المنام في نيتشيمي، حين قضينا الليل هناك - هل تذكرين - مع العم ليف سكولينسكي. بدا أنه كان يجب أن أكتب عن ذلك آنذاك، ولكن الآن لسبب ما، جاء الوقت المناسب - أنا نفسي لا أفهم السبب. لقد أذهلني ذلك دائماً".
يعيدنا صدور ترجمة عربية جديدة لأحد أعمال ليسيا أوكراينكا إلى مسألة شغلت حيزاً من النقاش الأدبي خلال الأعوام السابقة، وهي عن أول من ترجم نصوص الكاتبة إلى العربية، وذلك لمكانتها كشاعرة وقاصة وناقدة ومترجمة وباحثة في التراث الشعبي وناشطة اجتماعية وحاملة راية حقوق المرأة في بلادها. وقد غدت رمزاً لأصالة أوكرانيا واستقلالها، وأحد الأعمدة الثلاثة التي قام عليها الأدب الأوكراني الحديث، إلى جانب إيفان فرانكو وشيفتشينكو."فسيسفيت" 1987سبقت صدور ترجمتي العربية لأعمال ليسيا أوكراينكا النثرية في مجلدين سنة 2021 (قصص قصيرة في 192 ص. وقصص في 244 ص.)، جولة اتصالات واسعة استمرت نحو سنة للوقوف على الدراسات المتعلقة بنصوصها. أنذاك، دعتني الباحثة الأولى في معهد أغاتانغل كريمسكي للدراسات الشرقية أولينا أوهنيفا، للمشاركة في المؤتمر العلمي لعموم أوكرانيا، الذي عقد في متحف كولودياجني الأدبي التذكاري، تحت عنوان "ليسيا أوكراينكا وعائلة كوساتش في تاريخ الثقافتين الأوكرانية والعالمية". شاركت في المؤتمر إلى جانب نخبة من الأدباء والباحثين ومؤرخي الآداب ومؤرخي الأقاليم الأوكرانية والمتخصصين في أعمال هذه الأديبة. آنذاك كان الجزء الأول من أعمال الكاتبة النثرية قد صدر متضمناً أقاصيص ليسيا وقصصها القصيرة بالإضافة إلى قصة "إقبال هانم" التي تدور أحداثها في مدينة حلون المصرية. كنت قد أرسلت مشاركتي وهي بعنوان "ليسيا أوكراينكا تتحدث العربية" وأدرجت فيها أن أول من ترجم أعمال الكاتبة إلى اللغة العربية قد تكون الزميلة أولينا خوميتسكا في كتابها "ليسيا أوكراينكا – مختارات من أشعارها ورسائلها" (الاسكندرية، 2017)، حيث ورد في المقدمة "ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تترجم فيها ليسيا أوكراينكا إلى اللغة العربية"، مع إضافة في الهامش: "الثابت حتى الآن أنها لم تترجم إلى العربية، وربما يكشف المستقبل عن شيء آخر".لفتت أوهيفا نظري إلى أن "أغنية الغابة" تُرجمت إلى العربية في الثمانينيات. فعكفتُ، من باب رد الحق إلى أصحابه، على دراسة كتابها "مسارات ليسيا أوكراينكا الشرقية" (كييف، 2008) وبعض مقالاتها، بالإضافة إلى تغطية صحافية بعنوان "أغنية الغابة على خشبة المسرح الجزائري"، بقلم ناتاليا موسينكو وألكسندر سكريتاروف، أرسلاها من الجزائر، ونشرتها مجلة "فسيسفيت" (الكون)، في تشرين الأول/أكتوبر 1987.تفيدنا التغطية أن كاتبيها قد شاهدا مسرحية "أغنية الغابة" للمخرجة الجزائرية الشابة حميدة آيت الحاج، واطلعا بشكل كاف على ما كتب عنها في الصحافة المحلية، وكتبا التغطية بشغف منبهرين بنقل المسرحية إلى خشبة المسرح باللهجة الجزائرية الدارجة، حيث طوّع النصّ ليتلاءم والذائقة الشعبية في الجزائر.وبالعودة إلى أرشيف المسرح الوطني الجزائري، نجد المسرحية مدرجة في سنة 1987، مع ملخص مفاده: "المسرحية عبارة عن أسطورة خيالية، تحكي قصة فنان شاب يلتقي بفتاة في غابة مسحورة فيتزوجها. لكن هذا الزواج سرعان ما يبطل بسبب استحالة التعايش بين البشر والأشباح". وقد جسد المسرحية الممثلون: دليلة حليلو، عز الدين مجوبي، فريدة عمروش، نور الدين بران، فتيحة بربار، دوجة، سيساني، أبو جمال، أمينة مجوبي، سليمان العايب، صليحة كرباش، الزهرة بن رباعي، فاطمة الزهراء بوسبوعة، لخضر لعلام، عمار عمراني، امحمد توفيق مونة، عبد الستار برجي.مع حميدة آيت الحاجاليوم، بعد نحو 38 عاماً على هذا الحدث المهم، بقيت جملة من الأسئلة عالقة، وكان لا بد من البحث عن المخرجة القديرة حميدة آيت الحاج، خريجة معهد كييف العالي للمسرح والسينما، حيث شكلت مسرحية "أغنية الغابة" مشروع تخرجها، الذي نالت عليه درجة الامتياز.بعد تقديمها "أغنية الغابة" على خشبة المسرح الجزائري سنة 1987، قطعت حميدة مسيرة طويلة وغنية متأثرة بالأدب السلافي ومدرسة كييف. قدمت نص "الرغبة" لتنيسي وليامز في بحث مشكلة موقف الرجل العربي المتشدّد ضد المرأة، و"يوميات مجنون" عن غوغول، وغداة هجرتها إلى فرنسا بفعل ظروف الإرهاب، واصلت مسيرتها بتقديم سلسلة عروض تناولت عمق الثقافة الجزائرية الغنية بأبعادها العربية والإسلامية والأمازيغية. أبدعت حميدة في إخراج المسرحيات وكان لها حضور تلفزيوني وسينمائي، بالإضافة إلى نيلها عدداً كبيراً من الجوائز المسرحية. عن "أغنية الغابة"، تقول حميدة: "ترجمتُ المسرحية عام 1986 مع الأستاذ الدكتور أحمد بوخلاط، لأنها مسرحية عالمية ولأن ميثولوجيا المسرحية قريبة جداً من ثقافة البحر الأبيض المتوسط وخاصة ميثولوجيا شمال إفريقيا، حيث الأرواح الموجودة في مسرحية أغنية الغابة موجودة في ثقافتنا أيضاً لكن بأسماء أخرى. ونستطيع القول إن لدينا ثقافة مشتركة، على سبيل المثال شخصية هجّار القايلا (شبح القيلولة) شخصية أسطورية لتخويف الأطفال لدينا، ويُقال إن هذا المخلوق المخيف يخرج أوقات الظهيرة، بين الساعة الواحدة والثالثة زوالا، ويخطف كل الأطفال الذين يخرجون في ذلك الوقت... كما أن شخصية عسّاس الدار، أي حارس البيت موجودة في الثقافة الجزائرية، ونجده عند ليسيا اوكراينكا في شخصية العم ليف. كما نجد أيضاً شخصية عسّاس القبور، أي حارس القبور، وتتمثل وظيفته في حماية الأرواح التي تحوم في الجو وحراستها...". وكانت المسرحية قد حصلت على "جائزة أفضل إخراج في أوكرانيا، وهذا على هامش مسابقة المخرجين الشباب. وقد اختير العرض الجزائري لمهرجان قرطاج في تونس والمهرجان التجريبي في القاهرة، ولم يسعفنا الحظ في الذهاب لأن الوزارة رفضت أنذاك مشاركتنا".كانت تغطية ناتاليا موسينكو وألكسندر سكريتاروف لمجلة "فسيسفيت" قد ذكرت أن النص الجزائري في طريقه إلى الطباعة، لكن لم يبصر هذا العمل النور. تقول حميدة: "للأسف، لم يُطبع هذا النص الذي تُرجم من الأوكرانية إلى اللهجة الجزائرية، لأن القائمين على الثقافة في الجزائر لا يعطون أهمية للنصوص المترجمة". ورجحت أن يكون أحمد بوخلاط، الذي لا يعرف الأوكرانية وحرر ترجمة حميدة، قد احتفظ بنسخة من النص.لمسرحية "أغنية الغابة" مكانة خاصة عند المخرجة آيت الحاج، فقد كانت "هذه أول مسرحية لي في عالم الإحتراف، وفي العام 1987 عُرضت في المسرح الوطني الجزائري. تفاعل الجمهور مع هذا العمل بشكل جميل جداً حيث دامت مدة تصفيهم ربع ساعة أو أكثر بعد نهاية العرض، وأيضا النقاد من جهتهم أثنوا على العمل. وتفاعل الجمهور عائد إلى الترجمة التي كانت محلية محكية باللهجة الجزائرية ذات طابع تراثي جزائري، حيث إن هذا العمل لم يكن ترجمة فقط وإنما كان اقتباساً بملامح جزائرية".وعن تأثرها بالأدب الأوكراني تضيف حميدة: "إلى جانب ليسيا أوكراينكا تأثرت أيضاً بنيقولاي غوغول ذي الأصل الأوكراني، وعملت على العديد من نصوصه من بينها نص "المفتش"، وكان ذلك في إطار استيديو المسرح، قبل التخرج. وقدمت أيضا نص "يوميات مجنون"، كما تأثرت بلينا فاسيلفنا كوستانكو، وآخرين... تأثرت أيضاً بالسينما الأوكرانية، وخاصة أعمال المخرج ألكسندر دوفجيبكو وأوليغ سينتسوف. ولا أخفي أنني تأثرت بكل الفنون الأوكرانية، وليس الأدب والسينما فقط، وذلك راجع لعيشي هناك ما يقرب من خمس سنوات، حيث كانت علاقتي بالمجتمع الأوكراني قوية وحميمية جداً، لدرجة أنني تبينت مشاكلهم وهمومهم كأنها تخصني". وترى أن "الرجوع إلى الميثولوجيا من ناحية ليسيا أوكراينكا، بمثابة الرجوع إلى الديانات التي مرت على أوكرانيا حيث شعرت أن الروح الأوكرانية كانت بحاجة إلى فلسفة روحية، لأن أوكرانيا كانت تحت ضعط الفكر الماركسي. ذلك مع العلم انني أتبنى هذا الفكر الماركسي اللينيني الذي يدعو إلى فصل الإنسان عن الدين، وبالتالي فصل الدين عن الدولة. ولأن الإيمان حرية فردية تخص الإنسان وحده وليس من حق الدولة أن تفرض عليه أي دين أو عقيدة. وعندما نأتي إلى الميثولوجيا الأوكرانية، نحّيت هذه الميثولوجيا، مما أدى إلى إندثارها من الثقافة الأوكرانية ولم تعد هذه الميثولوجيا إلا مع ليسيا أوكراينكا من خلال الشعر والدراما الشعرية التي كانت تكتبها".ظلت كييف في ذهن حميدة آيت الحاج حتى عادت إليها من جديد عام 2018، حيث الأماكن التي "درستُ وعملت فيها، وزرت أيضا البروفيسور روستيسلاف غريغوريفيتش كولميتي، الذي درّسني. الحمدلله أنني وجدته على قيد الحياة، وكنت سعيدة جداً لرؤيته بعد كل هذه السنوات وكان سعيداً هو أيضاً لرؤيتي وفخوراً بي. سأبقى دائما مدينة لهذا البلد ولأستاذتي ولزملائي هناك، ولا يمكنني أن أنكر فضلهم علي، فهؤلاء الأشخاص وهذا البلد أعطوني من الإهتمام و الحب والمعرفة ما لم تعطني إياه بلادي. واعتبر هذا البلد وطناً لي إلى جانب وطني الأم الجزائر، وأيضا فرنسا اعتبرها وطناً لي لأنها اعطتني الكثير الكثير من المعرفة".في محصلة البحث عن "أول من ترجم أعمال ليسيا أوكراينكا إلى العربية"، يُسجل لحميدة آيت الحاج أنها ترجمت "أغنية الغابة" إلى اللهجة الجزائرية الدارجة وقد طالت النص تعديلات تقرّبه من المشاهد الجزائري وتطوّعه ثقافياً ليتلاءم مع ذائقته. كما يسجل لها أنها نقلت نصاً أدبياً من الأوكرانية إلى إحدى اللهجات العربية، من دون المرور بلغة وسيطة. وعلى حدّ علمنا، ذلك لم يحدث منذ ترجم الأديب ميخائيل نعيمة قصيدة "الميثاق" (أو "العهد") لكبير شعراء الأوكران تاراس شيڤتشينكو وبعض أشعاره الأخرى، لمناسبة الذكرى الخمسين بعد المئة على ولادته، ونشر في مجلة "الطريق" البيروتية، سنة 1964. في المقابل، تصحُّ عبارة الزميلة أولينا خوميتسكا عن أعمال ليسيا أوكراينكا "الثابت حتى الآن أنها لم تترجم إلى العربية"، فالمقصود اللغة العربية الفصحى وليس إحدى لهجاتها الدارجة، ونحن نقول أيضاً معها: "وربما يكشف المستقبل عن شيء آخر".على هامش المقابلة مع حميدة آيت الحاج، أخبرتني أن "أغنية الغابة" عرضت باللهجة الجزائرية في كييف، وسجل التلفزيون الرسمي الأوكراني هذا العرض وبثّه. وقد تواصلتُ مع البروفيسور كولميتي لمتابعة الموضوع، لعله يمكن الحصول على نسخة من التسجيل. لكن ظروف الحجر الصحي والعمل من بعد في مدة جائحة كوفيد 19، حالت دون ذلك، ثم دارت رحى الحرب على الأراضي الأوكرانية منذ شباط/ فبراير 2022 فتوقفت عجلة البحث. لعل الآتي من الأيام يأتي بالسلام والأمن، ونتمكن من أن نشاهد تسجيل عرض حفل تخرج حميدة آيت الحاج، الذي يعود إلى العام 1986.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top