لاقت خطوة إحالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لرئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، إلى التقاعد، غضباً وانتقاداً من أطراف فلسطينية متعددة، بالنظر إلى سياق القرار ومضمونه وتوقيته، عدا عن أنه يمسّ شخصية تحظى باحترام وتقدير كبيرين لدى الفلسطينيين والفصائل المختلفة.
وقضى قرار السلطة إحالة قدروة إلى التقاعد، وتعيين رائد أبو الحمص خلفاً له، وجاء القرار بحق قدورة بعد أيام من إبدائه معارضته العلنية لمرسوم رئاسي يتعلق بمخصصات عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين، متهماً شخصيات لم يسمّها بأنها وراء المرسوم الذي سيحول الأسرى إلى حالات اجتماعية بدلاً من الإبقاء على مكانتهم الاجتماعية.
فارس سيوضح موقفه الخميس
وحاولت "المدن" الحصول على تعليق من قدورة فارس على القرار الصادر بحقه، لكنه اعتذر؛ لأنه قرر التعليق بشكل كامل ومفصل على القرار من خلال مؤتمر صحافي في رام الله يوم الخميس المقبل. وأكد قدورة لـ"المدن"، أنه لا يريد أن يتحدث عن موقفه بـ"التجزئة" ومن خلال تصريحات إعلامية فقط، وإنما بـ"بوضوح كامل ومفصل" عبر المؤتمر المرتقب.
الاستقطاب الأخطر
والحال أن قرار السلطة بحق قدورة جاء في وقت تتخذ الحالة الفلسطينية شكلاً من الاستقطاب الداخلي الحاد، وعلى نحو أشد خطورة على مدار تاريخ القضية الفلسطينية، بينما أكدت مصادر سياسية مقيمة في رام الله لـ"المدن"، أن التضييقات على الرأي في مناطق الضفة الغربية اتخذت وتيرة مشددة، وسط تصاعد حدة التخوين وخطاب الكراهية من قبل المحسوبين على السلطة وأيضاً من قبل معارضيها والغاضبين منها.
ودلّ قرار إحالة قدورة فارس إلى التقاعد، على أن الاستقطاب قد انتقل إلى أروقة السلطة وحركة "فتح"، وكأن هناك حالة من "كسر العظم" لحسم موقف المقرّرين في السلطة، بوصفه "واحداً ووحيداً".
قيادات وراء القرار!
وقال عضو المجلس الوطني الفلسطيني سمير عويس لـ"المدن"، إن ما لديه من معلومات تؤكد أن إحالة فارس إلى التقاعد، جاءت كجزء من خلافات داخلية في أروقة السلطة و"فتح"، وهو ما أدى إلى هذا الإجراء.
وكشف عويس أن هناك قيادات بالسلطة الفلسطينية لم يعجبها علاقة فارس مع جهات تعدها "غير مرضي عنها"، وهو ما يعني أن هذه العلاقة بمثابة دافع آخر لإزاحته من منصبه، عبر إحالته إلى التقاعد، بالرغم من أن ملف الأسرى الذي يمسكه فارس يدفعه إلى التواصل مع مختلف الجهات ذات العلاقة.
وأضاف عويس أنه يعرف قدورة منذ فترة طويلة، واصفاً إياه بـ"رجل محترم وله محبون كثر بالضفة"، ودائما ما كان يتميز برأيه الخاص بملف الأسرى، وهو ما جعل القيادات الممسكة بزمام السلطة لمحاولة إزاحته عن الطريق.
تعقد المشهد الفلسطيني
وعبّر عويس عن أسفه من أن السلطة بدلاً من أن يكون "همها الرئيس كيفية التعامل مع الهجمة الإسرائيلية على القضية، فإنها تجعل قضيتها الرئيسية الصراع الداخلي، ولو في الظل". وأشار إلى أن أول درس كانت حركة "فتح" تؤكد عليه منذ نشوئها، هو كيفية البحث عن نقاط الاقتراب في ظل الظروف العصيبة، معتبراً أن "فتح انحرفت عن أهدافها وتغيرت في ظل بروز قيادات تفكر بمنظار الحفاظ على شرعيتها ومصالحها وأن يمر كل شيء من خلالها".
وحذر عضو المجلس الوطني الفلسطيني سمير عويس من أن هذه الخطوة بحق فارس، إلى جانب إجراءات أخرى من قبل السلطة، تزيد المشهد الفلسطيني تعقيداً.
قدورة كان "يعلم"!
في المقابل، برر مسؤول بالسلطة الفلسطينية إحالة قدورة إلى التقاعد، بحجة أنه عبّر عن رفضه للمرسوم الرئاسي الذي حول مخصصات عائلات الأسرى والشهداء إلى مؤسسة "تمكين"، تحت بند الشؤون الاجتماعية، وكأنه "تفاجأ".
وادعى المسؤول المقرب من عباس بأن قدورة فارس كان في السنتين الأخيرتين، جزءاً من عملية مسح الظروف الاجتماعية والاقتصادية لتحديث بيانات الأسرى وعائلاتهم، وكان أيضاً مطلعاً على النقاشات التي جرت للتحايل على الضغوطات الأميركية والإسرائيلية. كما زعم هذا المسؤول أن قدورة هو من عيّن رائد أبو الحمص ممثلاً في مؤسسة "تمكين".
لكن مقربين من فارس أوضحوا لـ"المدن"، أن الأخير كان مشاركاً بحكم تسلمه ملف الأسرى، بيد أنه كان يضغط باتجاه آلية أخرى للخروج من أزمة الضغوطات الأميركية، ودون انتقاص من مكانة الأسرى والشهداء، وليس على طريقة المرسوم الرئاسي الذي صدر أخيراً. كما أنه عبر عن رفضه قبل ثلاث سنوات لفكرة تحويل الأسرى إلى بند "شؤون اجتماعية".
وبشأن الموضوع الذي فجر الجدل، ألا وهو المرسوم الرئاسي الخاص بمخصصات الأسرى، كشف مصدر بالسلطة الفلسطينية لـ"المدن"، أن أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، أبلغ مسؤولين أميركيين وإسرائيليين خلال اجتماع على مستوى رفيع مؤخراً، بأنه لا يمكن وقف رواتب الأسرى، وإلا فإن هذا يعني أنه سيترك هذه الفئة الفلسطينية الكبيرة "مصيدة لأعداء السلطة وخصومها".
وجاء رد الشيخ في ظل احتجاج إسرائيلي على مواصلة السلطة دفع رواتب للأسرى وعائلات الشهداء، تحت مُسمّى جديد.
واعتبر المصدر أن السلطة صرفت رواتب الأسرى قبل 5 أيام ولم ينقطع راتب أحد، بدعوى أن ما جرى "فقط" هو تحويل مخصصاتهم لمؤسسة "تمكين" تحت بند "حالة اجتماعية"، وذلك للتملص من ضغوطات متفاقمة على السلطة واقتطاعات إسرائيلية كبيرة من أموال "المقاصة" الفلسطينية على مدار سنوات، لاتهام السلطة بـ"مكافأة الإرهابيين"، على حد التعبير الإسرائيلي والأميركي.
بيدَ أنّ المصدر أقر في حديثه لـ"المدن"، أن دافع السلطة من قرارها بخصوص رواتب الأسرى هو "خوفها الوجودي"؛ لشعورها بأنها في مرحلة "خطرة".