2025- 02 - 20   |   بحث في الموقع  
logo مخالفًا للتقاليد... إليكم المكان الذي اختاره البابا ليُدفن فيه! logo بسبب قنبلة... إخلاء مركز ثقافي في واشنطن! logo رد من "مجلس البطاركة" على شائعات مقاطعة تشييع نصرالله logo عن الانتخابات البلدية في الجنوب.. نائب القوات يكشف مصيرها logo تُنشر للمرة الأولى.. صورة للشهيد نصر الله في إيران logo نتنياهو يكشف عدد الأسرى المتبقين لدى "حماس" logo رحلات حجّ يهودية إلى جنوب لبنان قريبًا: خفايا العملية السرّية في مقبرة الحاخام الكبير والهيكل المزعوم! logo في إيران... صورة نادرة تجمع بين نصرالله وسليماني
مساجد الشام وجوامعها: ركوع لله وركوع للسلطة
2025-02-18 19:55:48

كل الذين أُحبهم... نهبوا رقادي واستراحوا...الشام هي جوامعها، هي مساجدها لانهائية العدد. لطالما زُيّنت وتزيّنت حاضرة الأديان بتلك الجواهر العمرانية. فمنذ أول الوقت وهي تنذر نفسها للأديان، وتنذر نفسها سياسياً وعلنياً للإسلام، بحيث حمل أثيرها الصلوات خمس مرات يومياً، إضافة إلى "بِدَع" متعبّديها. لكننا سنترك التاريخ ليرتاح من تدقيقنا لوهلة، عله يتركنا بدوره لنغرق في الآن، واضعين أجسادنا وأرواحنا بين يدي الزمن في آنيته.مساجد الشام وجوامعها، أرقام وفجيعة...مساجد دمشق كثيرة، وبإحصائية معتدلة الدقة يقترب عددها من 2800 مسجد، تتفاوت وتتراوح بين عمارة عتيقة وأخرى حديثة، وما بينهما تستكين عمارة لا صوت لها سوى الجمال. مورس عليها الترميم والتعديل، للحكاية وللحجر، كأيقونتها الأشد حضوراً: الجامع الأموي. وإن أغوتنا الأنثروبولوجيا، سندرك من دون جهد أن تلك الأيقونة العمرانية، أي "المسجد" الدمشقي، مثّلت للباحثين ميزان حرارة غاية في الدقة، كميزان ذهب، عكس توازناً لم يكن تحقيقه هيناً أبداً، توازن رقصات بخطوتين إلى الأمام وواحدة إلى الخلف، بين رجال السلطة ورجال الدين. فعُمِّرت المساجد عبر تلمّس تلك الحساسية بين نقيضين بديا كذلك، لكن، ومثل كل السلطات القائمة على توازنات فساد وتبادل مصالح، لعَين مراقب مدرّب ومنتبه إمكانية قراءة ذبذبات تلك الرقصة وتتبع تاريخها بين التراجع والإقدام، والتراخي والتوتر، عبر حامل عمراني لم يكن له من اسم أحلى من المسجد الدمشقي.ما بين المسجد والجامع، بين الركوع لله والركوع للسلطة...لم تُقَم في مساجد الشام غير الصلوات، أما في جوامعها، فقد طُبخت السياسة، وجُنِّد الشبان والشابات، ومُسح ومسُخ عقلهم، وزُرعت الطائفية في حدقات عيونهم، وغُرست في وعيهم مطعّمة ببهارات بشرية مباركة. ففي تاريخ دمشق الحديث نسبياً، ومع قدوم البعثيين، وقبل تسلمهم النهائي والتام و"الأبدي" للسلطة في سوريا، لم يكتفِ حزب البعث "العلماني" بتجاهل تاريخ دمشق الديني بمكوناته كلها، وثنيته العتيقة، يهوديته، مسيحيته، وإسلامه، بل لم تشهد دمشق بناءً مضطرداً لجوامعها. تُركت تلك المهمة حتى مجيء الانقلاب "التصحيحي" وتكريسه للفَجَع الطائفي، حيث، منذ يومه الأول، ومنذ البداية، وعى ذلك النظام بشيء من الحذاقة "الممجوجة" معنى ورمزية وقيمة تلك المفردة في وجدان الدمشقيين، أهل الشام. فلم يتغاضَ عنها فحسب، بل يسّر، وبسّط، وأتاح بناء المساجد في دمشق، كلعبة مقايضة بغيضة، وترضية رخيصة عما فعله وظل يفعله من خزي في مدن حماة وحلب. فتكرِّست تلك المفردة العمرانية من جديد كإرث للهمجية السياسية التي حكمت سوريا والشام.الشام وإخوانها المسلمون: رجال أعمالها وتجار الوطنية والسلاح...منذ التسعينيات وصعوداً، عُقدت التسويات مع جماعة الإخوان المسلمين، وأُطفئت النيران بالدماء، ثم بدأ التغاضي عن دخول المال "الإخواني" أحياناً والمافيوزي بأشكال عديدة. أحد تلك التجليات أن سُمح لأفراد بأسماء مريبة، ليس فقط بتملك وإنشاء المشاريع الاقتصادية بشراكة معلنة أو مضمرة مع رجالات الدولة السورية مدنييها وعسكرييها، بل أيضاً منحوا فرصة تنقية وحول أسمائهم وزرعها في وجدان الدمشقيين، بإضافتها "كالعادة" إلى أماكن عبادتهم الأكثر فرادة وأيقونية. فأصبح من الطبيعي، بل المعتاد، أن يبني هؤلاء المساجد ويربطوها بأسمائهم. وهكذا، بتلك المهارات غير المعلنة، وبتواطؤ شيطاني بين العنف السياسي والديني، ستُرفع المآذن في سموات الشام، حتى تأتي المسألة السورية وتحتل بوطأتها الأرواح والأماكن، وتعيد تعريف العمارة الدمشقية ككل.دمشق ومآذنها المجدولة بالإنشاد والعنف...في 2011، أتى السوريون بأطيافهم ودياناتهم المختلفة إلى انتفاضتهم، ثورتهم، ببراءة واعتيادية، وعانقوا كرامتهم جيئةً من المساجد ورواحاً إليها. إذ لم يكن لوجود المسجد حينها ذاك الوقع المهيب أو المربك، أو الكابح لفعل العيش في حياتيته. ففي تاريخ الدمشقيين، في نهاراتهم ولياليهم، في تسكعهم في الأزقة، شرب السوريون في تاريخهم الأكثر حداثة بيرَتهم وكحولهم في أماكن تطل على حوائط الجوامع. حدث هذا في ساحة باب توما، وفي مقاهي باب شرقي. حدث أن اختلط صوت الأذان مع وقع الحياة، مع آثامها حتى، كما فعلت وتفعل الصلوات، وكما يفعل الضالون ومعتنقو الأخلاق، مشتبكين في حياة واحدة. نعم، حصل أن خرجت الثورة من الجوامع، خرج الجميع من أمام ومن داخل الجامع لأن هذا ما استطاعوا فعله، كونه الفعل الأكثر اعتيادية والأقل إثارة للانتباه. لكن حتى الحجارة والعمارة ستدفع ثمن تلك الانتفاضة.سيأتي زمن يُرتكب فيه ما لم يكن مُتخيلاً. ستهدم مساجد سوريا، تلك التي سمح النظام بإنشائها لأسباب مغشوشة، فَيُحرق البلد بأكمله، ولا يُبقى إلا على مساجد دمشق، كحالة رمزية للسيطرة على العاصمة، على الشام. فتنهب القذائف مساجد ريف دمشق، ومدن حلب وإدلب وحمص وباقي المحافظات. ففي إحصائيات لم يخدّرها الألم، تم تدمير 700 مسجد، وإصابة ضعفها بأضرار فادحة داخل كل مدن سوريا على امتداد سنوات من العنف المسفوح.مساجد دمشق ورمزية السلطة مجدداً...ليس سراً ولا تهمة أن السنوات المقبلة ستعيد تعريف هذه المفردة العمرانية من جديد، وستُحمّل الجوامع والمساجد أدواراً كثيرة، وربما متناقضة. ستحمل تلك الماسة انعكاس ألف وجه ورؤية. ستحمل صورتنا، صورة حاضرنا، والمستقبل الذي نوينا أن نكون فيه. فهل ستتحول المساجد إلى مكان نافٍ لهويتنا الجمعية التي بنيناها كسوريين في أيام الثورة الأولى؟ هل ستنفي المسيحيين والعلويين والدروز والإسماعيليين وتحيلهم من سوريين إلى مجرد مسيحيين وعلويين ودروز وإسماعيليين؟ هل ستُبني تواطؤاً بدائرة شيطانية، لضحية لا تريد أن تكون ضحية، فتحالف جلادها، كأنها مستلبة لتروما الفقد؟ هل سيُشنَق السوريون بعمارتهم ذاتها من جديد؟ فهم لم يُقتلوا ويُعذَّبوا في المعتقلات فقط، بل فعلت بهم أيقونتهم الرمزية ذلك، بعدما نُصبت مشانق أحلامهم بالحرية أمام أبوابها، وعلى جدران مساجدها، جدران الشام.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top