لا تترك إسرائيل أي وسيلة لترسيخ احتلالها مزيداً من الأراضي الفلسطينية والعربية، سواء بذرائع أمنية وسياسية، أو حتى دينية، عبر استدعاء روايات تاريخية وتلمودية مزعومة، كما حصل في حكاية ضريح الشيخ العبّاد، والذي يسمونه يهود متدينون "قبر الحاخام راب آشي".نقطة احتلال سادسةتحت ذرائع دينية يبدو أن النقاط التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بها في لبنان لن تقتصر على خمسة نقاط، ذاك أن منطقة تلة العباد، في قرية حولا الجنوبية، ستكون نقطة سادسة. بيد أن المخاطر تكمن بأن السيطرة على تلك المنطقة (تلة العبّاد) ستكون دائمة تحت ذرائع دينية. ويستشف ذلك من خلال ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن اجتياز 20 حريديا الحدود اللبنانية منذ يومين لزيارة قبر الحاخام "راب آشي"، بالقرب من مستعمرة المنارة. وتبين بحسب الصحف العبرية أنهم ينتمون لحركة بريسلوف الحريدية. وادعوا أنهم يزورون قبر الحاخام، الذي يعتبرونه شخصية بارزة في التاريخ اليهودي، ويُنسب إليه جمع وتحرير الجمارا، وهي جزء أساسي من التلمود.لكن ما لم يكشف بعد أن إسرائيل استغلت عدوانها على لبنان، ومن ثم اتفاق وقف إطلاق النار، لتحريك هذه الجماعة المتطرفة، لتكريس أمر واقع جديد بخصوص هذا القبر. إذ كشف موقع "كيكار هشبات" المتخصص في الشؤون الدينية اليهودية أنه جرى في الأسبوع الماضي، وبسرية تامة، تجديد وصيانة قبر الحاخام آشي في "جبل شنان" على الحدود بين لبنان وشمال فلسطين.ووفق هذا الموقع الديني العبري، فإنه جرى طلاء شواهد القبر باللون الأزرق، إضافة إلى نقل السياج ليضم ما يسميه "الجزء المقدس" الموجود بالأراضي اللبنانية، ليكون كاملا، وهو ما يعني إضافة الاحتلال نقطة خلافية جديدة.التسمية في الاتفاقية الفرنسية البريطانيةبالبحث عن وقائع هذه الحادثة، يتبن أن المنطقة المقصودة هي تلة الشيخ العبّاد، في حولا. وهذه المنطقة محتلة منذ العام 1948 وبنى الإسرائيليون فيها قبراً، على بقايا ثلاثة قبور قديمة، ونسبوه إلى هذا الحاخام. وبعد تحرير العام 2000 وترسيم الحدود، بات هذا المقام من النقاط المتنازع عليها مع لبنان. وكما يظهر في الصورة أدناه، أتى الشريط الشائك للخط الأزرق ليقسم القبر قسمين: جزء في الأراضي اللبنانية وجزء في الأراضي المحتلة. ولبنان تحفظ على هذه النقطة لأنها أتت مغايرة لترسيم الحدود.
المحامي والباحث في القضايا العقارية والحدود ضياء الدين زبارة أكد لـ"المدن" أنه وفقا للاتفاق المعقود بين فرنسا وبريطانيا بتاريخ 23 آب 1940، المتعلق بترسيم الحدود اللبنانية الفلسطينية، تنفيذا للمادتين 1و2 من معاهدة باريس تاريخ 23-12-1920 وردت تسمية موقع العباد باسم "الشيخ العباد"، لدى تحديد مواقع الاشارات من 1 إلى 39. ما يؤكد أن الموقع لا يعود للطائفة اليهودية، تحت المسميات التي خرجت لاحقاً.ويلفت زبارة إلى أنه تم ترسيم الحدود في تلك المحلة (في الوثائق غير المنشورة بعد) على الشكل التالي: الإشارة 32 تقع على بعد 300 متر شمال غرب جبل المنارة. ثم يعبر الخط مسار ميس-هونين/ جبل المنارة-الحولة. ثم يتبع خط القمة شمال شمال غرب، ثم غرب مستقيم ليصل إلى الاشارة 33. وهذه الاشارة هي نقطة التثليث التي كانت تسمى سابقا "الشيخ العبّاد" ثم يتبع خط مستقيم الى الإشارة 34.قبور بنات النبي يعقوبالدكتور أيسر حجازي، ابن بدلة حولا، الذي يعمل على توثيق كل ما يتعلق بمجزرة حولا العام 1948، وله كتاب باسم "حولا الشهيدة" أكد لـ"المدن" أنه وثق من خلال المرويات الشعبية أن اسم التلة العباد يعود أن طائفة من النساك كانوا يعملون في صناعة الحصر (بساط مصنوع من القش) وقد دفنوا فيها. وسمت التلة "تلة العّباد". وأضاف أن هناك من يذهب بعيداً في التاريخ ويربط التسمية ببنات النبي يعقوب وتوزعهم في جبل عامل مستندين الى معالم أثرية وتاريخية.وتواصلت "المدن" مع أكثر من مسنّ في بلدة حولا، الذين كانوا يذهبون للعمل أو التبضع في فلسطين قبل العام 1948، وأكدوا أن التلة كانت تحوي ثلاثة قبور، لا قبر واحد. وكانوا يسمونها قبور بنات النبي يعقوب. أما التلة فكانت تعرف بالشيخ العبّاد. ولطالما كانوا يرون فلسطينيين يحضرون إلى العبّاد للصلاة والتبارك من قبور بنات يعقوب. وقد احتلت التلة في العام 1948 ولم بعد أحد يستطيع الدخول إليها، وجرى تشييد القرب في الصيغة التي ظهرت بعد تحرير العام 2000.
بحسب الصحف العبرية المجموعة الدينية التي اجتازت الحدود في تلك المنطقة تعرضت للملاحقة وتم اعتقال ثمانية أفراد منهم. لكن بحسب ما نقل الإعلام العبري عن بعض أفراد هذه المجموعة كان هناك تنسيق مع الجيش الإسرائيلي. فموقع "كيكار هشبات" المتخصص في الشؤون الدينية اليهودية أكد أن القبر، الذي لم يتم ترميمه لسنوات عديدة، خضع لتجديد شامل من قبل حركة روحانية يهودية تدعى "الحسيدية"، بعد إحداث "تغييرات جوهرية" على مجمل القبر خلال مرحلة وقف إطلاق النار، على حد تعبيره.احتلال كل منطقة القبرويوم الخميس الماضي، تم الانتهاء من إزالة الأسوار التي تجاوزت القبر، وتم نقل السياج إلى ما بعد مجمع القبر، إلى حدود الدولة اللبنانية، بحسب ما زعمه "كيكار هشبات" الذي اعتبر أن هذا "التغيير الكبير" يسمح لأول مرة منذ سنوات عديدة بوصول اليهود إلى مجمع القبر بأكمله من الجانب الإسرائيلي. وقد وثق الموقع العبري عملية الترميم والطلاء لقبر الحاخام "آشي"، بصور وفيديوهات، وكذلك محاولة يهود أداء صلوات تلمودية على القبر وفي محيطه. ما يعني أن إسرائيل ضمت كل القبر. ولا يمكن معرفة التغييرات من الجانب اللبناني في الوقت الحالي، ذاك أن ممنوع على السكان الذهاب إلى التلة في الوقت الحالي. لكن الصور المتناقلة في الإعلام العبري تظهر أنه تم احتلال القبر كله. صور حديثة للقبرونقل "كيكار هشبات" عما أسماها "مصادر مطلعة على التفاصيل"، بأن الجيش الإسرائيلي يخطط قريبا لترتيب زيارات منظمة ومنسقة إلى الموقع "المقدس"، وهو ما اعتبره يهود متدينون أنه قد يفتح "حقبة جديدة" لتمكين وصول المصلين إلى الموقع. ولفت الموقع العبري إلى أن مكان القبر الواقع على قمة "جبل شنان" على ارتفاع 902 متر فوق مستوى سطح البحر، جعل أعمال التجديد معقدة في السنوات الماضية، نظرا لتقسيمه عام 2000 بأسلاك شائكة بين الأراضي اللبنانية وتلك التي تسيطر عليها إسرائيل، ما منع اليهود من زيارة جميع أنحاء "صهيون المقدسة"، وفق تسمية الموقع المتخصص بالشؤون الدينية اليهودية.وكشف كاتب التقرير، ويُدعى يسرائيل شابيرا، أنه لم ينشر عن أعمال الترميم للقبر، لضمان إتمام المشروع بـ"نجاح". وتطرق إلى منع الجيش الإسرائيلي لنحو 20 شخصا من أتباع مجموعة "بريسلاف الحسيدية" من زيارة قبر الحاخام آشي قبل نحو 3 ليالٍ، وذلك بعد محاولتهم السجود على قبر الحاخام آشي (يعتبرونه محرر التلمود البابلي) بعد خضوعه لعملية الترميم الشاملة لأول مرة منذ سنوات.
ووفق ما نقلته وسائل إعلام عبرية، فإن مصادر أمنية إسرائيلية بررت اعتقال ثمانية أشخاص من أتباع الجماعة اليهودية المذكورة، واستجوابهم في مركز تحقيق للشرطة في "كريات شمونة"، نظرا لوقوع الموقع في منطقة حساسة على الحدود مع لبنان، وأن الوصول إليه يحتاج إلى تنسيق مسبق.مزاعم دينيةواستدعت مواقع لليهود المتدينين ما وثقه الباحث الإسرائيلي البروفيسور زئيف فلنائي في كتابه "شواهد القبور المقدسة في أرض إسرائيل" عام 1985، بشأن التقليد اليهودي حول قبر الحاخام آشي، حيث أشار فيه إلى أصوله في كتاب "أنساب الأجداد" عام 1537. لكنّ أول تعريف إسرائيلي "موثق" للقبر كمكان "مقدس" لليهود، وباعتباره قبرا للحاخام آشي جاء في عام 1972، عندما ادعى الباحث الإسرائيلي تسفي إيلان أن لافتة تم وضعها في المكان، لتعريفه ك"قبر يهودي مقدس".وخلال حرب لبنان الأولى مطلع ثمانينات القرن الماضي، أنشأ جيش الاحتلال موقعا عسكريا على التلة، واعتاد حينها يهود متدينون على زيارة القبر. وادعى موقع "كيكار هشبات" أن تقسيم القبر في عام 2000 جاء نتاج "حل فريد" طرحته مبعوثة الأمم المتحدة حينها تاريا لارسن، لتمكين الإسرائيليين واللبنانيين من الوصول إلى المكان. لكن الكاتب يسرائيل شابيرا قال إن وصول اليهود إلى المكان كان صعبا خلال السنوات الماضية بسبب قربه من الحدود "المعادية".
إلى ذلك كشفت صفحات عبرية عن مطامع السيطرة الإسرائيلية، ولو من بوابة السردية الدينية هذه المرة. وعبرت عن أمنيتها أنه في ضوء التغيرات السياسية في المنطقة، "سيعود شعب إسرائيل للسجود في القبر من منطلق الشعور بالأمان والارتباط العميق بالحاخام آشي- محرر التلمود البابلي"، وفق قولها.*التقرير من إعداد الزميلين أدهم مناصرة ووليد حسين.