2025- 02 - 20   |   بحث في الموقع  
logo باسيل تسلم من وفد “حزب الله” دعوة لحضور تشييع السيد نصرالله logo الجنوبيون بعيدون جداً عن لبنان؟ logo في البلدات الحدودية... رسائلٌ إسرائيلية لكوادر حزب الله logo بشأن صيانة طريق الاقليم - جزين... توجيهات من رسامني logo لتوديع القائد التاريخي... عز الدين: الأحد يوم وطني بامتياز logo في أقل من شهر... "سلاح" لبنان الجديد في معركة إعادة الإعمار logo "أين الدول الراعية لوقف النار"... نائبٌ يسأل! logo توقيف منفّذ 30 عملية نشل
الشرع في عفرين واللاذقية.. ما الأهم؟
2025-02-18 01:56:02

في اليوم الأول من جولته الداخلية، ذهب الرئيس أحمد الشرع إلى مدينة عفرين، ذات الأغلبية الكردية، في سابقة هي الأولى من نوعها. إلا أن خبر زيارته عفرين سرعان ما توارى خلف الصور الواردة من زيارته اللاذقية، ثم طرطوس، لتُحمَّل زيارته المدينتين أبعاداً رمزية وانتصاريةً.كأنّ قدر الكرد ألا يستفيدوا من تسليط الأضواء عليهم، لأنها راحت سريعاً إلى الجانب الأكثر "إثارة" للأغلبية العربية، أي الجانب الطائفي. ولأن هذه الأغلبية، التي قلّما تتفق، لا توجد بين معظمها خلافات ذات شأن تتعلق بالنظر إلى الموضوع الكردي في سوريا. ولو نالت الزيارة اهتماماً من الجانب العربي لكان من المرجّح أيضاً أن تحرّض اهتمام الكرد، ولو من زاوية أنها أول زيارة رئاسية هم معنيّون بها منذ الاستقلال، والأمر يتعلق هنا بمقام الرئاسة ورمزيته.
لا نبالغ، ولا نريد أن نبخس الموضوع الكردي حقه، إذا قلنا أن أولى درجات القضية الكردية في سوريا تتعلق بالاعتراف. يوماً ما، سُرَّ بعض الكرد بعبارة قالها بشار الأسد، وهي أن "الأكراد جزء من النسيج السوري". بالطبع، هو إنشاء يؤكد المؤكَّد أصلاً، إلا أن قوله آنذاك أرضى من رأوا فيه اعترافاً بالوجود الكردي، خصوصاً بالمقارنة مع أصوات عروبية، داخل السلطة وخارجها، تنزع عن الكرد أصالة وجودهم في سوريا.قد يُقال، عن حق، أن السوريين تحت سلطة العهد البائد كانوا جميعاً بحاجة إلى الاعتراف، فسعيُ تلك العصابة الحاكمة كانت دؤوباً لطمس السوريين من عرب وكرد وسواهما. الحاجة إلى الاعتراف هي بمثابة الحاجة إلى الشعور بالكرامة البشرية، والتي لا يحققها سوى الإحساس بالمواطنة غير المنقوصة، أو غير المسُستلَبة، وهذا كان في أصل ما ثار السوريون من أجله.
لقد سُلبت كرامة السوريين خلال عقود من تغييبهم سياسياً، والتعميم يجب ألا يُستغل إطلاقاً لإنكار خصوصية تغييب الكرد، وللقول أن المظلومية السورية واحدة تماماً، وحلُّها لا يجب أن يلحظ أية خصوصية لأية جماعة. ما عانى منه الكرد خلال حكم البعث والأسد هو إنكار السلطة لهم، والأنكى هو إنكارهم من قبل الثقافة العروبية المهيمنة خارج السلطة أيضاً، وهذه الثقافة لا تزال حاضرة بمسمّيات مختلفة ذات طابع إقصائي، وإن لم تظهر بحمولة أيديولوجية على غرار العقود الماضية.الأسابيع الأخيرة مثلاً شهدت تحريضاً على وسائل التواصل، صدر بمعظمه عن أنصار العهد الجديد، يطالب أصحابه السلطة بمهاجمة أماكن سيطرة قسد والإدارة الذاتية لإخضاعهما للمركز. وعلى الضد من ذلك، تم قبل يومين تداول خبر اتفاق المركز مع قسد لشراء غاز من الحقول التي تسيطر عليها، أي أن الرئاسة والحكومة تتعاملان بواقعية على الأرض، ولم تسايرا الضخ الحربي على وسائل التواصل، والأسوأ أنه مصحوب كالمعتاد بما يعمّق الهوّة بين العرب والكرد.
الردح بين الجانبين ليس مستجداً، وهو يتكرر بين مناسبة وأخرى. والمؤسف ألا تلوح في الأفق تباشير تقارب بينهما على مستوى القواعد والمستقلين، بحيث يلعب المجتمع على الطرفين دوراً إيجابياً. البلد بعمومه لم يخرج بعد من آثار الاستبداد، والمجتمع المغيَّب طوال عقود بحاجة إلى وقت ليمتلك روح المبادرة ثم زمامها. مبادرة، كذهاب الرئيس إلى عفرين، قد تشجّع على ما هو إيجابي، فيما لو أُعيد تسويقها بعد انتهاء جولته لدى الجمهور الذي انصرف انتباهه إلى المحطات اللاحقة.في كل الأحوال، المبادرة بحاجة إلى تعزيز لاحق كي تؤخذ بجدية لدى الجمهور على الطرفين، ولدى الجمهور الكردي المستهدف بها أولاً. جدير بالذكر أنه ليس للشرع شخصياً إرث سلبي لدى الكرد، كما هو حال السمعة السيئة لفصائل العمشات والحمزات وقياداتهما. على هذا الصعيد، سيكون من المفيد والضروري في آن متابعة الشكاوى التي قُدِّمت خلال الاجتماع معه، لأن جبر الخواطر أولاً، ومن ثمّ جبر الضرر، خطوتان ممكنتان ومستحقتان وتعززان فكرة الاعتراف التي أشرنا إليها، وما يتصل بها من الكرامة البشرية.لم نُشِر فيما سبق إلى إحقاق العدالة، لأن فكرة العدالة لا تبدو واقعية الآن، أو قابلة للتنفيذ سريعاً، بعد ما يزيد عن عقد من الانتهاكات متعددة الأطراف. ويُفترض بالواقعية أيضاً أن تحكم المفاوضات حول مستقبل الكرد ضمن الدولة السورية، مع الأخذ بالاعتبار العامل التركي المؤثر، والضاغط عند اللزوم. سقف المطالب الكردية محكوم بالجار الذي لا يطيقه معظم الكرد، لكن في المقابل لا حيلة لهم إزاء الجغرافيا. هنا أيضاً يمكن للمركز أن يلاقي الواقعية الاضطرارية الكردية بروحية الاحتواء، لا بروحية الاستقواء على الكرد، سواء كان الاستقواء بالجار التركي أو بالأغلبية العربية في الداخل. مثلما يتعيّن على الكرد عدم الركون إلى الدعم الخارجي، بل التصرف على أنه مؤقت.
ومواجهة الكرد بأغلبية عربية استدعت دائماً النظر إليهم ككتلة منسجمة، واصطفافهم تالياً ككتلة واحدة. للعرب خلافاتهم البينية، وللكرد خلافاتهم البينية كذلك، وللطرفين (من الجانب الإيجابي) تنويعاتهما التي تدحض وهم الانسجام. دولة المواطنة الحقيقية، وصونُ الحقوق الفردية فيها أولاً، هي مكسر الأيديولوجيات بمختلف أنواعها، ما يقتضي تحقيق الكرامة السياسية للجميع، كي تأخذ حقوق الجماعات الحيز المناسب فلا تكون على حساب حقوق الأفراد.الوصفة الأسوأ لكسر الاصطفاف هي بالمراهنة على الإتيان بأشخاص من أية جماعة، بحيث يُمنحون صفة تمثيلية لها غير معترف بها ضمن الجماعة نفسها. مع الأسف هذا ما يُنذر به حديث هدى الأتاسي، عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، إذ قالت إن لجنتها لن تذهب إلى الحسكة والقامشلي على غرار المدن الأخرى، بما أن قسد لم تنضوِ تحت لواء الجيش الوطني، وبدلاً من ذلك ستستأنس اللجنة بآراء أفراد يأتون من الحسكة والقامشلي للقائها خارجهما. وبصرف النظر عن التحفظات من هنا وهناك على اللجنة وأدائها، فاستبعاد مناطق سيطرة قسد نهائياً هو أفضل من اعتبارها ممثَّلة على نحو يصادر إرادة نسبة كبرى من سكانها، فيعيد المشكلة إلى نقطة عدم الاعتراف بهم وبكراماتهم البشرية والسياسية.
من المؤكد أن السلطة الحالية، وهي تقدّم نفسها كسلطة انتقالية، غير مناط بها اجتراح حل جذري للموضوع الكردي في سوريا، ومن ثم تطبيقه. إلا أنها قادرة على البدء بما يطمئن الكرد إلى مستقبلهم في الدولة السورية، وعلى تبديد وهْم التعارض بين مصالح العرب والكرد ضمن الدولة العتيدة. ما تكلَّمَ حتى الآن، من هنا وهناك، هو لسان المأزومين والخائفين الذين لم يُتح لهم العيش بكرامة، أولئك الذين أُجبروا على العيش في الماضي بدل العيش في المستقبل الذي يستحقونه فرادى ومعاً.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top