2025- 02 - 20   |   بحث في الموقع  
logo توقيف منفّذ 30 عملية نشل logo "أغنية الغابة" بالعربية...أسحار أوكرانيا وقد مرّت بالجزائر logo "ألترا سوريا": منصة جديدة تكسر اختزال البلاد في العنف logo تقرير "رابطة الصحافيين السوريين" 2024: النظام تصدّر الانتهاكات logo "ترامب الملك"! logo تركيا تعتقل متهماً بـ"الإساءة لأردوغان" في سوريا logo التوتر يتصاعد بين ترامب وزيلينسكي: تهديد جديد لمساعي السلام! logo بالفيديو: "إذا مش عاجبكم هاجروا"... هذا ما حصل في المطار!
في ليل الجنوب.. بجوار الاحتلال
2025-02-18 00:25:47


حرائق، حرائق... على أطراف القرى ومشاعاتها المهملة، المنتشرة على جانبي أتوستراد الجنوب. لا سبيل للتخلص من أكوام نفايات الأشهر المنصرمة سوى بإشعالها هكذا، على نحو ينبئ بأحوال الخدمات البلدية وبؤسها. كأنها تخبرنا مسبقاً بما هو أسوأ داخل القرى نفسها، وفي البلدات التي "انخطفت" لسنة وأربعة أشهر نحو هاوية الحرب.الأوتوستراد المتفتت الاسفلت، والمزين بإعلانات التحذير من القنابل غير المنفجرة، والتي تجعلنا أكثر شعوراً أننا نتقدم ونقترب من أرض الحرب، لا يزال أيضاً "المنبر" أو المنصة المفضلة لصور ورايات وشعارات حزب القتال والشهداء والمعارك، حزب خيالات 1400 سنة من ميثولوجيات السيف والظلم والدم الزكي...
مع ذلك، ها هو الجنوب الساحر أمامنا. تلك الهضاب المتلونة بألاعيب الغيم والشمس وانعكاسات الأسطح والنوافذ والبحر البعيد، وظلال بساتين الموز والليمون، في ساعة مغيب شتائي، يعكرها فجأة اكتظاظ مدخل مدينة صور الذي يبدو كأنه عاد ليشبه حاله إبان الثمانينات وفوضاها والغزو الإسرائيلي حينها، وانهيار عمرانها. مدينة أذتها الحرب الأخيرة بلا أدلة دامغة، كما لو أن شظية صغيرة فحسب كانت كافية لتعطل قلبها وتطفئ نبضها.
وصور في تلك اللحظة، بدت تماماً كالجنوب كله: حب الحياة ومعانقة الموت. تناوب تراجيدي وعنيف، كامتداد لمأساة هذا البلد في دوامة الرماد والانبعاث.شاحنات وراء شاحنات محملة بالردم، من قرية إلى قرية. بيوت وأعمار وذكريات وأفكار وشرفات وغرف نوم وباحات طفولة وسطوح مسامرات ومصطبات أهل وجيران.. كلها الآن فتات أحجار ومعادن في شاحنات. غبار يغطي الجنوب. غبار يتغلغل في الأرواح. وعلى الدروب صار أكثر من أي وقت مضى سواد السيدات والأمهات والصبايا. وسيبقى هذا الأسود طويلاً من كثرة الموت المعلن والموت المجهول والخسارات الفادحة.ما بين جويا والشهابية، يمر موكب سيارات أول لعائلات ترفع صور شهدائها، فموكب ثانٍ وثالث... مرور صامت، كأن كل قرية تنظم موكبها لتتعرف على شبانها الذين قضوا. كأن عائلاتهم هكذا تحييهم في أعين العابرين والمتفرجين، فتمنح معنى ما لغيابهم الصاعق. مواكب "تنثر" الحزن كطقس يتشارك فيه أهل الجنوب كلهم.
جيل جديد من الشهداء. طبقة جديدة من الصور تحل مكان الذين سقطوا في سنة "الإسناد والمشاغلة"، هم الذين أخذوا مكان صور أولئك الذي قضوا في المقتلة السورية الكبرى، وقبلهم طبقة شهداء 2006، الذين سبقتهم طبقات آلاف شهداء عقدين ما قبل التحرير وبعده.
هذه المرة، الحزن بلا أي مواربة، ولا أي افتخار حقيقي أو كاذب. حزن وحداد جنائزيان. أرواح منكسرة وسواد عميم.في سوق بنت جبيل تتكاثر الكلاب الشاردة، وتزداد عمليات تسميمها وقتلها. "أكلت جثثاً"، يقول علي. وأحاديث الجثث، خصوصاً تلك التي لا تزال أو انتشلت من تحت الردم، هي سمة هذه الحرب. سمة الجنازات التي تشيع أحياناً بضعة عظام قليلة.
ابن بنت جبيل، الآتي للتو من ميشيغين، يقف أمام ركام مبنى البلدية: "أتفقد بيوت العائلة والأقارب. سنحاول مساعدة الناس. قليلون عادوا. البلدية كما ترى، وعمالها يحاولون ترميم شبكة الكهرباء. البلدة ميتة".وهناك، مارون الراس، حيث الإسرائيليون "يتمتعون" بما فعلوه، يراقبون كل حركة. غير مرئيين وحاضرون بقوة فتاكة. غير مرئيين ومحسوس بهم كأشباح ضارية وشريرة. إنه الشكل الجديد للاحتلال. خفي ومهيمن وثقيل الحضور.
إنه الاحتلال "العميق" بلا أي توغل أو انتشار. ومعه ينتشر الليل المخيف في الجنوب. ظلام محشو بالتوجس، وأصوات تفجيرات في يارون للبيوت الباقية. "مع الصمت الليلي نسمع هدير آلياتهم في قمة مارون الراس"، تقول الحاجة هدى، العائدة منذ أيام إلى بنت جبيل بعد سنة وأربعة أشهر من التهجير. وها هي تعلق صورة ابن اختها الذي استشهد مع الذين حاولوا العودة إلى عيترون المنكوبة.
الصور داخل البيوت أشد إيلاماً. إنها علامة قصم ظهر العائلة.هي ليلة الانتظار، قبل يوم واحد من الموعد "المأمول" للانسحاب الكامل، أو تأجيله كمماطلة متوقعة. انتظار لا يستبعد الغدر الإسرائيلي ولؤمه.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top