بدا تصريح الأمين العام الأسبق لـ"حزب الله"، صبحي الطفيلي، حيال الملف اللبناني، صادماً من ناحية الشكل، كون الرجل الذي واظب طوال 13 عاماً من عمر الحرب السورية، على انتقاد تدخل الحزب فيها، حتى ظهر بالنسبة لكثيرين على أنه "حمامة سلام"، اختار التصعيد في الداخل اللبناني، وذلك في أدق مرحلة يمر بها البلد والحزب معاً، ملوّحاً بأحداث العام 1982.
والطفيلي (76 عاماً) الذي عُيّن أميناً عاماً للحزب بين العامين 1989 و1991، واصطدم مع الحزب والدولة اللبنانية في العام 1997 حين أطلق "ثورة الجياع" في بعلبك (شرق لبنان)، لا يفوّت فرصة من دون إعلان تمايزه عن "حزب الله"، واتخاذ مواقف معاكسة لما تتخذه قيادة الحزب، وكان آخرها مقطع فيديو ظهر فيه الأحد، وتناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عنوان "الشيخ صبحي انقلب".
وفيما تلا أمين عام الحزب نعيم قاسم خطاباً هادئاً الى أقصى المستويات، مساء الأحد، بوضع ملف الاحتلال الاسرائيلي للجنوب بعهدة الدولة اللبنانية لمعالجته سياسياً ودبلوماسياً، الى جانب مغازلة الجيش اللبناني ومعاتبته بطريقة هادئة على خلفية ملف الاعتصام على طريق المطار، خرج الطفيلي في مقطع فيديو، استخدم فيه عبارة "فهمتوا؟" مرتين خلال 3 دقائق، وذكّر فيه بأحداث ما بعد الغزو الاسرائيلي للبنان 1982، ورفض الحزب لما قررته الدولة اللبنانية آنذاك والتي كانت قد وقعت اتفاقية 17 أيار 1983 مع اسرائيل، وسقطت الاتفاقية في ما عُرف لاحقاً بانتفاضة 6 شباط 1984.
وقال الطفيلي في مقطع فيديو نشره في صفحته في "يوتيوب" (وهي المنصة المتاحة له في ظل مقاطعة إعلامية): "أنصح الدولة اللبنانية ألا تجعلنا نصل الى مكان وصلنا اليه في 1982". وتابع: "ما حدا يتصور خيالو طويل، يُقصّ بسرعة، شو ما كان ظانن نفسو.. لن نكون عبيداً للصهاينة.. لبنان لن يكون ذليلاً ولن يوقع لا اليوم ولا بعد ألف يوم". وختم: "أنا بلّغت.. والباقي عندكم".
والحال أن اختيار التصعيد في هذا التوقيت، يحاكي عاملَين، أولهما "الاحباط" الشيعي الناتج عن حرب مزقت الطائفة ومناطقها وأنهكت حزبها حتى النفس الأخير، مع بقاء الاحتلال في بلدات وقرى يفترض أن ينسحب منها الثلاثاء، كما أعلن، مع الإبقاء على خمس نقاط عسكرية بحوزة الجيش.. أما العامل الثاني فيتمثل في "غضب" مناصري الحزب من تموضعه السياسي الأخير، ووضع معالجة التطورات في عهدة الدولة اللبنانية، وتململ هذه الفئة من المبالغة في الواقعية السياسية التي يبديها الشيخ قاسم، وابتعاد الأخير عن أي خطاب شعبوي ربما اعتاده الجمهور طول السنوات الـ15 الماضية، يتمثل في تحدي اسرائيل، والحديث عن تهديدات واظب الأمين العام الراحل السيد حسن نصر الله على إعلانها..
وعليه، فإن الطفيلي يستهدف غضب هذه الفئة حصراً، بغية جذبها، وتقديم بديل "شعبوي" يحاكيها، وطرح نفسه كخيار محتمل، يقود موجة الغضب، ويديرها، بما فيها احتمالات الإنشقاق عن الحزب الذي تراجعت أولوياته عن العمل العسكري، الى العمل السياسي الداخلي، أو على الأقل يُنتظر منه ذلك.
اللافت لدى الطفيلي، في موقفه التحذيري المتشدّد، أنه وضع نفسه في مواجهة الدولة اللبنانية الراهنة والتي لم تتحدث بأي شكل من الأشكال عن اتفاق 17 أيار جديد، وليس التطبيع مطروحاً في قاموسها. وهذه ليست المرة الأولى، فقد فعل ذلك في العام 1997، حين أطلق "ثورة الجياع"، وقبلها في العام 1989، حين أطلق معارك الحزب ضد "حركة أمل"، وتحول بعد ذلك الى معارض للحزب، وينتقد تدخله في سوريا والبلدان العربية.
يخوض "حزب الله" أبرز تحولاته الآن، بالسياسة والتجربة والإعلام. وهي مرحلة تأسيسية جديدة، ستكون الخامسة منذ انطلاقته في مطلع الثمانينيات، وتشهد في أروقته الداخلية نقاشات عميقة حول شكله ووظيفته وأولوياته، ستتيح استدعاء كل أدبيات التجربة، وربما شخصياتها، قبل بلورة شكل جديد للمنطقة ولبنان والحزب نفسه، ستحتاج الى أشهر.. وربما لسنوات.