عاد الحديث عن المطارات البديلة في لبنان إلى الواجهة مجددًا، على وقع الأحداث التي شهدها طريق مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، عقب منع الطائرات الإيرانية من الهبوط. حتى خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان وتعرض محيط مطار بيروت إلى القصف تصاعدت الأصوات المطالبة بتشغيل مطارات أخرى. وبعيداً عن أن المطالب لافتتاح أو إعادة تشغيل المطارات القائمة تأخذ أبعاداً مناطقية وطائفية، ولا تأخذ بالاعتبار حاجة لبنان من عدمها لمطارات إضافية، ما هي هذه المطارات في لبنان وهل يمكن الاستفادة منها دولياً أو داخلياً؟
يوجد في لبنان ثلاثة مطارات رسمية، مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وهو المرفق الجوي الأساسي في البلاد، ويقدم خدمات الطيران العام لأكثر من 45 شركة طيران عالمية كبرى، تسافر لأكثر من 60 وجهة حول العالم في الأيام العادية، ومطار القليعات (مطار الرئيس رينيه معوض) في الشمال، ومطار الرياق في البقاع. إلى جانب هذه المطارات الرسمية، هناك مدارج غير مرخصة مثل مطار بعذران في الشوف ومطار حامات في الشمال والخيام في الجنوب، اللذان أثارا جدلًا في أوقات سابقة حول إمكانية تأهيلهما ليكونا بدائل تشغيلية.مطار القليعاترغم العوائق التي تحول دون تحويل المطارات العسكرية في لبنان إلى مطارات مدنية، يبقى مطار القليعات الخيار الأفضل لتحقيق هذا الهدف. فمدارجه الطويلة، التي تمتد على 3 كيلومترات، تستوفي الشروط الدولية، مما يسمح بهبوط الطائرات الضخمة من طراز بوينغ وإيرباص، ما يجعله مؤهلًا ليكون خيارا عمليا ثانيا إلى جانب مطار بيروت الدولي. وهو يحمل اسم الرئيس رينيه معوض، الذي انتُخب في حرمه كأول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد اتفاق الطائف عام 1989.بُني المطار عام 1941، على مقربة من الحدود اللبنانية-السورية، بعد سنوات قليلة من افتتاح مطار بيروت الدولي رسميًا عام 1938. وتشير بعض السجلات التاريخية الأجنبية إلى أنه كان قاعدة عسكرية، لكنه استُخدم أيضًا في النقل المدني لفترات محدودة، كما كان موضوعًا لبحوث في مجالات الأشغال العامة والطيران. وفي أوائل الستينيات، كان المطار بمثابة مطار خاص لشركة نفط، استعانت بطائرات صغيرة لنقل موظفيها بين لبنان والدول العربية.
وفي عام 1966، بات المطار تحت إمرة الجيش اللبناني، الذي استخدمه كقاعدة عسكرية منذ ذلك الحين. كما خدم لفترة وجيزة بين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات رحلات ركاب داخلية، قبل أن يتوقف عن العمل باستثناء نشاط عسكري خفيف، وفقًا لدراسة أعدها البنك الأوروبي للإعمار والتنمية.وبحسب أحد وزراء الأشغال السابقين (فضل عدم الكشف عن اسمه) مطار القليعات رغم توقفه عن العمل منذ عقود، إلا أن البنية التحتية لا تزال قائمة وصالحة للاستخدام في الحالات الطارئة. ولا يحتاج سوى القليل من الصيانة وتوظيف عدد محدود من العاملين، يمكن إعادة تشغيله خلال 3 إلى 4 أشهر إذا دعت الحاجة.أما لناحية تكاليف التشغيل، فقدّر الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، بناء على الدراسات الموجودة، الكلفة بنحو 30 مليون دولار كي يعود للعمل. هذا فيما كلفة تطويره ليستوعب ملايين الركاب تصل إلى حوالى 400 مليون دولار.مطار الرياقيُعتبر مطار رياق من أقدم المطارات في لبنان، إذ تأسس عام 1910 على يد الجيش الألماني، ليكون أول قاعدة جوية في وادي البقاع. وعلى مر العقود، تنقلت السيطرة عليه بين البريطانيين ثم الفرنسيين، قبل أن يصبح تحت إدارة الجيش اللبناني. لعب المطار دورًا محوريًا في تاريخ الطيران العسكري اللبناني، حيث كان مقرًا لطائرات هانتر المقاتلة، كما يضم اليوم معظم أسطول القوات الجوية اللبنانية، إلى جانب الطائرات التي أصبحت خارج الخدمة.خلال الحرب الأهلية اللبنانية، تراجع دور المطار وتوقف عن العمل لأغراض تشغيلية، خاصوصاً مع الوجود العسكري السوري، ليقتصر لاحقًا على الاستخدامات العسكرية. لكن في عام 2007، وخلال معارك نهر البارد، استعادت القاعدة نشاطها جزئيًا، حيث تم إصلاح أربع طائرات هانتر لاستخدامها في العمليات العسكرية، ما أكد استمرار أهميته كمنشأة عسكرية رغم تراجع دوره السابق.ورغم موقعه الاستراتيجي وتاريخه الطويل، إلا أن مطار رياق يواجه قيودًا لوجستية تمنع تحويله إلى مطار مدني بديل. أبرز هذه العوائق هو طول مدرجه، الذي لا يتجاوز 1.5 كيلومتر، ما يجعله غير مؤهل لاستقبال الطائرات التجارية الكبيرة من طراز بوينغ وإيرباص. إضافة إلى ذلك، فإن تجهيزاته وبنيته التحتية لا تتيح تحويله إلى مطار مدني مؤهل لاستقبال الرحلات التجارية، ما يجعله خارج أي خطة بديلة لمطار بيروت الدولي.حامات وبعذران والخياملا تزال مطارات حامات، بعذران، والخيام غير مرخصة، فالرُخص التشغيلية لا تُمنح إلا بعد تجهيز المطارات واستيفائها المواصفات العالمية، وهو ما لم يتحقق في هذه الحالات.يعود تاريخ مطار حامات إلى فترة الحرب الأهلية، حيث شيّدته "الكتائب" قبل أن يستخدمه الجيش اللبناني، وأحيانًا القوات الأميركية بالتنسيق مع الجيش، لكنه يعاني من قصر مدرجه الذي لا يتجاوز 1.5 كيلومتر، مما يجعله غير مؤهل للطائرات التجارية الكبيرة.في المقابل، يتمتع مطار الخيام بمدارج طويلة تتجاوز 4 كيلومترات، ما يجعله نظريًا مناسبًا للطيران المدني، إلا أن موقعه الجغرافي القريب من إسرائيل يجعله غير صالح للتشغيل المدني بسبب المخاطر الأمنية وصعوبة تنظيم المجال الجوي.أما مطار بعذران، الذي بدأ كمال جنبلاط بتشييده لدواعٍ عسكرية عام 1976 واستكمل العمل عليه وليد جنبلاط خلال الحرب، فقد تحوّل اليوم إلى معلم سياحي. عائق تشغيله الأساسي هو قصر مدرجه، الذي لا يسمح بهبوط الطائرات التجارية، لكنه قد يكون مناسبًا للطائرات العسكرية مثل C130. بهذه العوامل، تبقى هذه المطارات غير مؤهلة لمنافسة مطار بيروت الدولي أو العمل كبدائل عملية له.