2025- 02 - 24   |   بحث في الموقع  
logo في رؤية أحمد داود أوغلو لسوريا الجديدة logo مؤتمر الحوار الوطني السوري: اعتذارات عن المشاركة.. ومطالبات بتأجيله logo لماذا لست مدعواً/ة إلى المؤتمر؟ logo أُنظروا إلى زيلنسكي... إنّه يحترق!! logo تشييع نصرالله ونكبة الشيعة: نهاية مرحلة وبداية مجهول logo احتفالية "صيدنايا" تثير الإنقسام: طمس للجرائم أم خطوة للعدالة؟ logo المرتضى: اليوم كان موعد الزمان مع وداع ⁧‫السيّد‬⁩ logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الأحد
عن الموت وحزب الله وأبي بكر الصدّيق
2025-02-16 10:55:49

تقول الحكاية إنّ عمراً بن الخطّاب، في إثر موت محمّد، رسول الإسلام ونبيّ المسلمين، خاطب القوم قائلاً: "غاب موسى بن عمران عن قومه أربعين ليلة، ثمّ رجع إليهم بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعنّ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم كما رجع موسى". لكنّ الحكاية تروي أيضاً أنّ أبا بكر الصدّيق، بعد تيقّنه من موت النبيّ، استدرك ما قاله الخطّاب متوجّهاً إلى الناس بالقول: "أيّها الناس، مَن كان يعبد محمّداً، فإنّ محمّداً قد مات. ومَن كان يعبد الله، فإنّ الله في السماء لا يموت".
الموقف الذي اتّخذه أبو بكر، في ما يمكن توصيفه على أنّه أولى الأزمات الكبرى التي تعرّضت لها الأمّة الإسلاميّة، يوازي، إلى حدّ لا يستهان به، ما تشير إليه العلوم الإنسانيّة الحديثة عبر مصطلح "نزع الصفة الميثولوجيّة" (demythologization) عن الخطاب والأحداث. والحقّ أنّ ما ذهب إليه عمر كان ضرباً من ضروب الركون إلى ذهنيّة تغلّب الغيب على الواقع، وذلك عبر ترويجها فكرة عودة النبيّ حيّاً بعد أربعين يوماً، مع أنّ بعض القوم رآه ميّتاً مسجًّى على فراشه. أمّا ما تلفّظ به أبو بكر، فبمنزلة تفكيك لهذا الخطاب الأسطوريّ الطابع، وعودة بالناس إلى فلك الواقع كائنةً ما كانت قسوته. لقد أدرك الرجل، الذي سيصبح أوّل الخلفاء الراشدين، أنّ ديمومة الإيمان، وديمومة الجماعة التي تتوكّأ على هذا الإيمان، أنّى لهما أن تستقيما ما لم تتقبّل الجماعة حقيقة موت نبيّها مقلعةً عن اللجوء إلى غيبيّات لا طائل فيها. هذا التقبّل شرط لا مناص منه كي تتمكّن هذه الجماعة من إعادة خلق ذاتها، واستنباط نمط آخر من أنماط التعامل مع حاضرها ومستقبلها.
لا نبالغ في القول إنّ حزب الله يخوض اليوم تحدّياً مماثلاً يكمن، بالدرجة الأولى، في ضرورة تفكيك صورته عن ذاته، التي تكاد تكون صورةً ذات طابع غيبيّ، والمضيّ في تشكيل ذاته من جديد على قاعدة تغليب الواقع على الأسطورة. ربّما يقول قائل إنّ هذا مستحيل. فحزب الله، إذا اعتنق صورةً أخرى وخطاباً آخر، يعود ليس هو ذاته، فكيف له أن يستمرّ؟ وقد يضيف أحدهم أنّ حزب الله لم يكن يوماً سيّد قراره، ولا يتمتّع بترف الحرّيّة، إذ ما زال حتّى الساعة يأتمر بأوامر المرشد الأعلى الساكن على مقربة من بحر قزوين. لعلّ ملاحظات من هذا النوع صحيحة من حيث المبدأ. يضاف إلى ذلك أنّه يعسر على الأنظومات الإيديولوجيّة أن تقوم بانزياحات جذريّة بسبب خوفها من التآكل والاندثار. لكنّ العلوم البيولوجيّة والاجتماعيّة تعلّمنا أنّ التبدّل هو شرط الاستمرار. ومن ثمّ، مطلب أن ينصرف حزب الله إلى تبدّل حقيقيّ في النموذج ليس مطلباً مستحيلاً، بل يشكّل ضرورةً قصوى إذا رام الحزب أن يكون المستقبل ممكناً. وإنّ معيار قدرة الحزب على إقناع جمهوره بضرورة تبدّل كهذا لا ينبع بالضرورة من إخلاصه لصورته الماضية، التي أثبتت أنّها كانت تدور في حلقة مفرغة بالرغم من مزاعم القوّة، بل ينبثق بالدرجة الأولى من أنّ المستقبل يستحقّ المغامرة كي يصبح مستقبلاً لائقاً بالحياة.
بعد أيّام معدودات، يشيّع حزب الله أمينه العامّ، الذي كان يتمتّع بمواصفات كاريزميّة لا تخفى على أحد. طبعاً، من الضروريّ بمكان أن يدفن الحزب السيّد حسن نصرالله وسائر شهدائه بكلّ ما يليق بهذه المناسبة من إجلال ومهابة، لا لأنّ الدفن حقّ لموتانا علينا فحسب، بل لأنّ البكاء على الأحبّة الذين رحلوا شرط لا مفرّ منه كي تستمرّ الحياة، وكي نتصالح مع الحاضر ومع المستقبل. بيد أنّ ما يتعيّن كذلك على الحزب القيام به هو أن يدفن أيضاً محطّات من تاريخه القديم إلى غير رجعة. فهذا التاريخ ليس مضمّخاً بعطر الشهادة فحسب، بل ملطّخ أيضاً بالممارسات الميليشاويّة والاحتكام إلى منطق القوّة على حساب القانون. ربّما يكون ما يحتاجه الحزب في المستقبل القريب شخصيّة كاريزميّة من نسيج آخر تمتاز بالرهان على مستقبل من نوع آخر، وذلك انطلاقاً من نزع الصفة الأسطوريّة عن الصورة التي ما زالت تهيمن على حزب الله حتّى اليوم. إذا تسنّى له هذا، فإنّ المحصّلة ستكون القيامَ بأمر يشبه ما سارع إليه الخليفة أبو بكر من دفن للماضي بغية توثّب الجماعة نحو حقبة جديدة، حتّى ولو كان هذا الماضي عنوانه الموت.. موت الرسول ونبيّ المسلمين.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top