2025- 03 - 11   |   بحث في الموقع  
logo في أجواء القطاع الغربي.. هذا ما تفعله إسرائيل! logo ما حقيقة دمج السويداء مع إدارة دمشق؟ logo كلاس لميقاتي: اشكرك على كل ما تحملته وبذلته لتنقذ الوحدة الوطنية logo بن غفير ينتقد ضعف الحكومة الإسرائيلية في لبنان! logo تعاون أميركي-فرنسي مع اليونيفيل لتنفيذ القرار 1701 logo بعد تسلّم الأسرى اللبنانيين... بيان من رئاسة الجمهورية! logo من اليونيفيل.. 20 ألف ليتر من المياه الصالحة للشرب إلى سكان رميش logo سفراء اللجنة الخماسية عند بري: لضرورة الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب
الإسماعيلي المغضوب عليه (2/3)
2025-02-16 10:55:49


بعد الجزء الأول من "هامش من سيرة الآغا خان" زعيم الاسماعيليين الذي رحل قبل أيام، هنا الجزء الثاني.برفقة الشاعر أكرم القطريب، في السنة الثانية من عقد التسعينيات، نمضي إلى شارع "القبلي" لنزور الدكتور سامي الجندي، الطبيب والسياسي والمثقف السوري. كان الرجل متقاعداً، يقضي وقته بالتأمل والقراءة، وبذاكرته الحاضرة حكى لي عن قرابتنا، وعن عائلة واحدة انقسمت في وقت ما بين الجندي وسفر، بعد أن كان اسم الجد الأكبر الجندي سفر.
سأتذكر هذا اللقاء كثيراً كلما مرَّ شيء يخص المثقفين "الجنود" المعروفين في سوريا وفي الوطن العربي من خلال دورهم الثقافي، والمشهورين في موطنهم بمعارضتهم للنظام، بعد أن ساهم بعضهم في تثبيت سلطة البعث، وانتحر أحدهم هو عبد الكريم الجندي صبيحة يوم 2/3/1969 في مكتبه بدمشق احتجاجاً على تمدد سلطة وزير الدفاع حافظ الأسد، ومحاولاته المستميتة للسيطرة على الحزب والدولة.فكرة انقسام العائلة ذاتها بدت لي موضوعاً يستحق الدراسة، فالطائفة الإسماعيلية انشطرت عدة مرات، وهذا شأن تاريخي مستمر حتى الآن. ففي سلمية، هم "آغاخانية"، بينما في القدموس ومصياف هم "مؤمنية". ويرجع الأمر إلى قرارات مختلفة اتخذها شيوخ هاتين المنطقتين بعدم الاعتراف بالإمام الحاضر الموجود، على عكس أقاربهم في سلمية. وقد انعكست المسألة على العبادات، فصار هؤلاء أقرب للسنّة رغم معتقدهم الإسماعيلي!
في وقت لاحق، انقسمت العائلات في سلمية أيضاً، ليس لسبب ديني، بل بدفع من نوابض سياسية طبقية. فخلال سنوات الانتداب الفرنسي، ومع انقسام الوجهاء والأعيان بين حزبي الشعب والكتلة الوطنية، وجد الشباب السلموني، كما غيرهم في طول البلاد وعرضها، ممثليهم في أحزاب شابة كالحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث والحزب الشيوعي. وعلى جمر المناكفات المحلية بين "الأُمار" (أي الوجهاء الأمراء الإسماعيليين) والفئات الصاعدة، حدث انقسام محلي. فقد وجد البعض أن أفضل طريقة للتحرر من سلطة الديني المهيمن، هي التوجه نحو الضفة الثانية، فكان أن صار في العائلة الواحدة مسلمون إسماعيليون ومسلمون سنة.
(اللواء مصطفى شربا)لم يكن الدافع لهذا الأمر الخلافات السياسية والأيديولوجية فحسب، بل إن هناك شريحة رأت أن توجهات العصرنة والتحديث لدى الآغا خان الثالث، ومن بعده حفيده كريم آغا خان، تبتعد عن المفاهيم المجتمعية السائدة آنذاك. ولهذا كان لا بد من المضي إلى الجهة الأخرى. فعلى سبيل المثال، أخذت قضية التعامل مع حرية النساء مساحة جدال بين أتباع العائلة الآغاخانية والمسلمين من الطوائف الأخرى. فقد أوعز الجد وكذلك الحفيد للطائفة بأن يكون التعامل مع المرأة مبنياً على احترام حريتها. وعُرف عن كريم شاه قوله: "لا تخبئوا وتغطوا النساء، علموهن، لا تضغطوا عليهن، ولا تتزوجوا إلا زوجة واحدة".لكن المفارقة الكبرى أن الانقسام لم يعنِ في أي وقت من الأوقات الصراع بين المنقسمين، بل إن المشهد التعددي أمسى في وقت لاحق كناية عما يمكن أن تكون عليه الحياة السورية المأمولة. كما أن المنطقة، التي خاضت كما كل المناطق في عقابيل حرب الأسديين على السوريين الثائرين، لم تشهد احتكاكات بين الطوائف المتعددة فيها (أي الإسماعيلية والسنة والعلويين وغيرهم). بل إن السرديات المتاحة تحكي عن أن الموقف من الثورة كان يجمع كثيرًا من شبابها، في مواجهة شريحة أخرى عابرة للطوائف أيضاً، كانت تبرر انحيازها للأسد بحجج كرسها إعلامه عن الإرهابيين التكفيريين، وغير ذلك.
(عبد الكريم الجندي)وفي الوقت الذي توجه المجتمع المحلي نحو إغاثة النازحين القادمين إلى سلمية، وهم في غالبيتهم من السنة، كان المخبرون والشبيحة وعناصر الدفاع الوطني يريدون من السلامنة أن يتحولوا إلى قوة قاهرة للمستضعفين. لكن شيئاً لم يحدث على العموم وفق نواياهم التخريبية. وحين كانت ورقة الآغا خان تُرمى على طاولة الصراعات بين الثائرين وبين الأسديين، كان هناك عقلاء يسحبونها بهدوء من بين الأيدي.موقف كريم شاه المرحب بطموحات الشباب الثائر في الربيع العربي، بحسب ما أفصح في مقابلة أجرتها معه الصحافية الراحلة جيزيل خوري، لم يؤدِّ إلى تحول ما في موقف المؤسسة، بعد أن قرر مركز الإمامة لعب دور الحياد الإيجابي، عبر تفعيل عمل مؤسسة الآغا خان التي قدمت الخدمات للمجتمع المحلي من دون تفريق بين الانتماءات الطائفية.مفصل آخر تحمله لي، وبشكل دائم، زياراتي المتكررة لسلمية، ويرتبط أيضاً بالشق السياسي. يأتي من أن العائلات السلمونية نُكِبَت منذ زمن الأسد الأب بوجود معتقل سياسي ينتمي لها. وفي أوقات متعددة، كنت أجلس مع أمهات أو أخوات أو زوجات لمعتقلين، يدعين لله أن يُفرِج عن أحبابهن في المعتقلات. وعلى الجدران، كنتَ تجد صوراً للإمام كريم، الذي تولى منصبه منذ نهاية العام 1957، أي في الوقت ذاته الذي كان فيه ضباط سوريون من أصحاب الدم الساخن، من بينهم إسماعيليون، ينوون تسليم سوريا إلى جمال عبد الناصر في إطار الوحدة بين سوريا ومصر.
(مدينة سلمية تشيع الشهيد ملهم رستم)لم يطل الوقت بهذه المغامرة السياسية كثيراً كما هو معروف، لكن في المرآة الإسماعيلية سيظهر المشهد السوري محتدماً بالصراعات، وبالأذى المتوقع من انفلات النزعات التسلطية لدى العسكر الأيديولوجيين. ولهذا، كان لا بد من انتقاء مواضع الاهتمام كي يبقى الدور "الإمامي" حاضراً في الحياة اليومية لأبناء الطائفة. ولكن لم يكن بإمكان إدارة المركز لهذه الشؤون من دون أن يتولاها أشخاص يعملون مع الأسد الأب، مثل اللواء مصطفى شربا في نهاية السبعينيات (عمل والدي في مكتبه لفترة وجيزة كسائق ومرافق في جولات المحافظات، ومنظم للمواعيد).وآخرون عملوا مع الابن، كاللواء محمد مفضي سيفو، الذي تولى ترتيب العلاقة بين الجهتين وضخ الدم فيها بعد فترة طويلة من البرود، ونتج عن ذلك توقيع اتفاقية التعاون من أجل التنمية في عام 2001 التي صادق عليها مجلس الشعب في عام 2002.هكذا، وضمن حالة التفاؤل بالحكم الجديد في عام 2001، زار الإمام سوريا، والتقى ببشار الأسد، وبدأت مؤسسته بالعمل بشكل رسمي دون عوائق، وتكررت الزيارة في عام 2008.لم يكسب الإسماعيليون ميزات خاصة من وراء هذه العلاقة، بل إن ما جرى على الآخرين من فوائد جرى عليهم من دون ميزات إضافية. فلم يُفرَج عن السجناء السياسيين، وبقيت علاقات أبناء الطائفة مع النظام متوترة، بناءً على خلفية صراع طائفي بينهم وبين العلويين وقع قبل عشرات السنين. ولم يغيّر وجود بعض الشخصيات من الطائفة في مناصب حساسة من الواقع القمعي شيئاً. ولعل هذا ما كانت تنتهي إليه دعوات أمهات المعتقلين اللواتي كنّ يرجون من الإمام أن يتدخل في لحظة ما من أجل إنقاذ أولادهن من العقاب الأسدي اللئيم، إذ لا يعقل أن يُقَابَلَ تمرد شباب يعيشون فورة إيديولوجية يسارية غير مسلحة بجزاء كهذا، يَحرِمهم من ضوء الشمس عشرات السنين!
لكن فعالية الإسماعيلي الآغا خاني ابن النظام، ومثيله الإسماعيلي "المتسنن" كانت محدودة، وربما حدّها هو ذاتياً كي لا يُسَجَّلَ عليه أنه يساعد بعض المعارضين.في عام 1997، وبعد أن عملت في التلفزيون السوري سنتين بشكل مؤقت، بانتظار موافقة الأمن السياسي، جاء الرد بالرفض، ووُضِعَ اسمي على الباب ممنوعاً من الدخول. وبقيت بعد ذلك ستة شهور محاصراً؛ فأنا مطلوب للخدمة الإلزامية، ولا أملك موافقة من أجل العودة إلى العمل. حاولت أمي التواصل مع معارف العائلة، عسى أن يمدوا يد المساعدة، فلم يُبدِ العميد محمد درويش، رئيس فرع سرية المداهمة، حماساً يُذكر. بينما حاول مدير تحرير جريدة الثورة -حيث كنت أكتب- قاسم ياغي (الحجي كما يلقبه السلامنة) مساعدتي عبر مقابلة اللواء محمد مفضي سيفو، نائب رئيس شعبة الأمن السياسي. ولكن المقابلة، التي لم تستمر سوى ثوانٍ معدودة، بعد انتظار وترقب في غرفة أحد عناصر الفرع، انتهت بنتيجة بائسة، حيث أخبرني بوجه متجهم أنني لا أستحق الموافقة؛ لأن أحد أفراد عائلتي كان سجيناً سياسياً.
لم أستسلم. وبمعاونة من أصدقاء محترمين من كل الطوائف (الكاتب محمود عبد الكريم، المخرج الراحل يافع ناصر، الكاتب والإعلامي مروان ناصح) تولت المذيعة الراحلة هيفاء يونس التواصل مع رئيس شعبة الأمن السياسي عدنان بدر حسن، الذي أوعز إلى مدير مكتبه أن يحل القصة، ولكن الحل تعسّر قليلاً بسبب تمنّع رئيس فرع المدينة!القصة الطويلة التي سأرويها في وقت آخر، انتهت بالحصول على الموافقة، ولكن بعد فوات الأوان، حيث ألقت الشرطة المدنية القبض عليّ، وساقتني مخفوراً إلى القضاء العسكري في المزة، حيث قضيت ثلاثة أيام لاحقة في ثلاثة سجون عسكرية، قبل أن يُطلَق سراحي بوصفي مجنداً محكوماً بالسجن 10 أيام زجّاً، بسبب تخلفه عن أداء الواجب الوطني.لم أتوقع الحصول على معاملة مختلفة عن أي سوري، بحسب الزعم السائد بأن كونك من حلف الأقليات (عدس: علوي، درزي، إسماعيلي) يمنحك وضعاً مختلفاً عن أبناء الأكثرية في سوريا. فقد بقيت أعمل لأكثر من عشر سنوات بصفة "على الإنتاج"، أي من دون توظيف.
وفي الأيام الأولى للثورة، همس لي أحد مؤيدي النظام بأن الأزمة ستصبح طائفية، وأن عليّ أن أقف على الحياد، وإلا فإنني سأصبح هدفاً لشبيحة مبنى التلفزيون. حاولت المراوغة، لعل الأمور تنتهي سريعاً، لكن بعد شهور وصلت في النهاية إلى النتيجة الحتمية؛ هذا نظام لا يهمه سوى الولاء. ومواجهته تفرض إعلان الموقف، وإن كان عبر الدائرة الضيقة من المعارف إن كان في دمشق، أو في سلمية التي كانت تخرج كل جمعة للتظاهر. وهكذا سنطوي الدرب صوبها، كي نشارك ملثمين في جمعة "ارحل" هتافات أبناء المدينة وهم يعبرون شوارعها غاضبين.


المدن



كلمات دلالية:  أي سلمية كما الآغا خان دون لكن وقت
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top