تعيش اللاجئة الفلسطينية في مدينة صور مريم عكاوي درجة عالية من القلق إثر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجميد مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، بعد أن حازت على منحة من الوكالة لدراسة المختبرات الطبية بالجامعة الأميركية في بيروت، لكن تجميد المساعدات ربما يضع حداً لمسيرتها التعليمية في الجامعة وهي على أبواب الفصل الأخير. أضرار قرار ترامب لا تقتصر على الطلاب بل تطال العديد من برامج الأونروا، وكذلك عمل الكثير من المؤسسات الفلسطينية، كما يشكل القرار تهديداً مباشراً بفقدان مئات الوظائف التي يحتاجها المجتمع الفلسطيني بشدة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان.انعكاس القرار على الطلاباستطاعت الطالبة الفلسطينية مريم عكاوي، المقيمة مع عائلتها في مدينة صور، الحصول على منحة جامعية كاملة عام 2022 من الوكالة الأميركية للتنمية، بفضل تفوقها، وما تقدمه الوكالة من منح لعشرات الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين في لبنان. لكن بعد قرار ترامب وصلت رسالة لمريم من الوكالة عبر البريد الإلكتروني تبلغها بأن الفصل الدراسي الحالي سيجري تغطيته من الناحية المالية، لكن دون إعطاء أي ضمانات حول الفصل المتبقي.وتقول مريم إن المنحة المعطاة لها تشمل الأقساط والكتب والمواصلات والمصروف الشهري. وتبلغ أقساط الفصل المتبقي بحدود 18000، وتعتبر المبلغ خارج قدرات التحمّل "فوالدي يعمل معلماً في التعليم الخاص، وهو بالكاد يستطيع تأمين المصاريف العادية. وهناك ما يزيد عن 20 فلسطينياً حاصلين على منح من الوكالة يتلقون تعليمهم في الجامعة الأميركية، ولا أعرف أياً منهم يستطيع الاستمرار في التعليم بالجامعة نفسها بمعزل عما تدفعه الوكالة". وتضيف أن وكالة التنمية أغلقت موقعها، ولم تعد تجيب على الرسائل، مما ضاعف القلق على مستقبلها التعليمي.الجمعيات والمشاريع في المخيماتالكثير من الجمعيات الفلسطينية تتلقى دعماً غير مباشر من وكالة التنمية الأميركية، خشية تعرّضها للنقد أو الاتهام، لذا يكون الدعم غالباً من خلال منظمات تابعة للأمم المتحدة أو مؤسسات دولية، مع أن الجمعيات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تفضّل الدعم المباشر من الوكالة دون أن يشكل ذلك حساسية كبيرة لها، فتبرعات الوكالة للضفة وغزة منذ عام 2021 حتى نهاية 2024 زادت عن 600 مليون دولار.وعلمت "المدن" أن اليونيسيف أبلغت كل الجمعيات التي تعمل في الوسط الفلسطيني في لبنان والمدعومة من وكالة التنمية من خلالها بإيقاف التمويل، وحذت حذوها معظم الجمعيات الدولية التي تتلقى الدعم من الوكالة. وهذا الأمر أحدث إرباكاً كبيراً في إدارة عشرات المشاريع في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وفرض سؤالاً حول مصير مئات الموظفين. وسبق لـ"المدن" أن قدّرت في تحقيق سابق قيمة ما تنفقه المؤسسات في المخيمات سنوياً بما يقارب 144 مليون دولار. وأكدت المتحدثة الإعلامية باسم الوكالة هدى السمرا بأن ميزانية البرامج في الوكالة لعام 2022 بلغت 100 مليون دولار، فيما بلغت ميزانية المشاريع بما فيها نداءات الطوارئ 90 مليون دولار، لتصبح الميزانية الكلية للوكالة في لبنان 190 مليون دولار.مسؤول العلاقات العامة بمؤسسة شاهد لحقوق الإنسان محمد الشولي لفت في حديث لـ"المدن" إلى أن انعكاس الخطوة على مشاريع الأونروا سيكون كبيراً. فـ"وكالة التنمية تقدم منحاً تعليمية جامعية لوكالة الأونروا، تُضاف لمنحها الخاصة، وهذه المنح تشمل أهم الجامعات في لبنان، وتغطي الأقساط والمصاريف والمستلزمات. كما أن جمعيات المجتمع المدني ستتأثر كثيراً، وخصوصاً من يتلقى دعماً من مؤسسات دولية كإنيرا والونيسيف. ولا يخفى أن جمعيات ومؤسسات محلية أوقفت برامجها مباشرة بعد قرار ترامب. ومن المتوقع أن يكون التأثير الأكبر على مشاريع داخل مركز سبلين للتدريب المهني، وهي ممولة من وكالة التنمية".ورأى أن "ما يجري خرق فاضح لكل المواثيق والأعراف الدولية، وهو إجراء تعسفي ظالم، لا يراعي ولا يكترث لأوضاع الشعوب المأسوية، وهو خارج المعايير الإنسانية والبديهيات، ويحدث اضطراباً في العلاقات الدولية والعلاقات بين الدول والمؤسسات".تأثر الخدمات والتنمية الاجتماعية والعملتجزم مديرة مؤسسة التعاون فرع لبنان سوسن المصري في حديثها لـ "المدن" بأن الجمعيات التي تعمل بالوسط الفلسطيني في لبنان ستتأثر تأثراً كبيراً بتعليق تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) "فهذه الجمعيات وإن كان معظمها لا يتلقى تمويلاً مباشراً من الوكالة، لاعتبارات عديدة، لكنه غالباً يتلقى تمويلاً غير مباشر". تضيف أن "انقطاع هذا التمويل سيترك أثره في مجالين اثنين، أولها من حيث الخدمات المقدّمة ونوعيتها والتنمية الاجتماعية، وثانيها من خلال التأثير المباشر على مستوى تشغيل عدد كبير من الفلسطينيين العاملين في مجال الخدمات الاجتماعية بالمؤسسات الأهلية في الوسط الفلسطيني".ومؤسسة التعاون تُعتبر من أكبر الجمعيات العاملة في الوسط الفلسطيني بلبنان. وتضرب مديرة فرعها المصري مثلاً بمؤسستها التي ستتأثر رغم تنوّع مصادر دخلها، وتعدّد جغرافية مموليها، وحصولها على دعم من أفراد ومؤسسات كثيرة. إلا أنها سوف تتأثر من جراء قطع التمويل غير المباشر. "ومن المشاريع التي يمكن أن تتأثر لو جزئياً مشروع دعم التعليم في الطفولة المبكرة. فهو يهدف إلى دعم الروضات الفلسطينية من خلال تحسين نوعية التعليم من حيث التدريب وإعادة التأهيل والتزويد بالموارد المناسبة، والمساهمة في دعم رواتب ما يقارب 400 من الطاقم التعليمي والإداري. ويصل عدد الروضات المدعومة إلى حوالي 50 روضة تتوزع في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان".وتلفت المصري إلى عدم استفادة الفلسطينيين من الدولة اللبنانية من رعاية وصحة وتعليم، يُضاف إلى ذلك أن الأونروا نفسها تتعرض لضغط كبير ونقص بالتمويل. وهذا يجعل الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية تحت ضغط أكبر لتلبية احتياجات المجتمع الفلسطيني في لبنان. كما يجعلهم أكثر هشاشة في مواجهة تغير مزاج أو أهداف أو توجهات المانح الدولي. لذلك ترى أنه لا بد للجهات المانحة والمؤسسات الدولية الدعم والمساندة لتلبية الاحتياجات بشكل عاجل وأن تقف عند مسؤولياتها.