أظهر انعقاد منتدى حوكمة الإنترنت في لبنان، على مدى يومين، مدى ابتعاد الواقع اللبناني عن التطور التقني المرجو على جميع الأصعدة التربوية والتعليمية والأكاديمية، وعلى صعيد الوزارات والمؤسسات العامة، وتشريعات القوانين التي يجب أن تلائم واقع التطور الرقمي، لأنه من غير المنطقي مناقشة موضوع الذكاء الإصطناعي والإحتفاء بمقعد وزاري خاص به، في حين ما زال لبنان عبر برامجه التعليمية سواء المدرسية والأكاديمية، يعتمد التلقين بعيداً من التعليم التفاعلي، كما يبقى العمل الورقي مهيمناً على المؤسسات العامة.
وفي محصلة المنتدى والنقاشات الهامشية يمكن القول، أنه بعد أكثر من عشرين عاماً من التداول في مفهوم التحول الرقمي والحكومة والحوكمة الرشيدة، لم يُقرّ سوى القليل من القوانين المعنية التي لم تأخذ مراسيم تطبيقية بمعظمها، كما أن البيئة القانونية في لبنان بقيت بدائية على هذا المستوى ولم تعط أهمية، وربما عن قصد، لمفاعيل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في محاربة الهدر والفساد ودعم الشفافية وبناء مؤسسات الدولة المنهارة التي نخرها النهب والمحاصصات لعقود طويلة من الزمن.المنتدى الذي حمل عنوان "نحو بيئة رقمية مرنة وعادلة في لبنان"، كان من تنظيم هيئة "أوجيرو" "ومجتمع الإنترنت" ومؤسسة "مهارات" ومؤسسة "سمكس". وشارك فيه مهتمون من المجلس النيابي وقطاع الأعمال، والمجتمع المدني والمجتمع التقني، وأكاديميين، ومنظمات دولية وإقليمية، وصانعي قرار وخبراء في مجال حوكمة الإنترنت في لبنان.وسلط المنتدى الضوء على استراتيجيات وخطط موضوعة منذ سنوات للنهوض بالبيئة الرقمية، والتحول الرقمي في لبنان، واتضح أن غالبيتها كانت حبراً على ورق، أو منقوصة، كإستراتيجية التحول الرقمي والأمن السيبراني الموضوعة منذ العام 2019، وقانون التوقيع الإلكتروني والحكومة الإلكترونية، وقانون حماية البيانات الشخصية.وتحدثت المنسقة الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات ورئيسة اللجنة الوطنية للأمن السيبراني التابعة للأمانة العامة للمجلس الأعلى للدفاع، لينا عويدات، عن مساهمة التحول الرقمي في تحسين الخدمات والعمليات والتواصل بين المؤسسات والمواطنين.وأشارت عويدات إلى أن لبنان "يواجه كثيراً من التحديات، مثل ضعف البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن الإلكتروني والحماية من الاختراقات والهجمات السيبرانية، وغياب التشريعات والسياسات اللازمة لأجل تعزيز الرقمنة وحماية حقوق المستخدمين والبيانات الشخصية". مضيفة أن "التحديات الاقتصادية وضعف الموارد المالية تؤثر في قدرة الاستثمار وتطوير البنى التحتية الرقمية ونشر الوعي والتدريب للتأقلم مع التغيرات التقنية المعاصرة".وعلى لسان نواب من لجنة التكنولوجيا والمعلومات في المجلس النيابي، أقر النائبان الياس حنكش ورازي الحاج، أن الحوكمة الرقمية تبقى مشروعاً عالقاً في أدراج المجلس النيابي، وأن أي تطور يلامس مشاريع، من ناحية إقرارها مثلاً، يأتي بعد فوات الأوان بشكل يستلزم إعادة تعديلها بسبب التطور التكنولوجي اليومي السريع.وأوضح النائب حنكش مثلاً أن التصويت الإلكتروني البرلماني في الجلسات العامة غير مفعل رغم أنها تقنية موجودة في المجلس. مضيفاً: "هي وسيلة يجب أن تكون واضحة للشعب اللبناني، لمعرفة اي من النواب والكتل النيابية صوّت على القوانين التي تهم اللبنانيين".وتحدث حنكش، "عن ضرورة أن تكون محاضر اللجان النيابية غير سرية، ومتاحة للمواطنين والصحافيين كمصادر مفتوحة، وكحق للوصول إلى المعلومات، لتعزيز مبدأ الشفافية". وانتقد حنكش بشدة النهج السائد في المجلس النيابي والذهنية التقليدية، والتحكم به وإغلاقه في وجه التشريع التي تعيق عمل النواب.وبحسب النائب الحاج هناك 38 مشروعاً الكترونياً ورقمياً في المجلس النيابي غير مفعلة، لأن "التأسيس لتحول رقمي مستدام وفعلي والتحول الرقمي هو عمل شاق يحتاج لقرار سياسي".إلى ذلك، حضر المنتدى، ممثلون عن الأمن العام اللبناني، لشرح آلية عملهم والوحدة المخصصة بالأمن السيبراني. وعرض النقيبان ملاك شرف وعلي الأزوري، دور الوحدة على صعيد حملات التوعية بشأن الإبتزاز الإلكتروني، وكشفها صفحات إكترونية التي كانت وراء تجنيد بعض العملاء في الحرب مع إسرائيل مؤخراً. وحذرت شرف من خطورة الألعاب الإلكترونية بوصفها أيضاً "مسرحاً للأعمال الإرهابية وصفقات تجارة وتعاطي المخدرات".ومن ضمن الجلسات الحوارية التي أقيمت في المنتدى، شدد مسؤول الإبتكار والتحول في الجامعة الأميركية في بيروت، يوسف عصفور، على ضرورة تطوير التعليم ليتطابق مع العصر، وليس التركيز على السياسات والقوانين فقط. موضحاً: "نريد أن نرى تقنيات تساعد على ابتكار في التحول الرقمي بين القطاع العام والخاص، تحديداً في موضوع التعليم والمناهج التعليمية والأكاديمية".والحال أن نقاشات المنتدى دارت في فلك واحد، وكلها يواجه عوائق أساسية يعانيها لبنان، أبرزها البنى التحتية التي تشمل موضوع الكهرباء والانترنت وانقطاع الوقود، وكلها تعيق التطور على جميع الأصعدة. والسؤال هنا: "كيف يمكن الحديث عن تحول رقمي من دون كهرباء وانترنت واتصالات متوافرة للجميع؟".وعليه، تطرق المجتمعون إلى أن "استراتيجية التحول الرقمي لا يمكن أن تمر من دون أي دراسة لملاءمتها لفئات معينة، مثل كبار السن وأشخاص من ذوي الإعاقة والمواطنين في المناطق النائية". وفي لبنان أمثلة عن المككنة والتحول على صعيد المعاملات الرقمية، إلا أنها مشاريع أنجزت وتوقفت بسبب توقف تمويلها، أو بسبب مغالطات تتعلق بأمنها الرقمي، منها مكننة وزارة العمل ومحاكم العدل، ومشروع "دولتي"، في حين ما زال قسم تقديم الشكاوى الإلكترونية في وزارة الإقتصاد فعالاً.