2025- 02 - 16   |   بحث في الموقع  
logo حزب الله والحكومة: صراع الهيبة وكسر المعادلات أم التأقلم؟ logo احتجاجات المطار رسائل سياسية للجهة الخاطئة: اسألوا برّي logo ظهور مجرمي النظام وإعادة تدوير الفاسدين.. التسويات تقلق السوريين logo تأثير ترامب المدمر على العملة الإيرانية logo فضل الله: لعدم تحويل الجيش إلى أداة قمعية تسقط أمام ارادة الشعب logo ما حقيقة خبر استهداف النائب محمد رعد بغارة جرجوع؟ logo قطع طريق جسر سليم سلام logo فنانة لبنانية تغني داخل طائرة.. فيديو رائع!
خاتم مورغان أورتاغوس: الترميز الديني في دلالاته السياسية
2025-02-15 13:25:45

قبل أيام، الجمهور اللبناني منهمكاً بتفاصيل صورة المبعوثة الأميركية إلى لبنان، مورغان أورتاغوس، وهي تصافح رئيس الجمهورية جوزاف عون، وفي اصبعها خاتم النجمة السداسية المنسوبة إلى النبي سليمان. ومردّ هذا الانهماك الشعبي الذي احتلّ حيزاً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، هو تداعيات هذا الرمز، وما استولده من انطباعات سياسية سلبية، ذات صلة بالدور الدبلوماسي الذي أُنيط بأورتاغوس في هذه الفترة المصيرية التي يعيشها الوطن، وما يتعلق بهذا الدور من نتائج جسيمة على الوضع اللبناني الراهن.تركّزت أبصار اللبنانيين على شكل الخاتم السليماني الذي تفترض العقلية الشعبية أنه رمز يهودي موروث، ويوحي بإشارات جِسام لما ينتظرنا من مخاطر مفترضة، معطوفة على حديث المندوبة الوقح، في باحة القصر الجمهوري. وطبعاً يحق للمرء أن يتساءل عن الغاية بتحلّيها به في هذا الوقت بالذات، وإن كان مقصوداً أم لا. بيد أنّه في الحالتين مناسبة تشرّع لنا باب الحديث عن وظيفته السياسية والثقافية، كما عن سواه من رموز دينية تستخدمها المجتمعات بطريقة أو أخرى، للتعريف عن ذاتها، وأحياناً تدخل في بناء سياساتها وعلاقاتها مع الآخرين. أما خاتم سليمان بشكله السداسي، فهو مؤلف من مثلّثين متراكبين، أحدهما إلى أسفل، والآخر إلى أعلى. وهو غير مقتصر على الديانة اليهودية، بل هو رمز عالمي موجود في معظم الروحانيات الشرقية القديمة والوسطى، وتُنسب إليه أصول سحرية، ويُستخدم في الطقوس الباطنية والغامضة. ورسّخ مكانَته في الديانة اليهودية الملكُ داود، عندما اعتمده رمزاً لمملكته، ودلالة على الميثاق، أو التحالف بين الله والملك الذي يقود شعبه اليهودي إلى النصر والخلاص. وكان يُنظر إليه حتى القرون الوسطى، كرمز وقائي وشفائي، ويُرسم على معظم التمائم اليهودية، بدعوى أنه درع قوي يحمي الناس من الأعداء، ومن غواية السحرة والشياطين. وحثّت كنائس عديدة على التختّم به. وهذا الخاتم المزدوج يثير في رأي العديد من الروحانيات ونزعات التصوف، رغبةَ الإنسان في الارتقاء من الأرض إلى ملكوت الله السماوي. وفي الديانة اليهودية، يمثّل هذا الإزدواج الاتحاد بين الأعلى (قدس الأقداس) أي الله، والأسفل، أي شعب الله المختار (اليهود). كما ترمز هذه الثنائية إلى اتحاد الطاقتين الكونيتين المتقابلتين، إحداهما تتجه إلى فوق وترمز إلى التخثّر والذكورة والوعي، والثانية المتجهة إلى أسفل، ترمز إلى السيولة والأنوثة واللاوعي. وهذا كان سعي الخيمياء (الكيمياء السحرية) التي تبحث عن توحيد الثنائيات، والانسجام بين الروحي والمادي، وخلق التوازن المثالي. الإسلام الشعبيويلعب خاتم سليمان دوراً في الإسلام الشعبي أيضاً، ويُستحضر كنجم خماسي، يُمثّل الأركان الخمسة الأساسية للدين، وهو غني بالدلالات. وقد استُخدم الخاتم في الفن الإسلامي كطلسم في أمكنة عديدة مثل إسبانيا والمغرب والشرق الأوسط. كذلك تروي "ألف ليلة وليلة" قصة الصياد الذي عثر على قارورة نحاسية، حُبس فيها جني شرير، ومختومة بسدادة فلين خُتمت بخاتم سليمان. كذلك، يحتل مكانة في مصادر الماسونية ذات الجذور التوراتية، وبالتحديد في سِفر الملوك الأول، مكانةً أساسية. واشتُهر رمز الخاتم مع التوسّع القوي للحركة الصهيونية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وإقامة دولة إسرائيل على التراب الفلسطيني. وتنطوي روايات إثارة وفانتازيا معاصرة على دور لخاتم سليمان، كما في رواية " شيفرة دافنشي".
يمكن أن يندرج خاتم سليمان، وسواه من الرموز المقدسة في أساسيات الهندسة المقدسة للأشكال، واستخلاص المعاني والدلالات التي يلتمسها العقل الديني والعقل الشعبي منها.بصمة الخليقةوالهندسة المقدسة تيار فكري يعمل على المظاهر الكونية التي رتّبت ونظّمت أشكال الوجود المرئي، من أصغر الجزئيات، مثل جزيئات الحمض النووي، والميكروبات، ثم النباتات، والحيوانات، والبشر، وصولاً إلى أعظمها، مثل النجوم والكواكب والمجرات والمجموعات الشمسية،.. لتحويلها إلى صيغ رياضية ورموز، تُردّ إلى الأنماط الأولية، والأشكال البدائية التي تتفاعل فيها القوى الداخلية والخارجية، لتشكيل خصائصها المعينة. وحسب أفلاطون، فإنّ الهندسة المقدسة هي لغة الروح، وهي الرابط غير المحسوس الذي يوحّدنا بالكون. إنها بصمة الخليقة الموجودة بكل أشكالها في عقولنا وقلوبنا. وهي لغة الكون بين المرئي واللامرئي، أو بين الملموس والمجرد. ويعكس هذا الترتيبُ، التناظرَ بين العالم الأصغر والعالم الأكبر. وهذه الهندسة المقدسة عُرفت عبر العصور، عند المصريين والسومريين واليونان والصينيين الذين استخدموا الهندسة المقدسة في تصميم مبانيهم ومعابدهم. وتقارب الهندسة المقدسة، العالم، باعتباره يعتمد على مخطط هندسي مثالي، هو انعكاس للعقل الكوني. ونلمس هذه النظرة بين مفكري اليونان وفلاسفة عصر التنوير. وبمعنى ما، ينكشف النظام الكوني عن ضرب من ضروب الجمال المرئي والشكل الملموس. وأهم الرموز والأشكال الهندسية الدينية الشائعة في العالم، هو الصليب المعروف قبل المسيحية بوقت طويل، ويرتبط شكله ارتباطاً وثيقاً بالهندسة المقدسة الكونية وسائر الروحانيات والأديان. وعُرف بأسماء مختلفة، بعدما تبنّته المسيحية كعلامة خاصة بها منذ القرن الرابع ميلادي، على يدي الإمبراطور قسطنطين، بعدما تخلّت في السابق عن الأيقونة التي تمثّل السمكة. ومن أنواع الصلبان: الصليب الشمسي، والصليب المعقوف النازي (هاكينكروز) وكذلك صليب سواستيكا واللاتيني والبابوي والمالطي والسالتي واليوناني. وفي مقاربة للمستشرق الفرنسي رونيه غينون، الذي اعتنق الإسلام، وتوفي في مصر العام 1951، يرى في كتابه "رمزية الصليب" أنّ الشكل الصليبي رمز مشترك بين كثرة من الملل والأديان، قبل ظهور العالم المسيحي بوقت طويل. وهو يعتقد أنّ تمظهرات رمزيات الصليب تتفق في المضمون، وتختلف في الشكل. وتشير كلها إلى عقيدة التوحيد التي تمثلها نقطة التقاطع المركزية بين جهتي الطول والعرض، وتتناسب مع ما يسميه التصوف الإسلامي المقام الإلهي، الذي هو مقام اجتماع الأضداد.الأقباطوتعاطى المسلمون القدماء والمسيحيون مع الصليب بطرق شتى، أطرفها ما دوّنه الباحث السوري حبيب الزيّات في كتابه "الصليب في الإسلام"، الصادر العام 1935، واستعاده الراحل لقمان سليم في طبعة مصورة طبق الأصل، حيث يذكر أنّ الأقباط كانوا أسرع النصارى، وأحرصهم على التشبّه بالمسلمين في كل عاداتهم وشاراتهم وأحوالهم، والتمثّل بهم في اختيار الاسماء والكنى والألقاب الإسلامية، طمعاً في مساواتهم معهم. وبالغ هؤلاء في كتابة ألفاظ البسملة في مفتتح التوراة والإنجيل. مع أنّ الزيات يعتقد أنّ البسملة الإسلامية، هي في الأصل محاكاة للبسملة النصرانية التي كانت تبدأ بها قراءة الإنجيل، أو قبل أداء أي صلاة أوعمل، طلباً للتبرّك والتوفيق. وقد جارى بعضُ المسلمين، النصارى، في تعظيم الصليب، والتبرّك به، لا سيما المترددين منهم على الديارات طلباً للتنزّه والترفيه، ومعاقرة الخمرة، ومغازلة الحسناوات. كذلك رفع المسلمون الصلبان على مراكبهم مخادعةً للإفرنجة أثناء حصار عكا العام 586 هجرية، كما سبق لهم، بمن فيهم الصحابة والخلفاء، أن تداولوا الدنانير النصرانية، وعليها رسمُ الصليب، قبل ان يستبدلها الخليفة عبد الملك بن مروان العام 76 هجرية. وكان الشاعر الأخطل يدخل على بلاط الخلفاء، وهو يتقلّد صليباً ذهبياً. ومن مفارقات عصرنا الذي يتميز في العديد من بلدانه بسمات حداثوية علمانية، أنّ غالبية أعلام هذه الدول لا تخلو من وجود رمز ديني. وقد أحصى مركز الأبحاث: pew research centre أعلام 196 دولة في العالم، فتبين له أنّ واحداً من كل ثلاثة أعلام، في أنحاء العالم تشير ألوانه أو خطوطه أو رموزه، إلى دين معيّن، لا سيما الصليب والهلال والنجم.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top