لم يهدأ شارع "حزب الله" بعد، بل علق الحراك الاحتجاجي فقط. فما كشفته مداولات جمهور الحزب وخصومه في مواقع التواصل، تشير الى أن القضية أبعد من معالجة أزمة الركاب اللبنانيين العالقين في طهران، وتتصل بوضعية الحزب، وإيران استطراداً، بعد الحرب.
كان يمكن للسلطات اللبنانية أن تعالج ملف العالقين، منذ الأربعاء، حين حذّر الجيش الاسرائيلي من الطائرة. كان يمكن أن تتواصل مع الجهات الإيرانية، لاجلاء اللبنانيين عبر طائرات الـ"ميدل إيست".. أو أن تسهّل عودتهم عبر شركات طيران عربية، تطير الى طهران وبيروت... وكان يمكن أن يتفهم "حزب الله" المعضلة، قبل أن تتفاقم وتنزلق الى الشارع..
لكن استمهال الدولة اللبنانية، أدى الى استفحال الأزمة. شرّع خطابَين في مواقع التواصل، أوصلا الى الشارع. أولهما، خطاب المظلومية لدى جمهور الحزب، وهو ما دفعه الى الشارع استنكاراً واحتجاجاً.. وثانيهما، خطاب خصوم الحزب الذين اعتبروا الحزب "مهزوماً" في الحرب الأخيرة، مما "يبيح فرض شروط اسرائيلية على حركة الطيران الإيرانية"!
اصطدم الخطابان في مواقع التواصل، مما أجّج النار على طريق المطار، وتمدد الى "الرينغ"، وجسر سليم سلام في بيروت.. يسعى جمهور الحزب من هذا التحرك للتأكيد بأن نتائج الحرب الاسرائيلية العسكرية على لبنان، يجب ألا تُصرف في الداخل اللبناني.. وأن سياق المواجهة العسكرية هناك، منفصل عن حيثية الحزب السياسية في الداخل.
رسالة الاحتجاج هذه، تخطّت حيّزها الجغرافي. خرجت من طريق المطار، الذي يعد أحد أطراف العاصمة، الى مركز العاصمة في "الرينغ" و"سليم سلام". لم تكن الأطراف، في تاريخها، مؤثرة في أي حركة احتجاجية. لطالما كان المركز صندوق البريد الأساسي.. لذلك، انتقلت الرسالة من الضاحية الى وسط بيروت، كي تُسمع بشكل أوضح.
وتفيد الرسالة بأن الحزب ما زال يمتلك "أصولاً" يستطيع تحريكها، لمنع الاعتقاد بهزيمته. يمتلك القوة الشعبية القادرة على إثارة الارتباك في العاصمة، وأن تقلق الأجهزة الأمنية والعسكرية، وأن تعطل الحياة، مؤقتاً، ريثما يُسمع صوته، وتحديداً في القصر الجمهوري، والسراي الحكومي.
وما كانت الرسائل لتتنقل من طريق المطار، بعد تدخل الجيش وفضّ الاحتجاجات، الى العاصمة، لولا الرسائل الصادرة عن خصوم الحزب، تلك التي تطالبه بالـ"إذعان" للتحولات الأخيرة، وللمطالب الاسرائيلية، لأنه، حسبها، "مهزوم". خرج جمهوره ليحاول "إثبات" النقيض، فوضع العهد بين فكي كماشة: تهديدات اسرائيلية لا تكبحها الوساطة الأميركية، ونيران تلتهم إسفلت طريق المطار، تؤججها إدانة الحزب على ألسنة خصومه، بـ"انكسار عسكري".
وتلك الإدانة، ليست وليدة لحظة. عالجها الرئيس نواف سلام بالكثير من العقلانية، خلال مرحلة تشكيل الحكومة. أعلن ذلك جهاراً في مقابلته التلفزيونية الثلاثاء الماضي، بقوله إن الطائفة الشيعية مجروحة جراء الحرب، وتعامل وفق هذا المبدأ.
أمام هذا المشهد، يواجه "الحزب" التقديرات بأفوله. عُلّقت الاحتجاجات على طريق المطار، إثر اتصالات سياسية عالية المستوى مع الحزب الذي لم يتبنّ التحركات، بل ترك الأمر لناشطين حشدوا للتظاهرات، وعلقوها كي لا تصطدم مع جمهور "المستقبل" الذي يحشّد لإحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري. واستُؤنفت على إطار ضيق، مساء الجمعة، عبر احتجاجات في الشويفات.