طيلة السنوات الماضية، تنقلّ المدعو (أ.ا) (53 عامًا) بين الأراضي اللبنانيّة والسوريّة برفقة صهره الملقب بـ"الأحمر" لتهريب الأسلحة الحربية وبيعها للتجار في لبنان.
في الحلقة الضيقة بين مهربي الأسلحة، يُعرف (أ) بأنه من كبار تجار الأسلحة الحربية، بضائعه "المميزة" تؤمن من سوريا بأسعار مخفضة، وتُباع في لبنان. تجارةٌ امتهنها لسنوات طويلة وحقق من خلالها أرباحًا طائلة. هذا إلى جانب عمله الأساسي والعلنيّ كخادم في حسينية بلدة إيعات ويقم الأعمال الخيرية للفقراء.
منذ حوالى الأسبوعين، ألقت مخابرات الجيش اللبنانيّ القبض عليه داخل منزله وضبطت أكثر من 70 قطعة سلاح حربيّ وبعض القذائف المُخبئة داخل غرفته. تهريب الأسلحة من سورياوحسب معلومات "المدن"، فإن الموقوف هو رجل دين مُعمّم من ايعات، خادم حسينية في الهرمل، خصّصها منذ سنوات لتقديم الخدمات الخيريّة للفقراء، ويواظب على السفر إلى بلدان عدة وتحديداً إلى أفريقيا، لجمع التبرعات الماليّة، ويرافقه عدد من تجار الأسلحة في جولته التي يفترض أنها دينية.
كان الموقوف يعمد إلى تخبئة الأسلحة المهربة من الأراضي السورية، داخل الحسينية، على اعتبار أنها مكان آمن، ومن شأنه أن يبعد الشبهة عن تحركاته، ثم ينقلها ليلًا لغرفة فارغة في منزله، خصصها لترتيب الأسلحة، وبجانب الغرفة خزنة حديدية ضخمة، ضبط فيها أكثر من مليون دولار أميركي، المرجح أنها الأرباح التي حققها من تجارة الأسلحة المهربة وبعض التبرعات الخيريّة.
في مهمته هذه، يعاونه صهره المعروف بالأحمر، البالغ من العمر 26 عامًا، والمُلاحق منذ العام 2019 من قبل الأجهزة الأمنية، لكونه متوارٍ عن الأنظار منذ أسابيع. وحسب مصادر "المدن" فإن (أ) كان يصرّ على تواجده شخصيّا أثناء استلام الأسلحة من التاجر الذي يتعامل معه من سوريا، وذلك ليتمكن من اجتياز الحواجز الأمنية في الهرمل من دون تفتيش السيارة أو الاشتباه بعمله لكونه رجل دين مُعمم.
عقب سقوط النظام السوريّ، ازدهرت تجارة الأسلحة بشكل كبير داخل الأراضي اللبنانيّة، وارتفعت وتيرة عمله مع الملقب بـ"أبو زينب"، وهو التاجر السوريّ الذي يتولى مهمة نقل الأسلحة الحربية من سوريا إلى الهرمل، وبعد تخبئتها داخل المنزل، تُنقل المهمة الثانية للأحمر المسؤول عن تأمين الزبائن، وهم تجار الأسلحة في العاصمة بيروت.
وحسب مصادر أمنية لـ"المدن" فإن الموقوف وصهره هما من كبار تجار الأسلحة بين لبنان وسوريا، وعملت الأجهزة الأمنية على مطاردتهما منذ فترة طويلة، وبعد مداهمة المنزل عُثر على عدد لا يُستهان به من الليرات الذهبية، التي أتى بها من العراق وأدخلها عبر مطار رفيق الحريري الدولي إلى لبنان، بهدف تزيين منبر الحسينية، وأنها تبرعات خيريّة كان قد جمعها خلال رحلاته الأخيرة.ارتفاع عمليات التهريب!في حديث خاص لـ"المدن"، تشير المصادر الأمنية أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في تجارة الأسلحة الحربية في لبنان، وذلك بعد سقوط النظام السوريّ، وتحديدًا في الأسابيع الأولى، بعدما عمّت الفوضى على جميع المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا وعلى خطوط التهريب أيضًا، وبات تهريب الأسلحة مهمة سهلة للتجار، فاستغلوا الظروف الاستثنائية لتوسيع نشاطهم. وتوضح مصادر مُتابعة أن الأجهزة الأمنية نفذت حوالى 80 مداهمة لتجار أسلحة في لبنان، وصادرت أسلحة فردية بكميات قليلة، ما يشير إلى كونها عمليات بيع فردية ولا تهدف إلى أي أعمال أمنية خطيرة.الأرقام الرسميةووفقًا للأرقام الرسميّة، نفذت الأجهزة الأمنية العديد من عمليات المداهمة والتوقيف لمهربي الأسلحة الحربية من الجانب السوريّ من الخامس من شهر كانون الأول العام 2024، حتى العاشر من شباط الجاري، وهي على الشكل التالي: "في محافظة بعلبك-الهرمل: 22 مداهمة جرى فيها توقيف 8 أشخاص، في البقاع 3 مداهمات وتوقيف شخصين، في عكار مداهمة واحدة، وتوقيف 7 أشخاص، في الشمال مداهمتين فقط".
وتشير المصادر إلى أنه وخلال سقوط النظام السوريّ، تخلص الكثير من عناصر الجيش السوريّ من أسلحتهم الحربية ورموها داخل المراكز الأمنية وفروا لجهات مجهولة، ومن هرب إلى لبنان من بينهم باع بندقيته بـ30 دولارًا داخل الأراضي اللبنانيّة، والأسلحة التي رُميت أعيد بيعها لتجار الأسلحة في لبنان بأسعارمتدنية، أما الطريقة الثانية لشراء الأسلحة من سوريا فهي التعاون بشكل مستمر مع تجار الأسلحة في سوريا، الذين يؤمنون القطع الحربية الثقيلة بناء لطلب التاجر اللبناني وبأسعار مناسبة، وتسلم له داخل الأراضي اللبنانيّة، ويقوم الأخير ببيعها بأسعار مرتفعة.