لم تكن ضمن زيارات التهنئة أو اللقاءات اليومية التي يجريها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، زيارة رؤساء الحكومات السابقين إلى بعبدا. الرئيس عون أراد التشاور معهم، كل بمفرده. استقبلهم تباعاً بعد أيام على تشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، وتحديداً بعد موجة الاعتراضات التي واجهت هذه الحكومة من بعض الكتل النيابية، ولاسيما الكتل السنّية. وأتى توقيت اللقاءات في بعبدا، بالتزامن مع وجود الرئيس سعد الحريري في بيروت في مناسبة الرابع عشر من شباط، لما للحريري من تأثير على الساحة السياسية، ومن امتداد شعبي في الشارع السنّي.
ثقة منقوصةيرى رئيس الجمهورية أن الظروف الراهنة تتطلب تأمين أجواء تساعد على إنطلاقة الحكومة. لكن مواقف الأطراف السياسية التي انقسمت بين التأييد وبين التحفظ على الحكومة وعلى رئيسها، من خلال أدائه مع القوى التي أبقاها خارج التشكيلة، أعطى إشارات مقلقة للرئيس عون حول الثقة التي ستنالها الحكومة في مجلس النواب، وأثار خشيته من حجبها من بعض الكتل، وتحديداً الكتل السنّية.
في معلومات "المدن"، أراد الرئيس عون من خلال هذه المشاورات مع رؤساء الحكومات السابقين، والتي قد تتسع لتشمل غيرهم من القيادات، أن يؤمن مناخاً يسهل عمل الحكومة، خصوصاً وأنها، في معظمها، لا تضم وزراء سياسيين أو مسيّسين. وقد كشفت مصادر مطلعة على أجواء تلك المشاورات أن الرؤساء السابقين من خلال علاقتهم مع القوى السنية، يستطيعون توفير أجواء تمكّن الحكومة من الإنطلاق ومواجهة التحديات والاستحقاقات المهمة والصعبة. وتقول المصادر في هذا الإطار "قد تحتاج الحكومة في المرحلة المقبلة إلى دعم جامع من مختلف الطوائف، وليس من رؤساء الحكومات السابقين الذين يمثلون الطائفة السنّية فقط".يريد رئيس الجمهورية أن تنجح الحكومة الأولى في عهده. ولأنه يرى أنها ستواجه معارضة شديدة من المتحفظين على تشكيلتها وعلى أداء رئيسها، بعدما جاهرت الكتل السنية برفضها اختصار سلام تمثيل السنة بشخصه، وعدم الأخذ بترشيحاتها، ولوح بعضها بحجب الثقة عنها. كل هذه الأجواء السلبية، يحاول رئيس الجمهورية احتواءها وتمهيد الطريق أمام ثقة مسهلة وشبه جامعة في المجلس النيابي، لإضفاء المزيد من الشرعية والتوافق والإجماع حول برنامج عمل ملح وحافل بالأولويات تنفذه حكومة الاصلاح والإنقاذ.أولويات العهدالأولويات متراكمة. أكثرها إلحاحاً استحقاق الثامن عشر من شباط، تاريخ انسحاب الجيش الإسرائيلي الكامل مما تبقى من أراض جنوبية. وسط الحديث الاسرائيلي عن تمديد فترة الإحتلال مرة جديدة إلى الثامن والعشرين من شباط الحالي، تحرك رئيس الجمهورية في أكثر من اتجاه وكثف اتصالاته الخارجية. وعلمت "المدن" أن عون تلقى وعوداً أميركية بأن اسرائيل ستحترم موعد الثامن عشر من شباط، الأمر الذي ترجم بالموقف الاميركي الذي يضغط بهذا الاتجاه. كما ترجم بتوجه رئيس لجنة مراقبة تنفيذ القرار 1701 الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز إلى اسرائيل للغاية نفسها.
في معلومات "المدن" أيضاً أن رئيس الجمهورية الذي تلقى اتصال تهنئة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في مناسبة تأليف الحكومة، اغتنم الفرصة وأعاد التأكيد على موقف لبنان الرافض لتمديد الإحتلال. والرئيس ماكرون قال للرئيس عون إنه أعلن تمسك بلاده بموعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، مؤكداً أنه سيتواصل مع الجانب الاسرائيلي للتشديد على ضرورة التزام تل أبيب بموعد الثامن عشر من شباط.قيادة الجيش والتعييناتإذا مرّ "قطوع" الثامن عشر من شباط بسلاسة، وانسحب الجيش الاسرائيلي من الجنوب، فإن الاستحقاق الثاني الملح والذي يطرح على طاولة مجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الثقة، التعيينات الأمنية.
تعيينات قد تكون ضمن سلة واحدة أو تنجز على مرحلتين. في هذا المجال، كشفتمصادر مطلعة لـ"المدن" أن هناك رأيين قيد النقاش:رأي يعتبر أن الأولوية هي لتعيين قائد للجيش، لما لهذا الموقع من دور ملح ومهم في إطار تطبيق الـ1701 واستكمال انتشار الجيش في الجنوب، ونزع السلاح، إلى مواجهة التحديات الأمنية على الحدود مع سوريا، وربما في الداخل. وبالتالي، وبما أن تعيينات قادة الأجهزة الأمنية الأخرى غير ملحة، يمكن بتها في مرحلة لاحقة.أما الرأي الثاني، فيرى أنه من الأفضل إنجاز التعيينات العسكرية والأمنية ضمن سلة واحدة تشمل جميع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية تطرح في جلسة واحدة لمجلس الوزراء لإقرارها. في كل الأحوال، في ما خص تعيين قائد الجيش، صحيح أن وزير الدفاع هو من يقترح على مجلس الوزراء أسماء المرشحين لموقع القيادة، لكن ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، ولأن الرئيس آت مباشرة من الخدمة على رأس المؤسسة العسكرية، فمن المؤكد أن لديه مرشحاً لهذا الموقع، بات معلوماً في الأوساط المعنية.الأجندة الخارجيةبانتظار البت بالتعيينات، وغيرها من الأولويات التي ستأتي تباعاً، تستكمل دوائر القصر الاستعدادات لجولات رئيس الجمهورية الخارجية المرتقبة. والتي كما سبق وأعلن الرئيس، أنه سيفتتحها بزيارة هي الأولى في عهده إلى المملكة العربية السعودية. زيارة تشكل بوابة لبنان إلى الخارج بعد سنوات من العزلة. تكتسب أهمية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. إذ تؤكد في مدلولاتها السياسية أن لبنان عاد إلى موقعه الطبيعي ضمن المجموعة العربية، من بوابة الدولة الأكثر تأثيراً في المنطقة، والتي يحظى لبنان اليوم بعد انتخاب الرئيس عون برعايتها.
كما تكتسب زيارة الرئيس إلى المملكة أهمية اقتصادية في إعادة وصل ما انقطع بين البلدين، بعدما استخدم لبنان كمنبر لمهاجمة المملكة وتهديد أمنها، وتهريب المخدرات إليها. كما يشكل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي تأشيرة لبنان إلى المجتمع الدولي ومساعداته، فإن تصحيح العلاقة مع المملكة ووضعها على السكة السياسية والاقتصادية الصحيحة، يشكل أيضاً بوابة عودة لبنان إلى العالم العربي ومساعداته واستثماراته. استعدادات الرئيس لزيارته الخارجية الأولى تدل على أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن لبنان اليوم لن يكون إلا جزءًا من المرحلة الجديدة التي تنتقل إليها المنطقة.
رئيس الجمهورية يستعجل نيل الحكومة الثقة في مجلس النواب لكي يبدأ العهد في ترجمة خطاب القسم والبيان الوزاري، في برنامج عمل ستكون اولى محطاته زيارة المملكة العربية السعودية. أما التحديات والمهام فهي أكثر أهمية وإلحاحاً من أن ننتظر طويلاً للتصدي لها.