للمرة الرابعة، يُقدّم حاكم مصرف لبنان السابق، رياض توفيق سلامة، طلبًا لإخلاء سبيله أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت، بلال حلاوي. طلباته السابقة رفضها حلاوي ولم يوافق على تخلية سبيله. في هذه الطلبات، أعلن سلامة عن جهوزيته لدفع كفالة ماليّة مرتفعة مقابل خروجه من السجن، حتى وإن حدّد حلاوي كفالة مالية تبلغ قيمتها 44 مليون دولار أميركي (وهي المبالغ التي اتهم بسرقتها من المصرف المركزي وحوّلها لحسابه المصرفيّ)، لكن سلامة أعلن بوضوح عن رغبته بدفع هذه الكفالة بالعملة الوطنية وليس بالدولار الأميركي، وعلى سعر صرف 1500 ليرة لبنانيّة، بحجة أن الأموال التي أخرجها من المصرف، دُفعت بالليرة اللبنانيّة. ما يعني أن مبلغ 44 مليون دولار سيتحول لـ700 ألف دولار فقط (وفقًا لسعر صرف 1500).ختم التحقيقاتمرة جديدة، مثُل سلامة أمام حلاوي صباح اليوم الأربعاء، 12 شباط، داخل قصر عدل بيروت بعد سوقه مخفور اليدين من غرفته الخاصة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وسط إجراءات أمنية مكثفة، وحضر المحاميان المتهمان بمساعدته في تمرير الأموال عبر حساباتهما المصرفية، مروان عيسى الخوري (وكيله المحامي يوسف لحود)، وميشال تويني الملقب بـ"ميكي" (حضر برفقة وكيله النائب هادي حبيش، والمحامي كمال حيدر)، واستجوبا للمرة الأولى بصفة "المدعى عليهما". وفي نهاية الجلسة ختمت التحقيقات على أن يصدر القرار الظني بعد حوالى الأسبوعين. وقرر حلاوي بناءً للمادة 111 من أصول المحاكمات الجزائية الاستعاضة بتدبير عوضًا عن التوقيف، فترك الخوري بكفالة مالية تبلغ مليار ليرة لبنانية ومنع من السفر لمدة شهرين، وترك تويني مقابل كفالة مالية تبلغ مليار ليرة لبنانية، و2 مليون دولار و89 ألف دولار، ومنع من السفر لمدة شهرين، وأبقى على سلامة موقوفًا. وقرار حلاوي اليوم اتخذ خلافًا لقرار النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم الذي طلب توقيفهما.
في الأسابيع الماضية، طلب حلاوي من نقابة المحامين إعطاء الإذن لملاحقة كل من تويني والخوري للمرة الثانية في مواد جرمية مختلفة، إلا أن نقابة المحامين التي أعطت الإذن في المرة الأولى ووافقت على ملاحقتهما، لم تعط أي جواب لحلاوي طيلة الشهر الماضي، وعلى هذا الأساس اعتبر الأخير أنها موافقة ضمنية لملاحقتهما وبالتالي حدد تاريخ الجلسة.
كفالات مالية مرتفعةخلال تمرير الأموال من حساب الاستشارات إلى حساب تويني وصولًا لحساب الخوري ومن ثم تحويل المبالغ المالية لحساب سلامة، تبيّن أن هناك حوالى 2 مليون دولار أميركي، اختفوا وتبخروا في حساب تويني ولم يظهر لهما أي أثر، ولم يتم تحويلهما لأي شخص آخر. من أجل ذلك، قرر حلاوي وضع هذه الكفالة المالية المرتفعة، أما الخوري فكان شريكًا لسلامة في تمرير الأموال، إذ استخدمه الحاكم لمساعدته في تهريب الأموال.سرقة المال العاميتمسك سلامة ببراءته، مؤكدًا أمام القضاء اللبناني أنه لم يرتكب أي جرمٍ. ويبرّر تويني أنه كُلّف في العام 2015 ليكون وكيلًا ائتمانيًا لتنفيذ عملية تسديد شيكات مصرفية، مؤكدًا أنها أموال خاصة لا تعود للمصرف، باسم الوكيل القانوني لعملاء مستحقة لهم عمولات قانونية بذمة المصرف وهو المحامي مروان عيسى الخوري، وحينها اتفقا مع سلامة الذي أبلغهما أن عملية التحويل قيمة تلك الشيكات ستنفذ من حساب خاص مفتوح لدى المصرف إلى حسابه المصرفي، مؤكدًا لهما أن هذه العمليات ستتم تحت رقابة وإشراف المجلس المركزي للمصرف؛ أي تحت إشراف الحاكم ونائبيه الأول والثاني، ومدير عام وزارة المالية، ومدير عام وزارة الاقتصاد. ويوضح تويني أن المبالغ التي وصلت لحسابه بين عامي 2015-2016 قدرت بـ44 مليون دولار وبناء لطلبات الحاكم أصدر 18 شيكًا مصرفيًا مشطوباً ومسحوبًا على مصرف لبنان لأمر المستفيد الأول الخوري، إلا أنه وخلال التحقيقات أبرز 17 شيكًا فقط، بحجة أن أحد الشيكات لم يعثر عليه وتبلغ قيمته 2 مليون دولار أميركي.
سلامة خارج القضبان؟ في الثالث من نيسان المقبل، يمر على توقيف سلامة ستة أشهر. هذه المعلومة ليست تفصيلًا. في هذا التاريخ سيحدد مصير سلامة. وجاء في المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية عدم جواز تعدي مدة التوقيف الاحتياطي في الجناية فترة ستة أشهر، ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل، وجرائم الارهاب. انطلاقًا من هذه المادة، سيخرج سلامة من خلف القضبان، في حال قرر حلاوي تطبيقها، معتبرًا أن اختلاس أموال المصرف والتزوير واستعمال المزور لا يمكن اعتبارهم من "الجنايات ذات الخطر الشامل". وتشير مصادر قضائية لـ"المدن" إلى أن سلامة يلاحق في ملف آخر لدى القاضي نقولا منصور في بعبدا، وبالتالي في حال أخلى سبيله حلاوي، فسيبقى موقوفًا لحين تسوية ملفه لدى منصور. وهنا يجب أن نذكر، أنه وفقًا للرواية القضائية التي أعطيت لـ"المدن" حين بُرّر نقل سلامة من مديرية قوى الأمن الداخلي إلى مستشفى "بحنّس"، فإنه يعاني من تلاعب في الضغط وبحاجة للرعاية الطبية والراحة وغرفته الخاصة في مديرية قوى الأمن الداخلي لا تناسبه، فهو يشعر بتعب مستمر وبإرهاق وخسر بضعة كيلوغرامات من وزنه علمًا أنه يحظى بامتيازات خاصة، ويسمح له باختيار وجباته اليومية من مطعمه المفضل في بيروت، وبعد إجراء الفحوص الطبية خلال الأسبوع الماضي، أشارت مصادر قضائية لـ"المدن" إلى أن الحاكم قد يحتاج إلى عملية قسطرة القلب (Cardiac Catheterization)، وذلك بسبب انسداد الشرايين في قلبه. على أي حال، يوم تخطى سعر صرف الدولار الأميركي حدود الأربعة آلاف ليرة لبنانيّة، في العام 2020، قال سلامة عبارته الشهيرة: "بكرا الناس بيتعودوا..ما حدا رح يجوع". وكأنه أراد القول أن الشعب اللبناني سيتأقلم مع البؤس. وها هو اليوم يحاول التلاعب والتحايل على القضاء اللبناني لتسوية ملفاته وخروجه من السجن. فهل سيخرج سلامة من السجن بحجة تدهور حالته الصحيّة؟ أم هل ستحدد له كفالة مالية بالليرة اللبنانيّة كما طلب؟ وما لا يجب أن ننساه أن سلامة يلاحق من القضاء الأوروبي بقضايا فساد مالية، ويحق لنا أن نسأل عن أسباب عدم تحريك القضاء اللبناني لملفي "أوبتيموم" و"فوري"، وعن أسباب إصرار القضاء على توقيفه وملاحقته وفقًا لقضية تهريب 44 مليون دولار فقط؟