يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على تشكيل ملامح جديدة للواقع في المناطق التي احتلها أخيراً في سوريا، في إطار خطط للبقاء فيها طويلاً، وفقاً لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين على المستويين العسكري والأمني.
فتح محاور
وذكرت صحيفة "معاريف" العبرية، أن هذا التغيير يتجلّى في المحاور التي شقها الجيش، بين الجدار الحدودي والمواقع السورية التي تمت السيطرة عليها تحت ذريعة "منع الاحتكاك مع المواطنين السورين"، وقالت إن التغيير الذي يُحدثه الجيش لا يقتصر على مجرد احتلال الأرض السورية والبقاء فيها، بل يمتد ليطاول التعدي على الجغرافية والطبيعة السوريتين، حيث أزال، أحراشاً وغابات شكّلت "عائقاً" أمام مجال الرؤية والمراقبة والسيطرة على المكان.
ووفقاً للصحيفة، يدرك جيش الاحتلال، أن إقدام السكان المحليين على تنفيذ عمليات ضد قواته، هو مسألة وقت فقط، لذلك فإن مستوى اليقظة لدى جنود الكتيبة 74 من اللواء المدرع 188 والكتيبة 890 من لواء المظليين الموجودين في المنطقة "العازلة" مرتفع جداً. وقالت إن الجيش لا يعرف كم من الوقت سيُطلب منه للبقاء في المنطقة "العازلة" في سوريا، مضيفة أنه نظراً إلى الوضع الميداني فإنه لا ينوي الانسحاب قريباً.
وواجه جيش الاحتلال في بعض المناطق المحتلة حديثاً رفضاً لوجوده، تمثّل بتظاهرات نظمها سوريون، وسقط فيها جرحى، فيما شددت الإدارة السورية الجديدة على أن سوريا لن تكون منطلقاً لتهديد جيرانها، علماً أن جيش الاحتلال، بدأ يلحظ أخيراً وجوداً للإدارة الجديدة في المناطق الريفية والمدينية السورية القريبة من الحدود. لكن حتّى الساعة، لا احتكاك بين الجانبين.
تطوير المقار والمواقع
وقالت "معاريف" إن الجيش "طوّر" المقار والمواقع السورية، "بشكل كبير"، إذ حوّلها إلى مقار ومواقع له مزوّدة بالوسائل التكنولوجية التي من شأنها أن تتيح له البقاء لفترة طويلة في المنطقة العازلة. بين هذه المقار موقع كودنة، وهو إحدى القلاع التي بناها الجيش السوري قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وقد حاول جيش الاحتلال السيطرة عليها خلال تلك الحرب، غير أن محاولته باءت بالفشل، وبقيت تستخدم في الحرب موقعاً لشن الهجمات الموجهة غرباً نحو إسرائيل.
وأفادت الصحيفة بأن جيش الاحتلال، فتح محاور طرق بين السياج الحدودي وبين المواقع السورية التي استولى عليها، "بهدف منع الاحتكاك غير المحسوب مع المدنيين السوريين". وفي الوقت نفسه، أزال الأحراش والغابات في مناطق مختلفة، لتعزيز سيطرته على المنطقة. ورصد دخول الإدارة السورية الجديدة إلى المناطق الريفية والبلدات السورية القريبة من الحدود، فيما لم يحدث حتى الآن أي احتكاك بين قوات الاحتلال الموجودة في الأراضي السورية وبين قوات النظام الجديد.
وفق الصحيفة، قبل أيام قليلة، وصلت مجموعة من الوجهاء إلى الموقع، وطلبت من قائد الكتيبة المدرعة 74 المقدم أ، وهو قائد القطاع، "المساعدة العاجلة". وأوضح الوجهاء، بحسبها، أن إمدادات المياه لا تصلهم بانتظام منذ أسابيع، وعندما سأل قائد الكتيبة عن السبب، ردوا بأن مضخة البئر المركزية توقفت عن العمل لتعطلها قبل أشهر، في الوقت الذي كان فيه جنود جيش نظام بشار الأسد، في المنطقة. وعندما سأل قائد الكتيبة عن مكان المضخة التي تزود جميع المنازل في القرى والبلدات المجاورة بالمياه، أوضح له الوجهاء أنها موجودة في وسط ساحة موقع كودنة.
وإثر ما تقدّم، استقدم قائد الكتيبة المساعدة من شعبة الوجستيات التابعة للواء، وخلال ساعات أصلح هؤلاء العطل في المضخة، التي زوّدت السكان بالمياه المستحقة لهم. لم يعبأ جيش الاحتلال لأمر السكان حباً بهم، إذا ربما يتخوّف من أن الانقطاع المتواصل للمياه سيشكل سبباً للاحتكاك معه. وعلى الرغم من أن في سوريا ثمة قانوناً يعاقب على قطع الأشجار، تصل عقوبته الإعدام، وفق الصحيفة، اقتلع جنود جيش الاحتلال أشجاراً عديدة بينها شجرة أوكاليبتس ضخمة قل نظيرها.
وفيما سارع السكان إلى جمع الأشجار لاستخدامها حطباً للتدفئة، "يحاول الجيش ألا يحتك بالسوريين؛ حيث يحافظ على مسافة بعيدة منهم، ويترك للإدارة الجديدة إدارة الروتين اليومي في القرى والأرياف".
وسائل راحة
في المقابل، وفّر جيش الاحتلال لمقاتليه الموجودين في خط المواقع العديد من وسائل الراحة، بينها كرفانات وغرف محصنة، ومعدات متطوّرة وأعمدة إرسال، حتّى يتمكّن جنوده من البقاء على اتصال بأفراد عائلاتهم في إسرائيل. وإضافة إلى ما تقدّم، نقل الجيش خزّانات وقود وإمداداً عسكرياً وأغذية تكفي لفترة طويلة، تحسباً لحالة انقطاع الطريق إلى الموقع بفعل ظروف الطقس أو حرب طويلة، وشيّد غرفة طعام على أن يقيم مطابخ ثابتة ليحصل جنوده على وجبات ساخنة يومياً.
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الجيش بدأ استعدادات لوجستية لتعزيز سيطرته على الجانب السوري من جبل الشيخ ومحاولة التكيف مع الثلوج في المنطقة، وسط تحذيرات إسرائيلية جديدة إلى قائد الإدارة السورية الجديدة، من وصول من تصفهم بـ"الجهاديين" إلى جنوب سوريا.
ووفقاً للصحيفة، شرع الجيش الإسرائيلي بعملية لوجستية "معقّدة"، شيد خلالها مقار عسكرية وبنى تحتية على قمة جبل الشيخ، ومن ضمن ذلك الجزء المحتل منه حديثاً، كما قالت إن قسم التكنولوجيا واللوجستيات التابع للجيش شق طرقاً خاصة إلى القمة السورية، لنقل قوافل يومية من الشاحنات التكتيكية، المحمّلة بأطنان من مواد البناء والمعدات لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على قمة الجبل، على الأقل حتى نهاية الشتاء الحالي.