وضعَت وزارة الطاقة في العام 2010 ورقة سياسة قطاع الكهرباء والاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، بهدف تطوير قطاعَيّ الكهرباء والمياه. وبنظرة إصلاحية، طافَ وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل بورقته واستراتيجيّته، واعداً اللبنانيين بنهج جديد في إدارة الموارد العامة، يُفضي في نهاية المطاف إلى تأمين كهرباء 24/24 ساعة ومياهاً كافية كمّاً ونوعاً عبر استغلال المياه السطحية بالصورة الصحيحة عن طريق السدود. وبعد نحو 14 عاماً من الخطط وتعديلاتها، تفاقمت أزمة الكهرباء والمياه، الأمر الذي يستدعي تغيير النهج القائم منذ العام 2010، وهذا التغيير ملقى على عاتق حكومة القاضي نوّاف سلام ووزير الطاقة جو صدّي الذي تنتظره ملفّات كثيرة في أدراج الوزارة.
الهيئة الناظمة والسدودكبرت الفجوة بين الوعود التي حملها باسيل ومن بعده وزراء الطاقة المتعاقبين، وبين الواقع الذي أفرزته نتائج تطبيق الورقة والاستراتيجية. ولم تفلح الإضافات والتعديلات التي أُدخِلَت على الورقة والاستراتيجية، لا في الإتيان بالكهرباء ولا تحسين قطاع المياه.وعوض الانتقال إلى نهج جديد، استقبَلَت وزارة الطاقة العام 2025 بوعود تعيين الهيئة الناظمة والانتقال إلى الطاقة المتجدّدة، فضلاً عن التلويح بإحياء مشروع سدّ بسري الذي أوقَفَ البنك الدولي تمويله في العام 2020 بعد ضغوط شعبية استندت إلى تقارير علمية حول طبيعة الأرض والأثر التدميري للسد.استقبال العام الجديد بآلية قديمة للنهوض بقطاع الكهرباء والمياه، والإصرار على تحقيق نتائج جديدة، يقابله حقائق فرضتها التجربة. ففي الكهرباء لا يرى المواطنون أكثر من 3 إلى 4 ساعات تغذية يومية بالاعتماد على الفيول العراقي. وفي المياه، بحيرات مثقوبة يتمّ ترقيعها بملايين الدولارات (راجع المدن) وهو حال بحيرة المسيلحة التي احتفلت وزارة الطاقة في كانون الثاني 2020 بامتلائها حتى ثلثها، وذلك في سياق مرحلة تجريبية. ولم تصمد المياه في البحيرة لأكثر من 20 يوماً، فتسرّبت إلى جوف الأرض. وبحيرة المسيلحة ليست سوى نموذج عن باقي البحيرات وسدودها. (راجع المدن).وأتت هذه النتائج في الكهرباء والمياه، في ظل التسهيلات القانونية والسياسية التي تلقّاها الفريق السياسي الممسك بوزارة الطاقة منذ العام 2010، فضلاً عن السلف المالية التي أُهدِرَت. فكانت الوعود الإصلاحية شمّاعة يستعملها الوزراء لتصفير عدّاد الوعود القديمة وتشغيل عَدّاد جديد عاماً بعد عام، وبحسب الظروف التي تستدعي تجديد الوعود، وليس آخرها إصرار صندوق النقد الدولي على إجراء الإصلاحات كسبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية، ومن ضمنها الإصلاحات المتعلّقة بقطاع الكهرباء.
لا للترقيعمع تشكيل الحكومة الجديدة، ودَّعَت وزارة الطاقة الفريق السياسي القديم الذي انتهجَ الرؤية الباسيلية للقطاع. فالوزير صدّي يحمل نهجاً مختلفاً عَبَّرَ عنه من خلال تأكيده في حديث تلفزيوني، على أنّه "آتٍ لوضع خطة من أجل حلّ مستدام، فالترقيع يكلّف أكثر".بوادر رفض الترقيع، تمثَّلَت بنيّة الاحتكام للقانون الذي "يفرض وجود هيئة ناظمة للكهرباء أي يجب انشاء هذه الهيئة وإعطائها صلاحياتها"، وعليه "هذا ما سنراه في الأشهر القليلة المقبلة". وكما في قطاع الكهرباء، فللمياه حصّتها من الرؤية الجديدة التي تستند على قرار صدّي بـ"مراجعة استراتيجية السدود وأثرها".التحدّي ليس سهلاً وسط انهيار القطاع وعدم وجود مؤسسة كهرباء فاعلة، وفي ظل اهتراء البنية التحتية للكهرباء والمياه. لكن طالما أنّ نيّة تغيير استراتيجية العمل في هذا القطاع موجودة، يبقى الرهان قائماً. على أنّ إصلاح القطاع لا يستقيم مستقبلاً من دون المحاسبة، وإلاّ سيكون الإصلاح ترقيعاً. والمحاسبة تُبنى على إخراج المشاريع من الأدراج وإعادة دراستها وتقييم نتائجها وتحميل المسؤوليات لأصحابها عن أي خلل وهدر للمال العام. وإلى حينه، يبقى الثابت في هذا القطاع، أنّ العهد الباسيلي في الوزارة انتهى.