برز رئيس قسم الشؤون العربية في القناة العبرية الرسمية "كان 11"، روعي كيس، في السنوات الأخيرة، بوصفه المراسل الإسرائيلي الأقدر على الوصول إلى شخصيات عربية عامة وعادية، واستضافتهم في تقاريره اليومية، محاولاً إظهار نفسه كصحافي مخترق للعرب بمختلف جنسياتهم وفي شتى أماكن وجودهم.
ويعكف كيس على استضافة عرب بين الفينة والأخرى، عبر "سكايب" ووسائل تواصل أخرى، سواء بإظهار وجههم وكشف هويتهم، أو إخفائها عبر تغيير صوتهم وتظليل وجوههم، في سياق بحثه عن كل صوت عربي يمتلك موقفاً يدعو للسلام أو التطبيع مع إسرائيل.اللغة العربية والتراث و"العنصل"وولد كيس في تل أبيب العام 1987، وترعرع فيها، وتخرج من مدرسة ثانوية ضليعة بتخصص اللغة العربية. وهذا يعني أن المرحلة المدرسة الثانوية كانت بمثابة نقطة تحول في اهتماماته، ودرايته باللغة العربية، وتحديد توجهاته في ما بعد، رغم أن أصوله غربية وليست شرقية.وكان كيس معروفاً منذ بداية طريقه، بميوله واهتماماته باللغة والثقافة، وتحديداً التراث العربي، ربما من قاعدة "معرفة لغة وثقافة العدو جيداً كوسيلة لاتقاء شره". وكان هذا معياراً لاختياره في عمر 18 سنة كي تكون خدمته العسكرية في فرع استخبارات "العنصل" يتبع الوحدة 8200. وكانت مهمة ذلك الفرع الاستخباراتي رصد المعلومات المتاحة في المصادر المفتوحة، أي العلنية، كالصحافة ومواقع التواصل وغيرها.وخلال خدمته الإلزامية بالوحدة الاستخباراتية التي امتدت ثلاث سنوات، تمكن كيس من الإبحار والتعمق في العالم العربي، والاحتكاك به بشكل أكبر، علماً أن الجيش الإسرائيلي أغلق فرع "العنصل" في وقت لاحق، بعد إنهاء كيس خدمته فيها، لأن قيادة الجيش رأت أنه لا حاجة لرصد المعلومات العلنية، من منطلق أن العرب والفلسطينيين إذا أرادوا فعل شيء مخل بالأمن الإسرائيلي، لا يعلنون عنه في المصادر المفتوحة.وبعد هجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، برز نقد في أوساط أمنية إسرائيلية مفادها أن أحد عوامل الإخفاق الإسرائيلي بالتنبؤ مسبقاً بالهجوم هو إغلاق فرع "العنصل" بدعوى أن "حماس" ألمحت إلى نيتها بتنفيذ الهجوم عبر أفلامها ورسائلها الإعلامية. وبهذا المعنى، فإن هناك من يرجح عودة "العنصل" في سياق استخلاص العبر من الهجوم.وانتقل كيس بعد إنهاء خدمته في الوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية، إلى الدراسة في جامعة تل أبيب، وهذا مسار مألوف في إسرائيل، حيث ينتقل الإسرائيليون من المدرسة إلى الخدمة الإلزامية بالجيش وفروعه المختلفة، ثم يتجهون بعد ذلك إلى العمل أو الجامعة. ودرس كيس تخصص الصحافة والشرق الأوسط، ليبدأ عمله صحافياً العام 2012، بدءاً من صحيفة "هآرتس" ثم موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، وصولاً إلى عمله رئيساً لقسم الشؤون العربية في القناة "11" العبرية.من جيل شباب "الربيع العربي" وخلال عمله في "يديعوت أحرونوت" بدأ بالبروز كصحافي متخصص بالشؤون العربية وساعده على الوصول للنجومية بدء ثورات الربيع العربي، إذ كانت غالبية المراسلين والصحافيين المشهورين حينها في إسرائيل هم من الجيل القديم، وغير متفاعلين مع السوشال ميديا، ولديهم صور نمطية عن العالم العربي.ولأن كيس كان شاباً عشرينياً من جيل شباب ثورة الربيع العربي، كان الأقدر من غيره من الصحافيين الإسرائيليين على مواكبة تفاصيل ثورات الربيع العربي، وبصورة أوضح، ما منحه قدرة على إنتاج مواد مثيرة نالت تفاعلاً كبيراً من الإسرائيليين، خصوصاً شريحة الإسرائيليين الذين لطالما فضلوا سماع كل شيء سيء عن العرب.ومنذ العام 2017 يعمل كيس رئيساً لقسم الشؤون العربية في هيئة البث الإسرائيلية، وكوّن مصادر متشعبة له في العالم العربي، وتزوج قبل عامين، ويبلغ عمره الآن 38 عاماً. لكن كيس المعروف بكونه مراسلاً نشيطاً جداً في هيئة البث العبرية، لا يرتكن على اجتهاده في الوصول إلى مصادره في الوطن العربي، بل يؤكد صحافيون فلسطينيون يقيمون في أراضي48، أن تمكنه من استضافة شخصيات عربية وازنة، كوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قبل أكثر من سنة، عبر "سكايب"، وغيره من الشخصيات العربية العامة والعادية، يرجع إلى مساعدته من قبل جهات إسرائيلية رسمية، وتتجه الأنظار هنا إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز الموساد، كجهتين خفيّتين تساعدان الصحافي الصاعد.واستضاف كيس لبنانيين عبر "سكايب" وغير أصواتهم لإخفاء هويتهم، واعتمد على بعضهم في تصوير لقطات خاصة من داخل بيروت ومناطق لبنانية أخرى، ليضمنها في تقاريره. كما واكب عملية المعارضة السورية الأخيرة التي أسقطت نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، واستضاف مقاتلين سوريين، بينهم منخرطون في "هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى إعلاميين مصريين مثل توفيق عكاشة الذي استضافه كيس، الخميس الماضي، وانتقد حركة "حماس" في سياق حديثه عن حرب غزة.