2025- 02 - 12   |   بحث في الموقع  
logo ‏وضع إكليلاً من الزهر على ضريح الرئيس الشهيد.. مطر: جميعنا نفتقد رفيق الحريري logo بري تابع تطورات الأوضاع خلال لقائه الرئيس ميقاتي ووزير خارجية البرتغال logo شارل الحاج وزير الاتصالات بمهمة محددة: الإنجاز logo محمد كمال الخير يشكر حميه على الجهود التي بذلها الى جانب السائقين واصحاب شاحنات الترانزيت logo طليس شكر حمية على دعم قطاع النقل logo وفد “الوفاء للمقاومة” وجه دعوة لـ “بو صعب” لحضور تشييع الشهيد نصرالله logo درغام:سلام تجنى على التيار والايام ستثبت من لديه نية باقصائنا logo إسرائيل تعلن تمديد بقائها جنوباً: هل يتأثر تشييع نصرالله؟
معرض فاطمة مرتضى: الصراع بين جيلَين لن ينقذه "غرندايزر"
2025-02-12 12:55:50

قد تذهب الفنّانة فاطمة مرتضى مذهب الجاحظ حين قال: "المعاني مطروحة في الطريق، يعرّفها العجمي والعربي، والبدويّ والقرويّ والمدنيّ، وإنّما الشأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللفظ، وسهولة المخرج وكثرة الماء، وفي صحّة الطبع وجودة السبك، فالشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير".لجأت الفنّانة إلى صياغة الواقع الحالي باستخدام مفردات "النهر الجميل" الذي مضى، فأحيت بأعمالها المصطلحات القديمة، مُستخدمةً الألوان الزهيّة. ومصطلح "القديمة" تقتصر على طفولة من تجاوز سنّ الأربعين الآن. والألوان هي الفاصل بين الماضي والحاضر، فالفضاء المُستخدم في أعمال الفنّانة، هو مساحة رمادية تطفو على سطحها الأشكال البشرية "خطوطيّة" بالأسود والأبيض. وكلُّ عملٍ ممهورٌ بقصّة ملوّنة من الماضي. وكأنّ الفنّانة تُصرّح بأعمالها كافّةً، أنّ الماضي أجمل، وهذه الألوان مُترسّخة في ذاكرتنا، فأعمال: "سلسلة العالم المنجرف" (Drifting World Series) توضح بأن الإنجراف يجري بعملية معكوسة لونيًّا، فالحاضر بالأسود والأبيض، والماضي بَرَزَ كمساحات صغيرة ملوّنة. لكنّ الحاضر يطغى ليُشكّل المساحة المسيطرة على اللوحة، لكنّها مساحةً قاتمة، أشبه بالسواد الشفّاف الذي تضعه الأرملة الأرستقراطيّة شالًا في جنازة دفن زوجها الذي أورثها ماضٍ جميل.ومن المعروف فيزيائيًّا، بأن الانجراف هو حركة السيل من المساحات المرتفعة، نزولاً ليستقرّ في الأسفل. وفي أعمال الفنّانة مرتضى وضعت الماضي "الجميل" (في أغلب أعمالها) كأنه خلاصة الحاضر في أسفل مساحة الحاضر الوافرة، ليخيّل للرائي كأنّه توقيع مُهرَتْ به اللوحة، والتضادّ اللوني المقصود هنا، هو التعبير عن زهوّ الماضي الملوّن في بحر الحاضر القاتم. وهذا تصريح واضح بتفوّق الماضي على الحاضر. تمامًا كما يتحسّر المُسنّون: رزق الله ع أيّام زمان.. فببساطة، قد يتقاذف الجيلان تهمة السواد الحالي. فالشباب طامح إلى تغيير يحذف هذا السواد الناجم عن ماضٍ موروث برأيهم. امّا الجيل القديم، فيرمي التهمة مجدّدًا إلى الزمن الحاضر: "ما عاد حدا حسّ ولا حدا استحى!"لتدعيم صحّة رأي الفنّانة النقدي للعلاقة بين الماضي والحاضر، أو كما مُتعارف عليه "صراع الأجيال"، فإضافة إلى استخدامها الألوان المتضادة معناها مع الواقع (الألوان المزركشة للماضي والعكس)، فقد طغت الدقّة في رسم التفاصيل الملوّنة وابرازها على أنّها شديدة الإتقان من الزمن الماضي، على عكس الحاضر الذي يحتل مساحة كبيرة من اللوحة، وينساب اللون بمرونة كما الموج على سطح اللوحة، ليعبّر عن مرونة الجيل الجديد، وسهولة انتقاله من "كتف لكتف"! إن الطرح عميق بالنسبة لنظرة الفنّانة للمجتمع. واستطاعت ربط المجتمع (الماضي) بإيديولوجيا الدين من خلال الحديث النبوي عن الإتقان: "إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". وهذا الربط ذكرته على سبيل المثال فقط، لأشير إلى أن عملية الإتقان هي من أصالة الجيل الذي يعتمد كلّ الاعتماد على حضوره المهاري القيمي. المهاري من خلال اتقان الفنّانة لإنجاز عمل فنّي رائع. والقيمي، من خلال حمل القصص القديمة الواردة في اللوحات قيمًا، كانت تعتمد في عملية التربية والتعليم. بينما يرقص الجيل الجديد رقصات متناغمة في فضاء المساحة الواسعة، مُقيّدًا بإطار مربّع يحدّ حركته ويلزمها حدود اللاتغيير. قد ينتقدُ البعض المعرض بأنّه لم يقدّم الجديد على المستوى التقني، لكنّه كما أسلفت انّه منسجم مع قول الجاحظ:" المعاني مطروحة بالطرقات..". وقد يكون الأسلوب الفنّي من الناحية التقنية بسيط جدًّا، لكنّ الموضوع يتناول نقدًا لنمط حياة جيل بأكمله. وبالتالي الجيل مرتبط حكمًا بأبعاد أخرى. البعد التربوي بشكل أساسي، فالجيل القديم الذي يتمسّك بأصالة، قد يعاني من مواكبة التطوّر التكنولوجي خلال محافظته على الأصالة قد تنقلب إلى تحجّر - في بعض الأحيان- يُعاند مرونة تسمح له بمواكبة العصر. وبشكل منطقي وبسيط، فالمرونة لا تفترض إلغاء الماضي، بل تدفع دائمًا لاستقاء الدروس من التجارب السابقة، بل لا بدّ لها من الاستفادة من دروس الماضي. وبالواقع اللبناني، لو أسقطنا نظريّة الكاتب الروسي جورجي بليخانوف (1856- 1918) حول أنّ الفنّ للمجتمع وليس الفنّ للفنّ، ومن البعد الاشتراكي للنظرية، نُدخِل عرض الواقع اللبناني في مضمار التفكير النقدي. بمعنى أنّ الفنّ هنا عبارة عن موضوع يُناقِش من باب الرغبة بتغيير النمط السائد. وابداع الفنّانة يكمن في القدرة على تقديم المواضيع النقديّة والأفكار بشكل فنّي مبسّط، من دون ترك ثغرات أو سقطات "أسلوبيّة" تفسح المجال لتبخيس أعمالها. لا يمكن لأي ناقد إلاّ أن يخرج مُمتنًّا بعد مشاهدته لمعرض الفنّانة فاطمة مرتضى.التوازن بين الشكل والأسلوب عنصر أساس ومطلوب في أي عمل فنّي، وأعترف بأنّ كفّة الموضوع هنا هي التي غلبت الأسلوب. وهذا الاعتراف قد يُفقِدني موضوعيّتي بالنقد، لإعجابي بالمواضيع المُتدَاولة في أعمال المعرض. وعلى الرغم من رأيي "الذاتيّ"، فأنا أراه بنظّارتي "المُجتمعية" التي تنحاز تلقائيًّا إلى الطبقة المناضلة التي تقضي عمرها بمواجهة أزمات اصطنعها الطبقة اللامبالية بالآخر.ببساطة استخدمت فاطمة مرتضى مفردات شعبية، تناولتها من جعبة التربية لجيلٍ استفاق من مخيّلة وعظية، فركنت الشخصيات الواعظة في زوايا اللوحة، لتقول بوضوح تأييدها للتربية والأصالة. فقوّة الألوان واعتمادها القاعدة الذهبية في تأليف اللوحة، تجعل عين المشاهد تصطدم بها. أضف إلى أن ذاكرة المشاهد تستفيق لدى جيل الذين تجاوزوا سنّ الأربعين. فجيل اليوم لا يعرف أن لينا كانت "تعيرنا" إبرة وخيط، ولم يأبه لخيط الحرير الذي وُضع على حائط خليل..ولم يكن يُدرك بأنّ جدّي فقط من لا يملك سيّارة، بل "جدّي عنده حمار". اختلفت الطفولة عمّا قبل. فقد كانت مساحات التسلية محصورة في شاشة صغيرة وقصص مصوّرة وملوّنة. أمّا الآن، فالطفولة تجاوزت المساحات في فضاء اللوحة، حيثُ حصرت جهدها في الضغط على شاشات الهاتف الذكي، علّه يتذاكى علينا قليلًا. الصراع بين الجيلين لن ينقذه "البطل غرندايزر"، كما لن يُوقظ الأميرة النائمة، ولن يُوقظ حنّا من سكرته..كأنّ الفنّانة مرتضى تدعو الماضي بقوّة، ليأخذها إلى درب بعيدة "مطرح ما كنّا ولاد صغار". ما كان ينقص المشهد، هو أن تُسدَل الستارة على أصالة الماضي وجماله، ليقول بصوتٍ فيروز: "في ماضي منيح بس مضى/ صفّا بالريح بالفضا..".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2025
top